يدخل «فايسبوك» عامه الحادي عشر، بثبات ونجاح اقتصادي واستقطاب شرائح اجتماعية واسعة. لا يبدو العملاق الأميركي مهدّداً، الآن على الأقل، بإزاحته من صدارة مواقع التواصل الاجتماعي.
الأسباب متشابكة، ولا يمكن تلخيص ذلك بمجرد قوة «فايسبوك» أو ضعف منافسيه، وإنما للمسألة علاقة بما يمثّله من «رأسمالية رقمية» مهيمنة، تجعله ضمن مجموعة من الشركات الكبرى المؤثّرة في آلية صناعة الأخبار، ونشرها، واستخدام تأثيراتها نفسياً واجتماعياً على الصعيد الفردي والجمعيّ.
يستثمر «فايسبوك» هذه السلطة التي يمتلكها على مستخدميه للوصول إلى ما هو أبعد من خلق فضاء شخصي للتعبير. فالشركة مهتمّة أساساً بالمعلنين الذين يشترون من الموقع، مساحة الوصول إلى أكثر من مليار مستخدم. وهذه النقطة بالتحديد هي على رأس ما يشغل قسم العلاقات العامة في الموقع/الشركة. لذلك لا تقوم فقط بدراسة وضع «فايسبوك» على خريطة بيانات وأرقام ومعطيات السوشل ميديا آنياً، بل بالبحث عن موقعه ضمن هذه «الرأسمالية الرقمية» كلها.
في مقال بعنوان «الحياة بعد فايسبوك»، نشر على موقع «الجزيرة انترناشونال»، يناقش الباحث والكاتب دانيال هيند آلية عمل الموقع والتي تختلف عن آليات عمل وسائل الإعلام الأخرى. ففي حين تعمل الصحف والمجلات والإذاعات على استقطاب المعلنين لفئات مدروسة ومقسمة من الجمهور، فإن «فايسبوك»، واللاعبين الرقميين الآخرين، يستخدمون استراتيجية محددة وشديدة المباشرة.
ففي الشكل الحالي للميديا الاجتماعيّة، يقول هيند، ثمة «آخرون» يلتقطون القيمة الاقتصادية والسياسية للمعلومات والبيانات التي نقوم بـ«توليدها» كمستخدمين (وهو هنا يقترب من سلافوي جيجك الذي قال إن السوشل ميديا، عموماً، فتحت عيوننا على «وهم» الحرية الفردية). ثمة من هم معنيّون، وتسيّرهم دوافع محددة باستخلاص أقصى ما يستطيعون من معلومات، وضمان «قيمتها العالية» قدر الإمكان، بحيث كلما زادت هذه المعلومات كمّاً ونوعاً، استطاعوا بيعها بسهولة أكبر، خصوصاً مع وجود جهات جاهزة لتلقيها. يقع «فايسبوك» في صُلب هذه الآلية، وهو بنظر دانيال هيند في موقع الاتّهام، نظراً لتوسّع النقاش حول انتهاك الموقع خصوصيّة مستخدميه.
لكن كيف يمكن تصوّر بديل عن «فايسبوك»، ومن أين سيأتي؟ هل نجده ضمن مجموعة المواقع التي تُسجّل حالياً ضمن لائحة منافسي الموقع الأزرق، مثل «تويتر»، و«بينترست»، و«لينكد إن»، و«تمبلر»، و«إنستغرام»؟ أم ضمن مواقع صاعدة بقوة تسعى لتثبيت نفسها اقتصادياً و«شعبياً» مثل «فور سكوير»، و«باث»، و«دياسبورا» (يعني الشتات بينما هو موقع تواصل). ويعد مطوّرو الموقع الأخير بأن يكون شبكة اجتماعية تتيح للمستخدم امتلاك تحكم كامل ببياناته.
لا يسجّل دانيال هيند موقعاً محدَّداً ليكون بديلاً عن «فايسبوك»، وإنّما يكتب عن «سياسة جديدة لتأسيس الشبكات الاجتماعية»، قد تحل مكان هيمنة موقع محدّد على المستخدمين وعلى اهتماماتهم. يقترح هنا بنية جديدة لـ«السوشل ميديا» قوامها شبكات ذات مصادر عامة ارتباطية، بمعنى أن يتمكن الأفراد ذاتهم من امتلاك المعلومات التي يقومون بإنتاجها والقيام، هم كمستخدمين/ مالكين (Users – Owners)، بتحديد حركة هذه البيانات واستخداماتها والتحكم بآليات نشرها، مما يؤمّن، بحسب تعبير هيند، تكافؤاً سياسياً واقتصادياً ومعلوماتياً بين المستخدمين، ويخلّصهم من هاجس استغلال بياناتهم.