كرّم البابا فرنسيس في يونيو 2017 الراهبة البولنديّة البطلة رافائيلا ولودارزاك.
ارتبطت حياة الأخت رافاييلا ولودارزاك خلال العقود الخمس الماضيّة ببيت السلام الخاص بالأطفال ضحايا النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني الطويل. أسست البيت في 8 ديسمبر 1967 معتبرةً انه “بيت السلام على جبل الزيتون” في القدس.
فلنتخيّل راهبة تنتعل أحذيّة مطاطيّة تحمل مواد البناء على ظهرها من أجل بناء منزل… كلّ ذلك نقطة في بحر الكفاح الذي خاضته الراهبة من أجل غد أفضل لأيتام الحرب والمسيحيين في الأرض المقدسة. فقد تمكنت، على الرغم من كلّ التجارب والمحن، من بناء بيتَين للأطفال في القدس وبيت لحم، في الأراضي الفلسطينيّة.
بدايات صعبة
تذكر الأخت رافاييلا أن حرب الست أيام بين الإسرائيلين والفلسطينين يتّمت عدد كبير من الأطفال ما اضطرهم إلى العيش في الطريق أو المقابر، يأكلون من القمامة أو يعملون للحصول على الطعام علماً ان هذا العمل كان متعبا جداً بالنسبة للأطفال.
“قررنا الاهتمام بهم وبناء بيت لهم”. فبدأت مع الأخت إيملدا بلوتكا بجمع الأطفال الأيتام من الشارع. استأجرتا بدايةً بعض الغرف وكانتا تلعبان على القيثارة وتغنيان من أجل جمع الأموال للطعام.
لم تكفي الأموال إلا لشراء الطعام وبعض الألبسة لا لدفع الإيجار. عندها تحركت المعونة الإلهيّة. فتوقفت سيارة مرسيدس أمامهما وهما تجمعان الأموال فخرج منها رجل وسأل ان كانتا تهتمان بأيتام الحرب فقدم لهما مغلفاً فيه ألف دولار.
بيت الأحلام
حلمت الراهبتان ببيت للأطفال. بدا ذلك بعيد المنال الى حين حصلتا على قطعة أرض هبة. وتقول الراهبة: “كان بالنسبة إلينا أجمل مكان في العالم: جبل الزيتون المطل على القدس القديمة. طلبنا رخصة بناء. انتظرناها طويلاً لكن عندما لم تأتي بعد فترة طويلة بدأنا البناء دونها. فانتقل الملف الى القضاء. لدهشتنا، أكد القاضي الإسرائيلي انه لن يسمح بتدمير الميتم لأن للراهباتَين والأطفال حق العيش فيه. دفع ثمن قراره هذا غالياً ففصل من مهامه وارسل الى الريف.”
اضطرت الراهبتان الى نقل المواد بنفسيهما ليلاً لعدم تسليط الأضواء على المبنى وافتُتح بيت السلام أخيراً في 8 ديسمبر 1967.
راهباتان بطلاتان وأسلاك شائكة
زار يوحنا بولس الثاني الأرض المقدسة في مارس 2000. التقى في بطريركيّة القدس الأخت رافاييلا وأطفال بيت السلام. بعد فترة وجيزة، دخل آرييل شارون منطقة ما كان يُعرف بمعبد القدس ما أثار موجة من أعمال الشغب في الأرض المقدسة. رداً على ذلك، طوّق الجيش الاسرائيلي مدينة بيت لحم فلم يتمكن احد من الدخول أو الخروج من المدينة.
كانت الراهبتان قد ارسلتا، في وقت سابق، بعض الأطفال الى أسرهم في بيت لحم، لم يتوقع أحد ان تتعقد الأمور الى هذا الحد. اتصلت العائلات بعد بضعة ايام تطلب من الراهبتَين أخذ الأطفال من جديد لعدم توفر الطعام في بيت لحم. فانتقلت كلّ من الأختَين رافاييلا وكريسبينا (البالغتَين 70 سنة وأكثر) من القدس الى بيت لحم سيراً على الأقدام.
حملتا الصليب وعلم الفاتيكان وعندما وصلتا الى منطقة الطوق الأمني، هرع جندي مدجج بالسلاح نحوهما وطلب منهما عودة أدراجهما.
“فسرنا له اننا متوجهتَين الى بيت لحم من أجل مساعدة أطفال جياع. بقي نقاشنا دون جدوى. أردت ان اتحدث مع الضابط المسؤول. لم يكن متجاوباً هو أيضاً. غضبت وسألته ان كان قد تحدث مع جدَيه بشأن معسكرات الاعتقال والأطفال الذين حرموا المساعدة خلال الحرب.”
“سمح لنا الضابط، عند سماعه هذه الكلمات، بالمرور محذرا انه باستطاعتنا البقاء لساعتَين لا أكثر. لحسن الحظ، كان ذلك كافياً لإعادة الأطفال الى القدس.”
وتمكنت الأخت رافاييلا بمساعدة عدد كبير من الأناس الطيّبين من حول العالم من بناء بيت ثانٍ للأطفال في بيت لحم وذلك على مقربة من الجدار الفاصل المحيط بالمدينة.
وتقول الأخت رافاييلا: “حاولنا، طيلة هذه السنوات، ان نعلم أطفالنا ان الأهم في الحياة هو القدرة على المسامحة على الرغم من كلّ شيء. تخرّج عدد كبير من أطفالنا من الجامعات وهم ناجحون اليوم في سوق العمل. تزوج البعض منهم وبدأ بتأسيس عائلة. آمل ان ينقلوا النور الى حياة الكثيرين من حولهم.”
اليتيا