العيش مع “حبّ المسيح” هو جوهر الصمت الداخلي.
“أحبب قريبك كنفسك” (مر12: 31)، القريب هو كل من يأتي طالباً مساعدة، كل محتاج، كل إنسان، فحسب القديسة لا يوجد “غرباء” في حياة الإنسان المسيحي.
من يؤمن بالمسيح وبكلمته (الإنجيل) ويعيش وصاياه، ويعمل على الدخول في تاريخ الخلاص، يجب أن يكون في “اتحاد حبّ” مع كل من هم على “صورة الله ومثاله” (كل الناس)، ومع جميع الخلائق صنع يديه (الكون بأسره).
من يحبّ حقاً وبصدق، يرى “المحبوب” (يسوع). وفي الوقت عينه يكون يديّ الرب وحبّ الله في قلب هذا العالم “المتألّم”. من خلال الحبّ يستطيع الإنسان أن يوقف الحروب، ويسدّ الجوع إلخ. والتي هي أسباب رئيسية لفقدان الصمت الداخلي.
إن القديسة إديت شتاين، كإنسانة يهودية الأصل، تعرف جيدأ إن أكبر وأعظم وصيّة في العهد القديم هي “أحبب الله من كل قلبك وقوتك ونفسك” (تث5: 4-5)، “وأحبب قريبك كنفسك” (لا19: 18) ، وكإنسانة مسيحية ومكرسة تعرف أيضاً أن آخر وصيّة ليسوع المسيح “أحبوا بعضكم البعض، كما أحببتكم” (يو13: 34). إذاً، محورية الإنسان المسيحي حبّ الله وكما أحبّ الله.
الصمت الداخلي ومعنى كيان الإنسان.
ما هو معنى كيان الإنسان؟ تجيب القديسة قائلةً: “كيان الإنسان هو المكان حيث تتزاوج السماء الأرض ويتحدان معاً الله والمخلوق”. فيصبح هذا الكيان مخلّص لكلّ الخليقة الأخرى. ولكن في البداية يجب أن يكون “كيان حرّ”.
كيف يكون “كيان حرّ”؟ من خلال “مسيرة الإيمان”، حيث يقود الله الإنسان في دعوته الخاصة والعامة. فكل “كيان” له معنى خاص لحياته، ودعوة خاصة من أجل ترجمة “صورة الله ومثاله” في الحياة اليومية.
معنى “كيان الإنسان” يتحقق عندما يبدأ الإنسان في البحث عن إرادة الله له وعيشها. (هذا ما يسمّى بالدعوة).
الصمت الداخلي: العيش في الكنيسة ومع الكنيسة ولأجل الكنيسة.
“نحن في هذا العالم لإنقاذ الإنسانية” تقول القديسة، وهذه الحقيقة هي دعوة الكنيسة. في الكنيسة “الواحد للكلّ والكلّ للواحد”، لأن كل إنسان هو مسؤول عن خلاصه وخلاص الآخرين.
في داخل وحدة الكنيسة، يعيش الإنسان دعماً قويّاً من خلال الأشخاص الذين يحيطونه بالصلاة والإرشاد الروحي والإنساني والمساعدة الاجتماعية والمادية والمعنوية، إلخ.
الكنيسة تصلّي لأجل بنائها يومياً، ومن خلال صلاتها يحقق يسوع النِّعم والأعاجيب في حياتهم.
المسيرة على درب الصليب توصل للصمت الداخلي.
كل إنسان سيتألم ويموت، لكن إن كان عضواً في جسد المسيح السرّي، فإن آلامه ستكون خلاصية له وللآخرين وموته سيكون مدخلاً إلى “ألوهية المسيح”.
من ينتمي للمسيح، عليه نكران ذاته، ولمرة واحدة أن يقبل بحمل صليبه والمسيرة على “درب الصليب”، من بستان الزيتون إلى الجلجلة، وهذا ما يعني “الاقتداء بالمصلوب”. من خلال هذه المسيرة يعيد الإنسان المسيحي “إصلاح” صورة الله التي تشوّهت فيه.
وكل الآلام الخارجية والتحديات التي يعيشها الإنسان، هي للدخول في “الليل المظلم”، حيث نور الله لا يلمع، وصوت الله صامت. في هذا التحدّي، تبرز حقيقة إيمان الإنسان المسيحي، وينقاد نحو إيمان ناضج. في هذا “الليل المظلم” يدرك الإنسان المسيحي من هو الأهم عنده هل هي “عطايا الله” أم “الله ذاته”، هل يحسب كل شيء نفاية من أجل المسيح؟ على حدّ قول القديس بولس في رسالته إلى أهل فيليبي (3: 8).
عندما يعيش الإنسان الألم والعذاب عليه التفكير في هذا السؤال دائماً “هل حقاً أيوب يتّقي الله مجاناً”، لكي يحدّد ما نوع علاقته مع الربّ.
نضوج الإيمان يحدث عندما يصل الإنسان إلى هذه المجانية في العلاقة مع الله. وإلى التحرّر من العطايا، حيث يبقى سلامه مرتكز على الله وليس على نعمه.
Zenit