من أجل صمت داخلي، يجب تنظيم “اليوم العادي” من أجل تخصيص فسحة للقاء نعمة الله.
“إن الساعة الأولى من النهار هي مخصصة للرب” تقول القديسة. على روح الإنسان أن تعيش هذه الساعة الأولى من خلال المشاركة بسرّ الإفخارستيا. لماذا سرّ الإفخارستيا؟! لأنه من خلاله، تمتلك روح الإنسان قوة روحية، وعندما يتناول الإنسان -ولكي يكون إنساناً إيجابيّاً- عليه القول “ماذا تنتظر مني اليوم، سيدي؟” أي من خلال الساعة الأولى يدخل الإنسان في البحث عن تحقيق إرادة الله في حياته اليومية.
خلال عمله اليومي، يتعرض الإنسان للكثير من الضغوطات والتعب، فتتملكه مشاعر متناقضة، تارةً فرح وطوراً حزن، تارة غضب وطوراً سلام. وفيما هو يخدم الآخر ويسمعه، يشعر مقبول من الآخر تارة ومرفوض طوراً. كما ويدخل في صراعات مع الآخر، ويعيش الخطيئة في بعض الأحيان. لذلك عليه نحو الظهر، البحث عن لحظة أمام بيت القربان أو في غرفته أو في مكان حيث يستطيع الحصول على صمت خارجي لكي تستطيع روحه التوجّه نحو الله. في هذه اللحظة يمكنه القيام بالتأمل، قراءة روحية، المشاركة في حدث ليتورجي، قراءة الكتاب المقدس أو إلخ. من أجل تجديد القوة الروحيّة فيه.
في المساء، وقبل الخلود إلى النوم، على الإنسان أن يقوم بممارسة “فحص الضمير” ليومه: متى كان إنساناً على صورة الله، ومتى شوّه هذه الصورة، وأن يخطط لخطوته الجديدة، يوم غد، نحو القداسة.
الحقيقة البسيطة الصغيرة للصمت الداخلي.
الحقيقة الوحيدة في حياة الإنسان المسيحي هي صرخة “لتكن مشيئتك” (صلاة الأبانا). أي البحث على عيش إرادة الله في كل حدث أو عمل في قلب الحياة اليومية. “الإنسان المسيحي هو الإنسان الذي يضع بثقة بين يدين الله كل آمال المستقبل، ويدع الله يقوده مثل “طفل”، فهكذا يضمن الإنسان أن لا يحيد عن طريق الرب.
هناك فرق كبير بين الاكتفاء بأن يكون الإنسان “مسيحي جيد” يقوم بكل واجباته، يقرأ “جريدة صالحة”، ينتخب ويتكلم بتهذيب، يعيش الوصايا …، وأن “تكون حياته بين يدين الله بثقة الأطفال، وتواضع العشّار”، تقول القديسة.
من يبحث عن عيش الصمت الداخلي، يبحث عن تحقيق إرادة الله في حياته، هذه “الإرادة” التي هي دائماً الخير الأعظم لأولاده.
معنى الصمت الداخلي ” المحبوب”، “هنا”، “تعال”.
“الله هو الحقيقة، من يبحث عن الحقيقة، يبحث عن الله. بالرغم من إدراك الإنسان لهذا أو عدم إدراكه”، تعلن معلّمة الفلسفة القديسة إديت شتاين. الطريقة الفضلى للبحث عن الحقيقة هي من خلال الصلاة.
فبالصلاة، تجد روح الإنسان سلامها، تفهم دعوتها، تأخذ النعمة وتتأمل بها. تخلق تحول أساسي، ولادة جديدة بالروح القدس. بالصلاة، يتحد الإيمان والحرية، ويدخل الإنسان بكليّته في اختبار عيش “الألوهية”. هذا لا يعني الهروب من العالم، بل من خلال التأمل والصمت يترك الإنسان المجال “لكلمة الله” في قلب حياته وعمله اليومي، لكي تحوله إلى “إيقونة” شاهدة لروعة وعظمة الله في الحياة اليومية.
للحصول على الصمت الداخلي يجب الإقامة في المسيح.
الإنسان لا يمكن أن يقيم في المسيح من دون أن “يتبع المسيح” و”يعيش المسيح”. وكما كان المسيح يبحث في حياته اليومية وخاصة في الليل عن لحظات صمت ووحدة، ليدخل في حوار مع الآب. فهكذا على الصلاة، الحوار مع “أبّا”، أن تكون “الخبز اليومي” للإنسان المسيحي.
لماذا الصلاة؟ لأن الصلاة هي “سلّم يعقوب” حيث روح الإنسان تصعد نحو الله، وحيث نعمة الله تنزل على الإنسان. ويعيش الإنسان هذه الحقيقة من خلال الصلاة الفردية والجماعية. لا ننسى إن “السلاح الوحيد” الذي كانت تملكه القديسة أثناء أسرها من قبل الألمان، هو “الصلاة” ولا شيء آخر. وكانت تترجم صلاتها من خلال خدمة السجناء الآخرين والاهتمام بهم (عيش المحبة).
تقول القديسة لكي تكون هذه الصلاة حقيقية وصادقة، على الإنسان أن يعيش “الحبّ” في حياته اليومية، لأن “الإقامة في المسيح” تساوي “الإقامة في المحبة”. “الله محبة، من أقام في المحبة أقام في الله، وأقام الله فيه” (1يوحنا4: 16).
Zenit