كتب جورج حايك في 09/12/2021 في موقع اخباركم اخبارنا
عندما أطلق البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي مشروع الحياد والمؤتمر الدولي من أجل لبنان، كان يعلم أن مسألة ترجمته على أرض الواقع تحتاج إلى وقت طويل ونضال مستمر. هذا النداء البطريركي لاقى آذاناً صاغية لدى مجموعات مدنية ورهبانية وانسانية واكاديمية وسياسية، تعمل على بلورته، ليصبح صالحاً للبحث في أول مناسبة تلتقي فيها المكونات السياسية اللبنانية، من هذه المجموعات “اتحاد اورا” الذي يرأسه الأب الأنطوني طوني خضره، وهو مجموعة الملتزمين والمتطوعين والمفكّرين الذين يعملون على انشاء مؤسسات هدفها المحافظة على لبنان بلد التعددية والتنوّع.
حتماً ينطلق “اتحاد اورا” من مبادئ مسيحية لكنه يبحث عن الشراكة الحقيقية وخدمة القضية المسيحية التي لا همّ لديها سوى الهمّ اللبناني، وتسعى إلى تحقيق اختراق عبر البحث عن مشروع يوحّد المسيحيين رغم تنوّع مؤسساتهم وأحزابهم وتضاربها أحياناً وعدم التنسيق في ما بينها، لذلك كان لا بد من مشروع “لبنانيون من أجل الكيان”.
شاركت شخصياً كإعلامي في بعض لقاءات البحث حول هذا المشروع، واطلعت على تفاصيله وكانت لديّ ملاحظات عدة، إلا أنه رغم هذه الملاحظات يشكّل خارطة طريق إلى الحوار الوطني وإعادة بناء الدولة. وقد التقت المجموعة التي أعدت المشروع بالأحزاب المسيحية التي كانت لديها ملاحظات تنسجم مع مضمون هذا المشروع وبعض الأفكار التي تطال آلية تنفيذه. تطلب العمل على هذا المشروع سنة وثلاثة أشهر وقد أعده خبراء في العلوم السياسيّة والدستوريّة والقانونيّة، وكان الهدف منه انقاذ الكيان اللبناني المهدد بالزوال. فالوطن يغرق في العتمة ويتخبط في الإنهيار على كل الصعد، فيما كان المسؤولون فيه يكتفون بالتفرّج عليه. لذلك هبّ “اتحاد اورا” للتصدي للمشاريع الهادفة الى تغيير هذا الكيان وفرض نظام غريب على لبنان وأبنائه، وربما يكون مشروع “لبنانيون من أجل الكيان” الأكثر جرأة وتكاملاً من مشاريع أخرى وُصِفَت بالإنقاذية، علماً أن الهدف أن يكون مادة جاهزة ومتكاملة عندما تلتقي القوى السياسية اللبنانية للبحث عن اصلاحات دستورية ووطنية في المستقبل القريب. لذا المطلوب أن تتبناه القوى السياسية وإلا سيبقى حبراً على ورق. من هذا المنطلق، يجب أن يعمل “اتحاد اورا” على اقناع هذه القوى أو بعضها لتتبناه وتضعه على طاولة البحث في أول جلسة حوار وطني أو مؤتمر دولي من أجل لبنان، وهو يحظى برعاية البطريرك الراعي الذي يرى ضرورة أن توافق عليه أكثرية اللبنانيين، وهنا التحدي الكبير في ظل تعنّت “حزب الله” الذي يبدو مشروعه مناقضاً لهذه الأفكار التي طرحها “اتحاد اورا”، وكي لا يبقى كلامنا مبهماً، لا بد من عرض أبرز نقاط مشروع “لبنانيون من أجل الكيان” على الشكل الآتي:
أولاً، لبنان دولة واحدة موحدة أرضًا وشعبًا ومؤسسات.
ثانيًا، لبنان جمهورية ديمقراطيّة مؤسسة على الحرية وعلى المشاركة وعلى احترام التعدّدية.
ثالثًا، لبنان دولة قائمة على العيش معًا عبر مواثيق تاريخية اجتمعت في ميثاق 1943 وأكد الطائف عليها، وأهمها المشاركة في المناصفة بين جناحي لبنان والسيادة المطلقة للدولة تعبيرًا عن التمسك بالعيش معًا والالتزام بالدستور وبالقوانين اللبنانيّة.
ويرتكز مشروع “لبنانيون من أجل الكيان” على خمسة ملفات نعتبرها أساسية تساعد في الخروج من هذه الأزمة:
أولاً: في الاصلاحات الدستوريّة
لا يمكن أن تبقى الممارسة السياسية متروكة من دون تحديد صريح دستوريًا، وخصوصاً في موضوع المهل والإجراءات الملزمة. لم يعد مسموحاً بعد اليوم ترك ثغر في الدستور مبهمة أو غير منصوص عليها صراحة، يستفيد منها اللاعبون السياسيون أو الممسكون بزمام الأمور ليتحكموا بها تحت ستار حقوق الطوائف وما شاكل، في حين أنها في النهاية تستعمل كمجرد وسائل للكسب والنفوذ وتسخير مؤسسات الدولة لمصالح ذاتية أو فئوية. يتطلب هذا الأمر إدخال تفسيرات جديدة أو تحديداً جديداً لبعض الصلاحيات حتى تعمل الدولة بتناغم واضح. هذا المطلب يوافق طبيعة الدستور الذي وضع في الأصل لضبط عمل مؤسسات الدولة وحسن عملها وانتظامها كجهاز متماسك ومتناغم وهادف.
ثانياً: في مجلس الشيوخ:
يترتب على النقاش أن يصل إلى صيغة دستورية قانونية في شأن مساحة سلطة الطوائف من جهة، وكيفية المشاركة فيها لتكون قوة بناء لا قوة هدم، وهذا لا يكون من دون مجلس شيوخ يقوم على صيغة تشاركية وتمثيلية، تعكس الأمة والدولة على السواء، كما هي حال الكثير من مجالس الشيوخ في العالم. على أن تعطى له صلاحيات واضحة نراها من وجهة نظرنا بحسب الملف الخاص الذي أعددناه لها.
ثالثاً: في الدولة المدنيّة:
آن الآوان لنقاش عميق في موضوع الدولة المدنية، لا من منطلق علماني صرف ولا من منطلق فيدرالية الطوائف، بل من منطلق حدود التعدّد الطائفي وغير الطائفي والمشاركة الوطنيّة وحيادية الدولة بين الطوائف والمجموعات الثقافيّة.
رابعاً: في اللامركزيّة الإداريّة الموسّعة:
لا يمكن أن تتحقّق المشاركة فعليًا وبشكل عادل، من دون الانتقال من البنية المركزية القوية للدولة إلى البنية اللامركزية الموسعة، وذلك بإدخال اللامركزية في صلب الدستور اللبناني والإعلان عنها في مقدّمة الدستور: “لبنان دولة واحدة موحدة لامركزية”، والقيام بالإصلاحات الدستورية التشريعية اللازمة لهذه الغاية. وقد وضعنا من جهتنا لهذا الملف مبادئ أساسية يمكن البناء عليها.
خامساً: في موضوع الحياد
كل ما تقدّم يعزّزه موضوع أساسي يعاني منه لبنان منذ وجد هو جدلية الخارج والداخل التي صارت المعبر الأساس والعقدة الفصل صوب الخروج من الأزمة. هذه الجدلية هي الحجة التي تستعملها القوى لتبرر الكثير من فشلها في إدارة الأزمات في مجتمع متعدّد، أو لتشريع الاستقواء. ويقيننا في هذا المجال أن الخارج يدخل أو يستدعى للدخول كل مرة كان لجماعة ما مشروع ذاتي في الدولة تسعى إلى تحقيقه. والتاريخ اللبناني يشهد على هذه المعادلة. إننا نرى أن لا حلّ لهذه الجدلية ولا إمكان للاستفادة من هذه العلاقة لصالح لبنان ودولته ولكل طوائفه وجماعاته من دون الحياد. فاستعادة سياسة الحياد التي نهجها لبنان منذ الاستقلال باتت مطلبا لا بل واجباً وطنياً. لكن استعادتها تحتم أن يدخل الحياد من ضمن الدستور، بعدما ثبت أن حصره في مبادئ السياسية الخارجية وحدها رغم لعبه أدواراً مهمة، لم يعد يكفي لصون المصلحة اللبنانيّة العليا والاستقرار الداخلي.
إننا بهذه الملفات الخمسة نعلن عن اقتناع راسخ أن لبنان يستطيع أن يحزم أمره داخلياً فيستعيد ثقة العالم به، وأن بإمكان اللبنانييّن أن يديروا تعددهم إدارة حكيمة رائدها الالتزام بالمواثيق واحترام الدستور والقوانين. إننا نضع هذه الوثيقة في خدمة القضية اللبنانية التي لا يمكن لأي مواطن أن يعتبر نفسه غير معني بها. فالوطن لا يقوم على مصالح فئة حاكمة، أو مسيطرة، بل على إرادة جميع أبنائه وبالتزام جميع اللبنانيين بالدستور والقوانين وبالاحتكام إليها في كل الظروف والأحوال.
كل مقال او منشور مهما كان نوعه لا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع بل عن رأي صاحبه