«ألتفّ وعائلتي الصغيرة ليلاً حول التلفزيون، نشاهد أفلاماً علميّة عن عالم الحيوانات، بينما تقلّب ابنتي في الـ«آيباد»، محاولةً استكشاف تفاصيل عن مغزى ما تشاهده، من خلال مقاطع فيديو على «يوتيوب». نتقاسم المشاهدة بين الشاشة التي اتخذت مكانها على الحائط، وبين تلك التي بين يديّ ابنتي، ونستمتع بذلك». هذا ما تخبرنا به كريستينا، في دراسة أعدَّها موقع «أكسانتشر»، عن مستقبل التلفزيون التقليدي. وتضيف: «يبدي أندرياس حماسته بعد مشاهدة برنامج «ذا فويس»، بعدما يحرِّر جسده من الجلوس أمام التلفزيون، ويركنه على الكنبة الصغيرة في غرفته، كي يصوّت لمغنيه المفضل».
تلخّص تجربة كريستينا القصيرة، الجدل القائم حول مستقبل التلفزيون، مع تكاثر الوسائط ووسائل التواصل، ومحاولة مالكي المؤسسات التلفزيونية اللحاق بموجة التطورات التقنية. تركّز الدراسة المذكورة، على تحوّل الهواتف الذكية والألواح، إلى امتداد أساسي لنشر المعلومة وتفصيلها. بالإضافة إلى اعتكاف نسبة كبيرة من الناس اليوم عن الذهاب إلى صالات السينما، بعدما وجدوا بديلاً لذلك على الإنترنت، بوجود «نيتفليكس» خصوصاً، الذي جعل المادة التلفزيونية أكثر تفاعلاً وانتشاراً. لم يعد المشاهد ملزماً بأوقات العروض التي تفرضها برمجة التلفزيون، بل بات يختار المكان والزمان الذي يشاء لكي يشاهد ما يرغب. ناهيك عن أن الأخبار المحلية والعالمية التي تخصص لها المحطات التلفزيونية حيزاً في نشراتها، باتت متوفرة على أجهزة الهواتف، من خلال تطبيقات «آبل» و«آندرويد».
وبحسب باحثين، فإنّ ذلك التحوّل لا يقلّل من أهمية التلفزيون التقليدي ـ الذي شهد في الأعوام الأخيرة تطوراً في طريقة البث ـ بل إنّ الاهتمام اليوم ينصبّ على ما يجري في محيط الشاشة وخارجها، بعدما صارت الحياة في الخارج تتسارع بوتيرة دراماتيكيَّة. ولم يعد الاتكاء على ما تقدّمه شاشة التلفزيون العاديّة كافياً، إذ تبدّل شكل المعلومة، وبات من المتاح تصويبها مباشرة نحو الفئات المستهدفة، مرفقة بالصور والفيديو، التي لا تمرّ كلها عبر الشاشة الكبيرة.
تؤكّد مؤسسة «غارتنر» للأبحاث الرقمية في تقريرها الأخير، أن مبيعات الأجهزة اللوحية للعام 2013 حول العالم، بلغت 195 مليون جهاز لوحي. وتشير الدراسة نفسها إلى تزايد روّاد موقع «يوتيوب» سنوياً، وأنّ 42 في المئة ممن يشاهدون التلفزيون التقليدي باتوا يملكون أجهزة «آي باد»، بغية تعزيز التواصل ونشر أعمالهم (تقارير ـ أفلام ـ برامج). وتركز دراسات أخرى على أهمية الانتقال إلى البث عبر الإنترنت بهدف توفير المال، كما تشير الصحافية الأميركيّة شيلبي جونسون في كتابها «كيف تتخلص من التلفزيون وتوفر مالاً؟»، حيث تفنّد الأسباب الاقتصاديّة لتدنّي نسبة مشاهدي التلفزيون.
مؤسسات إعلامية وبحثية عدّة، تمتطي موجة التطور، من خلال تأسيس شاشات تلفزيون إلكترونية على موقعها. آخرها موقع «أمازون» الذي أعلن عن إطلاق جهاز تلفزيون يعمل بنظام «أندرويد»، الشهر الحالي. وتتنافس «أمازون» بجهازها الجديد، مع جهاز تلفزيون «آبل» الذي يقدّم محتوى الفيديو على الإنترنت. وكانت صحيفة «واشنطن بوست» سبقتها بتلك الخطوة منذ نحو 3 سنوات، من خلال خدمة «فيديو واشنطن بوست»، كبداية لمحو الخطّ الفاصل بين الإنترنت والتلفزيون، وتوقَّع أن يكون الاثنان وسيلة واحدة مع زيادة التطوّر التكنولوجي.
تلخّص الدكتورة في كليّة الإعلام في بغداد يسرى خالد إبراهيم مستقبل ذلك التزاوج بين التلفزيون التقليدي والرقمي، في مخطوطة بحثية بعنوان «التلفزيون الرقمي والتلفزيون، تقنيات عملية الاتصال وتطورها / دراسة نظرية في بنية الاتصال الحديثة». وتقول إنّ طرق البث الحديثة تزيد من نسبة التفاعل مع الجمهور وتسهّل عليه الكثير، لكنها اعتبرت أنَّها أصبحت تهدِّد حياته، «فهي أخذت تتجسّس عليه، وتراقبه في منزله (…) بحيث يمكن رسم المعالم النفسيّة للأفراد، من خلال تحديد الرغبات، والكشف عن الحاجات والإجابة عن الأسئلة»… الأكيد أنّ مستقبل التلفزيون يمرّ عبر مرحلة تحديد رغبات المشاهدين بشكل فردي، ما يسهّل تحديد عيّنات إعلانيّة أكثر فعاليّة.
عن مجلّة «ذا نيويوركر» الأميركيّة
غفران مصطفى / السفير