قال الكاردينال هنري نيومان ” المسيحيّ هو الشخص الذي يراقب المسيح ” …
السنة الطقسيّة ، تجعلُنا أناسًا لهم شجاعة الإنتظار حتّى مجيء الربّ . يُروّضنا زمنُ مجيء المسيح على الصبر كي لا نبدأ بالإحتفال بشكل مبكّر ، ونقاوم تجربة الإحتفال بميلاد المسيح قبل مجيئه على الرغم ِ من ملء المحلّات بعلامات تقول بميلاد مجيد …
إنّ الكلمة اللاتينيّة الخاصّة بالفعل ” ينتظر ” هي Attendere التي تعني أنْ يستلقي المرءُ نحو الأمام . نحنُ حريصونَ على أن نفتحَ ذواتنا على ما سيأتي كما هو الحال مع المرأة التي تستعدّ لكي تضعَ مولودها . فتتّسم كلّ السنة الطقسيّة بـــ ” لحظات إنتظار ” : سبت النور يجعلنا نتوقّف بين الموت والقيامة ، وإنتظار لحظة الإنتصار كما ننتظرُ بين عيدي الصعود والعَنصرة التي هي عطيّة الروح القدس .
نتساءل : لماذا الإنتظار ، هو جزءٌ كبير ومهمّ في حياتنا المسيحيّة وفي كيان المسيحيّ ؟
لماذا لا يعطينا الله الآن ما نتوقُ إليه ، العدالة من أجل الفقراء ، والسعادة الكاملة من أجلنا ؟ لقد مضى تقريبًا 2000 عام وأكثر على قيامة المسيح ولا نزالُ ننتظر الملكوت .. لماذا ؟
إنّ أحد أسباب أخذ إلهنا وقتا طويلا جدا في المجيء ، هو أنه – كما يقول الأب تيموثي رادكليف الدومنيكيّ – ليس أيّ إله ٍ ، فإلهنا ليس كما يقول الرئيس جورج بوش ، عبارة عن رجل خارق سماويّ غير منظور على الصعيد الكونيّ الذي يأتي إلينا بغتة ً محدثا جلبة ً في الخارج . إنّ مجيء الربّ لا يكونُ على شكل فارس ٍ يمتطي فرسًا قادم لنجدتنا !! .. يأتي الله من عمق أعماق داخلنا ، كما يقولُ القديس توما الأكوينيّ ؛ فهو أقربُ إلينا من قربنا لذواتنا . يأتي الله إلينا كما يأتي الولد إلى أمّه في عمق كيانها مُحدِثا تحوّلا بطيئا في جسدها . أما غير ذلكَ فيكونُ عبارة عن عنف ٍ وإيذاء . نحنُ جسديّون ، وأجسادنا تعيشُ ضمن َ زمن معيّن . فترة الحمل تستغرق تسعة أشهر ، وعظامنا المكسورة تحتاجُ إلى وقت لتلتحم . كما نحتاجُ إلى فترة زمنيّة لكي تزول الحمّى وكذلك الحال مع النموّ والشفاء . نحتاجُ إلى الصبر لإن الله لا يأتي إلينا كعامل ٍ خارجيّ ، بل من خلال ألفة ٍ حميمة مع كياننا الجسديّ الذي يعيشُ في زمن ٍ محدّد .
في زمن مجيء المسيح ، نُشبه أناسًا مجتمعينَ حول السرير ينتظرونَ المولود الجديد . لم يكنْ مجيء الله إلينا كمجرّد ولادة طفل ، بل كان ” مجيء الكلمة ” … هل مثلُ مجيء وولادة اللغة ؟ اللغة الإنكليزيّة احتاجتْ إلى مئات السنين حتى تطوّرت إلى المرحلة التي كتبَ فيها شكسبير مسرحيّة هاملتْ . بالمنحى ذاته ، تطلّب الأمرُ آلاف السنين قبل أن يكون هناكَ لغة تتحدّث عن كلمة الله في صورة يسوع المسيح . إحتجنا إلى جميع الخبرات : خبرة التحرير والسبي وبناء الممالك وهدمها ، إحتجنا إلى عدد لا يحصى من الأنبياء والكتبة والشعراء والآباء الذين جاهدوا ليجدوا كلمة قبلَ أنْ يولد يسوع الكلمة : لا تنزلُ كلمة الله من السماء مثل ” إسبيرانتو |” ( لغة تمّ إبتكارها العام 1887 ، فنّ تواصليّ عالميّ إرتكزَ على كثير من اللغات الأوربيّة ولكن بقواعد وألفاظ ٍ سهلة ) السماويّة : اللغة الشاملة جميع اللغات الإنسانيّة . بدأت آلام المخاض لولادة الكلمة عندما بدأ الإنسان الأوّل بالكلام .
زينيت