“أنا ذاهب ﻷتفقد أبنائي الموارنة واستقبل قداسة البابا فرنسيس في ابرشيتي المارونية الخاضعة لنطاق سلطتي كبطريرك ماروني” بهذه الكلمات والمصطلحات خاطب البطريرك الكاردينال بشارة الراعي الشعب اللبناني والعربي ولاسيما منتقدي الزيارة والمشككين فيها وفي توقيتها وأهدافها النبيلة.
غير أن المشكلة ليست في فكرة زيارة البطريرك، بل في كيفية قراءتها وفهمها بشكل موضوعي وعلمي بعيدا عن المصالح السياسية. فقد صرح غبطته في عديد من المناسبات، انه سيذهب ليزور اولاد كنيسته وهذا حقه الطبيعي والقانوني ولا احد يملي على الكنيسة ماذا عليها أن تفعل(راجع، شركة وشهادة، فقرة 40؛ مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، ق 83، بند1). ذاهب ليقول ما ينادى به على السطوح، انه من حق الشعب الفلسطيني ان يكون له دولة مستقلة ذات سيادة وحق العودة؛ ذاهب ليستقبل قداسة البابا فرنسيس في أبرشيته المارونية.
إن صوت الراعي لا يتناقض مع تعليم الكنيسة اﻹجتماعي لا بل يتناسق وينسجم مع صوت الراعي يسوع المسيح ومع صوت الابرياء والمستضعفين. حبذا لو أن منتقدي الزيارة البواسل يعودوا بالزمن ولو قليلا، الى فترة الحرب اللبنانية، يوم أتت الطوباوية الام تريزيا الى لبنان خارقة الحصار اﻹسرائيلي لتقدم الدعم والمساعدة من قبل الكنيسة للمخيمات الفلسطينية المحاصرة. وها البطريرك على مثال اﻷم الطوباوية، سيخرق الحصار، بجرأته المعهودة ومواقفه النبوية ليقدم للشعب الفلسطيني رجاء المحبة في الحقيقة، ليقول لا للظلم لا للعنف لا لهدر حقوق الانسان لا لانتهاك كرامة الشعب الفلسطيني، لا ﻹنتهاك حرمة الكنائس والجوامع واﻷديار واﻷديان واﻷنبياء والمعتقدات، لا لتصدير العنف… وأن القدس ليست ملكية ﻷحد، هي أم الكنائس، منها إنطلقت البشارة نحو العالم وإليها سيأتي بشارة البطريرك الماروني، حاملا معه رجاء قديسي لبنان الى اولاده المحاصرين.
إذا للزيارة وجهة كنسية بإمتياز، عنوانها افتقاد الراعي لرعيته، غير ان بعض اﻹعلامين والسياسين اللبنانيين والمحازبين، كما يقول المثل الشائع جعلوا” من الحبه قبه”. لم تهدأ أبواقهم من التهديد والوعيد والتخوين، إيمانا منهم بأن الضغط اﻹعلامي ربما يسهم في إرجاء الزيارة أو إلغائها الى أجل غير مسمى… غير أن غبطته يدرك تماما الواقع وحيثياته وتعقيداته، مما زاد في نفسه عزما وإصرارا في تحقيق الهدف الرعوي بإمتياز، ﻷن موقفه الرعوي يتضمن الكثير من العبر والدروس التاريخيه، أولها: أن الكنيسة ليست أداة بين أيدي الجماعات السياسة، ولا يحق ﻷحد أن يفرص عليها سياساته وأهوائه.
ثانيا، أن الكنيسة ليست مطية بين أيدي أحد، ولا يمكن بعد اليوم أن يزجها اي سياسي او حزب في سياساته الضيقة ومشاريعه الخاصة. لقد أعاد السيد البطريرك للكنيسة في الشرق اﻷوسط، دورها النبوي والانساني المجرد من السياسة، فالكنيسة هي كنيسة المسيح وليست كنيسة المحسوبيات السياسية (مسح الذقون). إن البطريرك الراعي ليس إلا تكملة لمسيرة البطاركة العظماء “رجال الله” الذين نهجوا خطا نبويا في الكنيسة، وها اليوم يحصد بواكيرها. ستشهد الزيارة المرتقبة تطورات كبيرة على صعيد تعليم الكنيسة اﻹجتماعي وعلاقة الكنيسة بحل اﻷزمات اﻹنسانية عبر تقديم الحلول الناجعة والطويلة اﻷمد التي تحفظ كرامة الشعوب. إن ما سنشهده في هذه اﻵونة من تاريخنا المعاصر، سيكون من إحدى علامات اﻷزمنة. حفظ الرب بطريرك انطاكية وسائر المشرق الكاردينال بشارة الراعي من كل مضرة وشر…
زينيت