تستعجل الجامعة اللبنانية وأهلها إقرار مجلس الوزراء ملفات تتعلق بالجامعة. لا بأس عند البعض، ومنهم الأداة النقابية للجامعة أي رابطة الأساتذة المتفرغين، السير بملف تفرغ المتعاقدين من دون تعيين العمداء وتشكيل مجلس الجامعة، وهو أمر يبدل في الأولويات.
الدمج بين ملفات الجامعة، جعلها تتخبط بمشكلات ادارية وأكاديمية، وان كانت كل الملفات مهمة وحسمها ضروري للجامعة. لكن الأولوية أكاديمياً لاستعادة الجامعة بعض هيبتها ودورها ووظيفتها تتمثل بتعيين العمداء وتأليف مجلس الجامعة، كي تستقيم القرارات بمرجعية أكاديمية ديموقراطية وتخرج من دائرة التجاذب من خلال مجلس يترأسه رئيس الجامعة، وان كان ما يسمى بمجلس العمداء واعضاؤه جميعهم بالتكليف يجتمع تحت عباءة رئيس الجامعة، لكن صلاحياته غير رسمية، باستثناء رئيس الجامعة المعين بقرار من مجلس الوزراء منذ نحو سنتين ونصف السنة. ويعني ذلك ان رئيس الجامعة يستطيع أن يتخذ القرارات كونه رئيساً بالأصالة، فيما مجلس العمداء بالتكليف يوافق عليها، وان كان كل عميد يصدر قرارات بالتنسيق مع مجلس وحدته ويمارس مهماته كاملة.
ويدرك الجميع في الجامعة أن تأليف مجلسها بعد تعيين العمداء يحل الكثير من المشكلات، فيما اقرار التفرغ يحل مشكلة أخرى فرعية تتعلق بإعادة الاعتبار للتفرغ بدلا من التعاقد فيها، خصوصاً وأنه باتت نسبة المتعاقدين تقارب الـ70 في المئة من عدد أساتذة اللبنانية. لكن مجلساً أصيلاً في الجامعة يضع حداً لكثير من المخالفات ويعيد الاعتبار للمعنى الأكاديمي للمؤسسة ووظيفتها، ويبعد ما ذهبت اليه قوى سياسية بالدعوة الى بحث صيغة جديدة للجامعة من بينها اقتراح استقلالية الفروع كجامعات مستقلة تابعة لمركز عام في بيروت، وفي المقابل، مجلس الجامعة يضع حداً لتدخل المستشارين في قضايا الجامعة، وبعضهم يحل ويربط، أو الأحادية في القرارات في غيابه، كما يحصن موقع العمادات، أمام بعضها الذي يغرد بطريقة فاضحة داخل كليته، والبعض الآخر المتربع بالتكليف منذ سنوات طويلة، حتى نسي أنه مكلفاً بالعمادة، فيتخذ القرارات ويحدد الباحثين ويصنف ويمنح الدرجات ويوزع الساعات من دون العودة الى الأصول القانونية، وبذلك يتأكد يوماً بعد يوم أن تأليف المجلس طريق استقامة أمور الجامعة وبحث تطويرها ووقف المخالفات وتحديث قانونها وتعزيز أكاديميتها وديموقراطيتها، أمام ما حل بها جراء التدخل السياسي في شؤونها.
لكن تعيين العمداء، وإن كان أمام هذا الملف صعوبات في مجلس الوزراء وخارجه، وعلى رغم أن وزير التربية والتعليم العالي تعهد إنجازه سريعاً، الا ان إعادة بحث الأسماء تبقى مسألة ضرورية، ثم السير بالنتائج التي أظهرتها انتخابات الأسماء الخمسة في الكليات، وإعادتها في بعض الكليات التي شابها ثغر أو اعتراضات أو طعن، علماً أن التكليفات الأخيرة لثمانية عمداء يمكن تثبيتها وفق الآلية المتبعة أكاديمياً وإقفال الثغر في الكليات الأخرى التي تحتاج الى عمداء وفق الكفاية والآليات التي يحددها القانون، الى التوازنات وعملية التوزيع الطائفي المتبعة منذ سنوات في الجامعة. والمهم رفع لائحة أسماء متكاملة لاختيار مجلس الوزراء اسم عميد لكل كلية، اذا تسنى تفكيك الألغام السياسية التي أوقفت تعيين عمداء بالاصالة منذ العام 2004.
ويركز الجميع في الجامعة، أهلها تحديداً، والقوى السياسية، على ضرورة تعيين عمداء أصيلين، ثم إقرار ملف التفرغ. وإن كان التشكيك يطغى أحياناً على المواقف. رئيس الجامعة الدكتور عدنان السيد حسين، يرى ضرورة تعيين العمداء وتشكيل مجلس الجامعة، حتى انه يريد الذهاب الى النهاية في هذا الملف، وقد يضطر وفق قوله الى السير بخطوات سلبية ما لم ينجز في وقت قريب مع ملف التفرغ، لأن الوضع ما عاد يحتمل تخلياً رسمياً عن الجامعة. اما رئيس الهيئة التنفيذية لرابطة الاساتذة المتفرغين الدكتور حميد حكم، فيرى أولوية لتشكيل مجلس الجامعة، وهذا موقف الرابطة، لكنه لا يمانع في السير بملف التفرغ من دون العمداء لتأمين ثبات الكادر التعليمي، بعدما أصبح المتعاقدون يشكلون اكثر من ثلثي عدد اساتذة اللبنانية.
واذا كانت القوى السياسية والتيارات الحزبية تدعو الى تعيين العمداء، انما الخلاف على كيفية تعيينهم، ثم الحصص التي يطالبون بها، فيما يشدد مستقلون في الجامعة على ضرورة تعيين العمداء، والحفاظ على ديموقراطية القرار في الجامعة واستقلاليتها. وذلك يستدعي تطبيق القانون كي لا يعود التجاذب في ملفات معينة، وتثار ردود فعل طائفية عليها، كما حصل أخيراً، وذلك على رغم انه لا يوجد أي نص في القانون 66 يقول بتوزيع طائفي للعمادات.
يبقى أن تشكيل مجلس الجامعة بات ضرورياً، ليس فقط لاستقامة أمور الجامعة والسير في تحديث قانونها، انما لوقف التجاوزات الحاصلة لبعض العمداء الحاليين المتربعين على كليات منذ سنوات عديدة بالتكليف، وفق مصادر جامعية. فلم يعد مقبولاً مثلاً اتخاذ قرارات فردية والتصرف فوق مجلس الوحدة، فهناك عميد يصنف الأساتذة ويقرر البحوث ويعيّن ويتعاقد ويحدد موازنات وغيرها من دون رقابة ولا قانون، فيما يحاسب اساتذة على ملفات معينة ويغطي في المقابل مخالفات آخرين. فهل يستمر بذلك في وجود مجلس جامعة أصيل؟
قرار التعيين بيد مجلس الوزراء فهل يشكل مجلس الجامعة، علّ بذلك لا يعود هناك ثغر وخرق في تطبيق القانون 66، ولا تدخل سياسي مباشر في شؤون الجامعة؟ مجالس الوحدات انتخبت 5 أسماء عن كل كلية وفق القانون 66، انما انجاز الملف نهائياً يحتاج الى إزالة شوائب عالقة في بعض الكليات، ليختار بعدها رئيس الجامعة مع وزير التربية والتعليم العالي 3 أسماء عن كل كلية لرفعها الى مجلس الوزراء الذي يختار اسماً عن كل كلية ويعين عميداً لها. لكن المشكلة تكمن في طريقة اختيار ثلاثة من كل خمسة، وسط الخلافات الطائفية على الأسماء. وفي هذا الموضوع يصر رئيس الجامعة على تطبيق القانون 66، لكن أمامه حواجز كبرى. ولذلك تعتبر مصادر، بما ان تشكيل مجالس الفروع والوحدات سارت قانونياً من دون أي اشكالات، إن تعيين العمداء واقتراح الاسماء في هذه المرحلة يجب ان يكون بالتوافق بين كل الاطراف، خصوصاً في ظل الانقسام المذهبي الذي تشهده البلاد، وخوفاً من أن تنسحب الامور على كليات يعتبر البعض انه الاكثر تمثيلاً طائفياً لها!.
النهار