“مستشفى مجاني في أدما”… للوهلة الاولى، يثير مصطلح “مجاني” الغرابة والشكوك لدى كثيرين. كيف لا؟ وعلى أبواب أكثر من مستشفى في لبنان أزهقت أرواح كثيرين ممن ضاقت بهم الاحوال فاصطدموا برحمة انسانية مشروطة بتوافر المال.
“مستشفى العناية الالهية لمرافقة المرضى في مراحل حياتهم الاخيرة”، هكذا حدد مدبر دير العناية الالهية، النائب العام في جماعة “رسالة حياة” الأخ ايلي رياشي، هوية المشروع الجديد، الاول من نوعه في الشرق الاوسط، موضحا ان “الجماعة كانت قد بدأت منذ 14 عاما باستقبال الاخوة والمشردين الذين ا فتقروا ملجأ يأويهم ومعيل يعتني بهم. فوجدوا في دير الحياة الجديدة – انطلياس، حضنا دافئاً يؤمن المسكن، الخدمة الاجتماعية والروحية”. اضاف: “بمرافقة الجماعة لهؤلاء الاخوة طيلة الاعوام الماضية، من أولاد وشبيبة ومسنين، لمسنا حاجة ملحة لتوفير رعاية صحية خاصة بكبار السن ومرضى السرطان في مراحل حياتهم الاخيرة. فمن أصل 45 مسناً تحضنهم الجماعة حالياً، ستة منهم في مراحل أيامهم الاخيرة، يتطلب وضعهم مرافقة نفسية وروحية وعناية صحية. من هنا ولدت فكرة انشاء مستشفى متخصص مجاني يعنى بالاهتمام بهم، من دون تمييز في اللون والعرق والجنس والدين”.
يضم المشروع الذي انطلقت ورشة العمل فيه منذ العام 2011، مبنى المستشفى، ديراً وكنيسة بنيت على اسم القديس يوسف. شيد على ارض تبلغ مساحتها 3300 متر مربع، قدمها جوزف شهوان. تحوطه اشجار خضراء تبعث في النفس السكينة، ويساعد مشهد البحر الازرق المواجه له على الصلاة والتأمل. المستشفى مؤلف من 3 طبقات ويضم 17 غرفة وهو لا يزال في طور التجهيز، على ان يضم 55 سريراً. كما وفيه جناح خاص بالفتيات اللواتي تعدت اعمارهن 12 سنة، سبق واحتضنتهم الجماعة في مركزها في انطلياس بناء لقرار صادر من محكمة حماية الاحداث.
المستفيدون من خدمات المستشفى
هم الذين يصادفهم ابناء الجماعة اثناء جولاتهم بلباسهم الازرق، في شوارع انهكها الاهمال، باحثين عن الاحياء في عتمة البؤس والحاجة، عن الافقر بين الفقراء، وما أكثرهم! أما بعضهم الآخر، فتزودهم وزارة الشؤون الاجتماعية والمؤسسات والجمعيات الانسانية، تفاصيل عن اوضاعهم الصحية الصعبة. “بعد جمع المعلومات، تقوم مساعدة اجتماعية بزيارة العائلات للتدقيق بصحة المعطيات المتعلقة بحالتهم على كل الصعد، يقول الاخ رياشي، مشدداً على ان “المعيار الاساس الذي نرتكز عليه في تصنيف العائلات الاكثر حاجة، يقوم في الدرجة الاولى، على غياب الدعم المادي لهم. هؤلاء المنسيّون، الذين يصارعون المرض وحدهم، هم في سلم اولويتنا”.
فريق العمل
يتكون فريق العمل من اخوة واخوات نذروا حياتهم للمسيح من خلال عيش المشورات الانجيلية: “العفة، الفقر والطاعة”. وقد خضع بعضهم لدورات في مرافقة المرضى وعلاجات تخفيف الألم أو ما يعرف باللغة الفرنسية بـsoin paliatif في سويسرا.
تروي الأخت كلارا العم تفاصيل رحلة التدريب: “شاءت العناية الالهية ان يخصنا طبيب وزوجته بزيارة الى دير الحياة الجديدة في انطلياس، صودف انهما يعملان في مستشفى بسويسرا يضم قسما خاصا بمرافقة المرضى في مراحل حياتهم الأخيرة. فأمنا لنا فرصة متابعة دروس متخصصة في هذا المجال ومعاينة عمل الفريق الطبي هناك من كثب، كذلك تمكنا من مرافقتهم في زياراتهم للمرضى في بيوتهم. عدنا الى لبنان وقد اكتسبنا خبرة كافية للانطلاق بالمشروع”.
أما الأخت ايمانويل أسمر، مديرة المستشفى واول مكرسة انضمت الى جماعة “رسالة حياة”، فعبرت عن فرحتها الكبرى لاختبار “عظمة عمل الله وسط الجماعة. فازدياد عدد الاخوة والاخوات شجع على التوسع ونشر ثقافة التضامن مع المتألمين، الاكثر فقراً”.
وللاخت ميراي شاكر، المسؤولة عن الفريق الطبي، خبرة خاصة اكتسبتها من خلال خدمتها في المركز الأم، بالسهر على المسنين المرضى. فهي تؤمن انه “ان كان لا مفر من الموت بسبب تقدم السن والمرض، فلنسع اقله لتأمين ما يلزم لهم كي يموتوا بكرامة. فحضورنا الى جانبهم في ساعاتهم الحرجة، يساندهم معنويا ويطمئن قلوبهم”.
“التحضيرات لتدشين المستشفى في حزيران المقبل جارية على قدم وساق، برعاية البطريرك مار بشارة بطرس الراعي وحضوره”، يقول الأخ رياشي. ويضيف: “الرب هو صاحب المشروع. استطعنا، من خلال ابنائه المؤمنين برسالتنا، توفير جزء من كلفة البناء وهي خطوة أولى بانتظار انجاز كل المشروع، مع الاتكال دوما على عنايته وتدبيره، ان لجهة اكمال التجهيزات اللازمة او لتغطية تكاليف العلاجات المخففة للألم، ما سيضطرنا للبدء باستقبال المرضى في ايلول المقبل، أي بعد مرور 3 اشهر على افتتاح المستشفى”.
هي خطوة يملأها الايمان بالانسان وقيمة حياته، دفعت بجماعة “رسالة حياة” الى مرافقة الانسان حتى ساعة مماته، فلا يجابه المحتوم وحيداً. ففي ظل غياب قانون ضمان الشيخوخة في لبنان، رغم سيل من الوعود والحملات المطالبة باقراره، يبقى سعي الجماعة، بمشروعها الجديد، ضمن اطار المبادرات الفردية التي تؤمن بحق كل انسان في عيش كريم وموت لائق. فهل يصبح “مركز العناية الالهية” نموذجاً يعمم في شرقنا؟
النهار