نقلاً عن “الرأي” الأردنية بقلم هاسم الصايغ
قادتني الحياة إلى الاغتراب عن وطني الحبيب لسنوات طوال قاربت الاربعين عاما، عدت بعدها لتفاجئني الأحداث والأخبار المتواترة يوما بعد يوم عن معاناة المسيحيين الجديدة في البلاد العربية، في عراق ما بعد صدام، وفي مصر، وسوريا، وأخيرا في الموصل!
تذكرت عندها كيف كنا نعيش في الأيام الخوالي في الأردن نحن والمسلمين -والحمد ما زلنا- جنبا إلى جنب إخوانا لا يفرق بيننا إلا المحرمات، في مساعدتنا لبعضنا بعضا، ومساندتنا لقضايانا المختلفة، ومشاركتنا بعضنا بعضا في المناسبات الاجتماعية والأعياد، بل في لقمة العيش…، جمعتنا الثقافة الواحدة، والعادات المتشابهة، والهم الواحد، جمعتنا العروبة والإخوّة والجيرة.
لم نشعر في يوم أننا طارئون أو أقلية محرومة، أو أغراب، فقد كنا جزءا من النسيج الوطني للمجتمع، بل كنا أصلا أو جزءا لا يتجزأ من أرض مصر قبطا، ومن أرض الأردن غساسنة ومن أرض الموصل… أسسنا دولا، وحضارات، وفهمنا حركة التاريخ الماضية في الجميع، وواكبنا عمل إخوتنا المسلمين في بناء حضارتهم أيضا، وساهمنا فيها بصورة مباشرة وغير مباشرة، وكنا نشعر بزهو وفخر لما قدمناه لحضارة الشرق.
وتعايشنا معهم يملؤنا التسامح مثلما فعل الشرفاء منهم، فبادلانهم إخوّة بإخوّة، وجيرة بجيرة، فكنا نعم الجيران، وكانوا نعم الإخوة والأصدقاء.
وما يطل به علينا اليوم أصحاب الفكر المتطرف الذين يريدون العودة بنا إلى القرون المظلمة، وينكلون بنا تهجيرا وقتلا وتدمير كنائس وممتلكات ليسوا من الإسلام بشيء، وليس أدل على ذلك ما يفعلونه بالمسلمين كذلك من تقطيع رؤوس، وتمثيل بالجثث…، وتحقير المرأة وهدم كثير من مظاهر الحضارة التي بناها المسلمون والمسيحيون معا!
لا يمكن لهؤلاء النجاة بأفعالهم وإجرامهم، وسيحاسبهم كل عاقل في مشرقنا العربي عاجلا أم آجلا، وسنتكاتف جميعا مسلمين ومسيحيين لطردهم من شرقنا الحبيب، فقد كان المسيحيون في الماضي منارة من مناراته، وسيبقون كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.