لعنة الجغرافيا تلاحق مسيحيي سوريا، بدءا من صدد السريانية التي حاول التكفيريون السيطرة عليها بهدف قطع طريق دمشق – المنطقة الساحلية لكنهم فشلوا، وصولاً الى محردة الارثوذكسية التي تتعرض لهجمات متتالية من “النصرة” بهدف السيطرة عليها مما يفتح الطريق امامهم وفق العارفين بالطبيعة الجغرافية – الديموغرافية لسوريا الى جبال العلويين وعقر دارهم، وتحديدا مدينة سلحب التي يسكنها العلويون وفيها اكبر معمل للسكر في سوريا، كما يفتح الطريق الى مدينة حماه ومطارها العسكري ويعيد خلط الاوراق العسكرية والسياسية في شكل غير مسبوق.
تتداخل الصورة على الارض، واهالي محردة الارثوذكسيون على ما يقول من يتصل بهم، ليسوا طائفيين اطلاقا على رغم ما يتعرضون له من هجمات متواصلة تشنها “النصرة” واخواتها وقصف صاروخي ومدفعي لا يتوقف بهدف ارهاق الاهالي واحباط معنوياتهم بذريعة انهم متعاونون مع النظام السوري. والحقيقة كما يقول رئيس “الرابطة السريانية” حبيب افرام ان المعارضات الاسلامية لم تبق مسيحيا في المناطق التي دخلتها، في حين يعيش المسيحيون والاقليات في كل المناطق التي يسيطر فيها النظام وتلك حقيقة تثبتها الوقائع، إضافة الى ذلك يؤكد الاهالي في محردة ان نسبة المنضوين الى “جيش الدفاع الوطني” وميليشيا الحزب السوري القومي الاجتماعي لا تبلغ نسبة الثلث من المدافعين عن محردة، وان المسلحين في غالبيتهم الساحقة هم من الاهالي الذي هبوا للدفاع عن احيائهم وعرضهم ضمن “اللجان الاهلية” ودفاعا عن وجودهم كي لا يلقوا مصير مسيحيي الموصل وسهل نينوى.
لا يريد اهالي محردة القتال من موقعهم كمسيحيين ارثوذكس، وهم يحرصون على انتقاء عباراتهم كي لا يستشف منها اي رد فعل طائفي او مذهبي، وقد سخروا بالامس من الكلام الذي قاله عضو “الائتلاف السوري المعارض” جورج صبرا، ويردون عليه بأنهم وأبناء حلفايا (السنة) يتقاسمون شظف العيش والتعب في الكروم والعيش معا، وجل اهتمام الاهالي ان يبتعد مسلحو “النصرة” والجماعات التكفيرية وغيرها من المسلحين عن مدينتهم ويشددون على نقطتين: الاولى “اننا لسنا شبيحة كما تدعي مواقع التكفيريين، ونحتفظ بأفضل العلاقات مع جيراننا ونستقبلهم في مستشفياتنا واسواقنا ولا احد يتعرض للآخر الا من يريد ايقاع الشر بنا، وجل هدفنا اننا لا نريد ان يدخل غريب الى مدينتنا ويفرض رأيه ومعتقده علينا”.
اما النقطة الثانية فتتعلق بوجود قوات الجيش السوري في دير محردة، ويؤكد الاهالي ان مدفعية الجيش موجودة في اراضي مصلحة المياه التابعة للدولة، ولا يستطيع لا البطريرك الارثوذكسي ولا غيره ان يطالب الدولة بسحب جيشها من هناك، خصوصا في ظل الوضع العسكري القائم والتهديد العسكري الدائم من التكفيريين باجتياح المنطقة والدخول عبرها الى مناطق العلويين والمسيحيين، وتكرار نموذج بلدة كسب الارمنية الحدودية التي اريد لها ان تكون ممرا الى الساحل السوري.
يشرح احد ضباط الجيش السوري المتقاعدين لـ”النهار” خريطة ما يجري في تلك المنطقة، ويقول ان توزع القوى في انحاء حماه وحلب وشمال حمص متداخل الى حد كبير وغير مسبوق في تاريخ النزاعات العسكرية، وفي رأيه ان اختيار زعيم “النصرة” الجولاني للهجوم على محردة كان بهدف قلب الطاولة وتغيير مسار الامور في منطقة شمال سوريا بكاملها، وخصوصا للتقدم على محور حماه وتأمين الاشراف على منطقة حمص والعودة منها الى تهديد طريق دمشق – المنطقة الساحلية، والامور ليست من السهولة بمكان، كما ان النظام السوري يدرك هذه الحقيقة والجميع يتجه نحو معركة قاسية جدا في الايام المقبلة.
النهار