لطالما عَشقْتُ تلك الأمّ السماوية وما لها من فضائل على البشريّة وخصوصًا من النّعمة التي وضعها الآب السماوي فيها؛ ألا وهي النعم الإلهية التي جعلت الكلمة تتجّسد بيننا وتصير القيامة ألا هو ربنا وسيّدنا يسوع المسيح. لبنان مشهور بتعبّده لمريم أم الربّ ورمز الكنيسة؛ فمن حوالي السنتان تمّ تكريس لبنان إلى قلب مريم الطاهر وذلك تلبية لنداء العذراء في فاتيما. أحببت ذكر ذلك، ليس من باب التكبّر بل من باب تأثير العذراء على بلدي الحبيب الذي في ظلّ حرائق المنطقة لم تطله إلى الآن وذلك بفضل شفاعتها وبركة إبنها الملك السماوي وهذا موقفي الشخصي.
مريم هو اسم طوبتّه الأجيال، واتخذته الأمم اسمًا وشفاعة لها عند الله. وهو اسم علم مؤنث سامي مشترك؛ فقد ورد في العبرية “ميريام” بمعنى: السيدة، بحر الآلام والأحزان، البدينة، المرّ، العصيان. وورد في الأوغاريتيه الكنعانية والأكدية كذلك. ولفظ بأشكال عديدة في العالم، منها: ماري، ماريانا، مريانا، ماريّا، مروش، مروم… وتسمى به المسلمون والنصارى واليهود.
ان كل بحث في مفهوم دعوة مريم، أم المخّلص، يفقد معناه، إلّم يكن له بعد تاريخي. وتقّل قيمته أذا كانت غايته رغبة في الجدل أو في اقناع بعض اخوتنا المسيحيين المختلفين معنا في العقيدة. ان لدينا عملاً افضل من التناحر في هذا الوقت من النضوج المسكوني، في حين ينتظر العالم، اكثر من أي وقت مضى، لكي يؤمن، علامة وحدتنا في الحقائق الجوهرية وفي المحبة الفائقة الطبيعة. (مريم أم الرب ورمز الكنيسة – ماكس توريان – دراسات لاهوتية – 24 شباط 1987).
نقول في قانون الايمان ومن مريم العذراء وصار انسانًا وصلب عنا، نعترف جهارًا بان الروح القدس حلَّ على مريم العذراء ومنها ولد…
لذلك عندما نقول إن مريم ولدت حقيقةً فادي البشر، وباتحّادها به في انتصاره على الخطيئة والموت، نؤكد ان الله أراد، على نحو فعّال ربط شخص ابنها وعمله. فالابن كان على وجه خاصّ الوسيط والفادي والسيّد. عندما نقول إنّ مريم أُشركة في هذا العمل نتوخّى:
- فعل الإيمان في أوله، فعل الطاعة الذي به، لمّا إلى مريم بلسان ملاك البشارة ذلك، ساهمت شخصياً، بحرّية وبالعمل، في عمل وساطة الفِداء.
- نموّ هذا العمل الأّول طوال حياة مريم، على قدر ما عاشت مريم في الإيمان بالمسيح، وخدمة المسيح ومشاركتها له في مشاعره حتّى وجودها عند أسفل الصليب. لقد عاشت هكذا جميع المراحل التاريخية للحدث الفدائي.
- غاية هذا النموّ، وهو تمجيد مريم في السماء، يشركها في السيادة على الكون كلّه. راجع رسالة يوحنّا بولس الثاني والمجمع الفاتيكاني الثاني (نور الأممن رقم 61).
تبدو مريم، من خلال هذه التاملات، مشتركة بسخاء في عمل الفادي بصفة فريدة على الإطلاق، وأمة (خادمة) متواضعة للرب (نور الأمم 51)، ويواصل المجمع: “لهذا تُدعى الطوباوية العذراء في الكنيسة بالقاي عدة منها المحامية والمعينة والمساعدة والوسيطة. إنّما يُفهم هذا كله حتّى إنه لا ينتج عنه أيّ نقصان أو زيادة في شرف المسيح الوسيط الأوحد وفعَّاليته” (نور الأمم الرقم 62).
جميع هذه الألقاب التي تُطلقها التقوى على مريم التي تَرِد في الأناشيد لإكرامها، يجب إذًا تفهُّمها بالنظر إلى دورها الذي تُشرك فيه لعمل المسيح الفدائي (…). أراد بعض أعضاء المجمع، لمّا يكنّون من الإكرام لمريم، ان يشدد على هذا اللقب تشديدًا أوضح، وأن يُشدد أيضا على اللقب ((شريكة في الفداء))، لم يشأ المجمع ولا البابا تلبية هذا الطلب. فمريم ليست وسيطة بمعنى الذي يقال إن المسيح وسيط. فالمسيح هو الوسيط الوحيد بين الله والنّاس، أي إنّه (المصالح) الوحيد بدمه. وهذا ما يقوله نصّ المجمع الذي اوردناه قبل قليل.
بيد أن يوحنّا بولس الثاني، في رسالته “أم الفادي”، 1987 (الرقم 21)، يشرح على وجه أوضح: “هناك وساطة: مريم قائمة بين ابنها والناس في حقيقة حرمانهم الكثير وفقرهم وآلامهم. إنها (شأنها في قانا الجليل) قائمة في الوسط، أي إنها تعمل وسيطة، لا من الخارج بل في مكانها بوصفها أُمًّا، وهي تشعر على حالها هذه، أنّه يسعها عرض حاجات النّاس على أبنها، أو بالأحرى ((يحقّ لها ذلك)). لوساطتها إذًا صفة الشفاعة مريم تشفع في البشر.
(( ولا يقتصر الأمر على هذا، فمريم بوفها أمّا، ترغب أيضا في أن تظهر قدرة ابنها المشيحيّة، أي قدرته الخلاّصية، لنجدة الناس في شقائهم وتحرير الإنسان من الشرّ الذي ينال من حياته في جميع مظاهرها وفي أقدار مختلفة)). (الرقم 21). (خلاصة اللاهوت المريمي – دراسات لاهوتية – الأب أوغسطين دوبر لاتور – 22 / 11 / 1990).
سليمان فرنجية / زينيت