لن يكون لبنان في أي لحظةٍ من اللحظات خارج نطاق الرقابة الأميركية في موضوع تبييض الأموال وتمويل الإرهاب لا سيما وأنّ قوى مسلحة تعتبرها الولايات المتحدة إرهابية تنتشر على أراضيه وفي مقدمها «حزب الله» وأضيفت إليه حركة «حماس».
أكثر من مرةٍ أعلن الأميركيون أنهم يريدون تجفيف تمويل «حزب الله» وكذلك يفعلون اليوم مع «حماس»، ويعتبرون أنّ لبنان الذي تسوده الفوضى في مختلف المجالات وتغيب الدولة وقراراتها الحازمة، هو ساحة رئيسية لتمويل هذين التنظيمين لا سيما وأنهما قبل الإنهيار المالي وبعده لم يكونا أبداً جزءاً من المودعين أو المتعاملين مع النظام المصرفي اللبناني.
وفي هذا الظرف السياسي والعسكري الذي تعيشه المنطقة أصبح الأميركيون أكثر تشدداً في مسألة مواجهة عمليات تبييض الأموال وتمويل الإرهاب وهما بالنسبة للأميركيين عمليتان مترابطتان تؤديان إلى نتيجة واحدة وهي استمرار شريان الحياة لـ»حزب الله» و»حماس»، ويدرك الأميركيون أن وقف هذه العمليات صعب جداً وأنّ التحايل على كل التدابير والعقوبات أمر متاح لا سيما وأنّ المعلومات تتحدث عن أن أموالاً نقدية تنقل في شكل مباشر من إيران إلى «حزب الله» وحركة «حماس».
في النظام المصرفي اللبناني ومن ضمنه مصرف لبنان سعي مستمر كي تكون الصورة لدى الأميركيين جيدة ولذلك يتكرر القول إنّ الجميع ملتزم بالقواعد الدولية للتعاطي مع الأموال وعدم إتاحة المجال لأي مخالفة قد ينفذ منها الأميركيون لتوجيه ضربة إلى أي مصرف أو شركة مالية أو شركة صرافة مرخصة، وهو أمر لن يتأخر الأميركيون في تنفيذه وقد أثبتوا ذلك في مراتٍ سابقةٍ، ولكنهم هذه المرة أصبحوا على قناعة أنّ مصرف لبنان والقطاع المصرفي يبذلان ما بوسعهما من أجل التأكيد على أن سياسة مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب هي قناعة راسخة لديهما، ولكن هذه القناعة لن تصبح سياسة دولة طالما أنّ القضاء محيّد عن مكافحة هذه المخالفات ويضاف إليها مسألة ملاحقات الجماعات المسلحة غير الشرعية، وطالما أنّ قرار الدولة هو في يد فئة يتهمها الأميركيون بأنها تتمول من خلال عمليات تبييض للأموال في العديد من مناطق العالم في أفريقيا وأوروبا وآسيا وأميركا الجنوبية.
إنّ لبنان الذي يحاول استعادة الحركة المصرفية والنشاط الاعتيادي للقطاع المصرفي، لن يكون متاحاً له هذا الأمر إن لم يدخل في سياق المسار العالمي لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب وهو مسار لا يكفي للمصرف المركزي والمصارف أن تكون في إطاره بل المطلوب أن تكون الدولة ومؤسساتها المعنية جزءاً من هذا المسار والتعاون الفاعل فيه خارج الحدود.