يقول الأب ريموند براون – Raymond E.Brown ، أنه يصعبُ علينا في إكتشاف أنّ يوحنا الإنجيليّ الوحيد الذي يفترضُ علنا وجودًا سابقا لابن الله . لذا ، الصورة التي يرسمها الإنجيليّ يوحنّا عن يسوع ، هي صورة فريدة من نوعها في كلّ كتابات العهد الجديد ، إلى حدّ بعيد . لاشكّ ، أنّ آيات عديدة من الكتابات البولسيّة فسّرت على أنها تلمّح إلى وجود سابق ، ولكن معظمها يبقى غامضا وقابلا للنقاش .
فيسوع ، عند يوحنا ، كان يتقاسم المجد مع أبيه قبل إنشاء العالم ، ونزل من السماء على الأرض ، وأخذ جسدًا ، وكشف للعالم ما رآه وسمعه إذ كان عند الآب . ولقد بحث الأب براون في كتابه ” جماعة التلميذ الحبيب ” ، مساهمة يوحنّا في سبر غور حكمة يسوع وقوّته بهذه الصورة الدقيقة . يقول : يدعو الإنجيليّون يسوع ” ابن الله ” ، كلّ بحسب تصوّره الخاصّ ، حتى وإن لم يحدّدوا شخصيّته ، بصورة علنيّة ، ككائن سابق للخليقة .. والوجود السابق الوارد لدى يوحنا هو التعبير عن الحكمة والقوّة الإلهيّتين المنسوبتين ليسوع من قبل الإنجيليّين جميعهم .
يقول الراهب الدومنيكيّ برنار راي ، مختصّ في علم الكرستيولوجيا : إن الوجود السابق ليسوع يعبّر عن تسامي يسوع على التاريخ. فالوجود السابق ليسوع يعني ، حرفيّا ، “الإستباق في الوجود ” ، إنّ هذه الفكرة تعني أنّ يسوع لا يأخذ جذور وجوده من التاريخ وحده ، بل إنه يتجاوز التاريخ . لا لإنه مُجّــــد إلى يمين الآب ، بل لذاته أيضا . ولقد أكّد العهد الجديد على هذا الوجود السابق بأشكال ٍ شتّى ، وعلى سبيل المثال ، تحدّث بولس عنه ، إذ أكّد على أن يسوع هو ” الابن الحبيب للآب ” ، وهو ” أيقونة (صورة) الله غير المنظور ” ، وهو الذي به ، وفيه ، ومن أجله ” خلقَ كلّ شيء ” (قولسّي 1 : 13 – 20) . لدينا أيضا الخبرة الفصحيّة في مقدّمة الأسباب التي أتاحت للوصول إلى هذه الإثباتات الخارقة (الوجود السابق) ، علمًا بأنّ هذه الخبرة الفصحيّة تعني خبرة الخلاص . فإذا ما اكتمل مخطّط الله بيسوع ، أفليسَ أنّ الله هو الذي رسمَ هذا المخطّط ؟ فبين البداية والنهاية ، بين الألف والياء لا بدّ من قطب للإلتقاء ! وعندما اكتشف الوثنيّون الطريق إلى الله بيسوع ، هم الذين كانوا يعبدون القوّات السماويّة ، فلقد فهموا بالفعل ذاته أنّ يسوع هو أسمى من هذه الكائنات غير المرئيّة التي كانوا يسجدون لها ويتّخذونها وسائط للبلوغ إلى الله .
هناك أيضا مصدر آخر لتلك الإثباتات هو حياة يسوع ذاتها . فعندما أعاد التلاميذ قراءة حياة يسوع على ضوء القيامة ، فهموا أنّ إدعاءات يسوع في وضع ذاته فوق الشريعة والهيكل ، كممثّل لله الذي وحده يغفر الخطايا ، إنّـــما تنبثقُ من هويّته الإلهيّة القائمة . وكانت سلطة يسوع قبل القيامة رهانا على أن قوّة الله كانت فاعلة فيه مذ ذاك .
القضيّة الأخرى التي أتاحت للتلاميذ أن يأخذوا بفكرة ” الوجود السابق ليسوع ” ، فهي العهد القديم . إنّ التأمّل بالعهد القديم فتحَ لهم الطريق لإيجاد لغة جاهزة تساعدهم على التعبير عن سموّ يسوع فوق الطبيعة . صورة ” الحكمة ” التي نجدها في النصوص الحِكَميّة الكبرى ، نراها في هيئة شخصيّة تتمتّع بعلاقة حميمة مع الله ، وبيدها المبادرة للتحكّم بمصائر العالم : لم يبذل التلاميذ كبيرَ عناء لتطبيق هذه الصور على شخص يسوع ، وقراءة أبعادها في شخصيّته .