صلت أبرشية بيروت المارونية على نية أسقفها السابق المطران خليل أبي نادر في الذكرى الخامسة لرحيله، فترأس رئيس أساقفة بيروت المطران بولس مطر قداسا في كاتدرائية مار جرجس في بيروت، عاونه فيه نائبه العام المونسنيور جوزف مرهج والخوري جان الشماس، بمشاركة المونسنيور نعمة الله شمعون والنائب الأسقفي للشؤون الإدارية والمالية المونسنيور بولس عبد الساتر والنائب الأسقفي للشؤون الرعوية المونسنيور أنطوان عساف ورؤساء مدارس الحكمة الآباء عصام إبراهيم وكابريال تابت وبيار أبي صالح وخادم رعية مار مارون الخوري ريشارد أبي صالح ولفيف من كهنة الأبرشية وعائلة الراحل وأصدقاء.
بعد الإنجيل، ألقى مطر عظة تحدث فيها عن صاحب الذكرى، فقال: “في هذا اليوم وفي هذا القداس، نصنع تذكارا في الذكرى الخامسة على إنتقال سلفنا الصالح المثلث الرحمة، المطران خليل أبي نادر إلى بيت الآب. واجب الوفاء يدفعنا إلى أن نصلي معه، حيث هو في السماء. ولكن هذا الوفاء ليس واجبا فحسب، بل هو وفاء محبة، وفاء تقدير لذلك الرجل ولذلك الرسول الذي خدم سيده ورعى كنيسته في أبرشية بيروت الخدمة الفضلى والرعاية الفضلى، وكان في وطنه لبنان عنوان المحبة بين كل طوائفه والوحدة بين كل أطيافه. نذكره في الكنيسة منطلقين من كلمة الرب يسوع لتلاميذه، حين قال لهم: كما أرسلني الآب، هكذا أن أرسلكم. أي إن رسالتنا، يا إخوتي في الكهنوت، وفي الرعاية نحن الآساقفة والكهنة، منطلقة من المسيح بالذات، أنا أرسلكم لتخدموا شعب الله ولتعطوه خبز الحياة وتقسوا أنفسكم لتقدسوه، فيعرف الله معرفة عميقة ويشهد له في هذا العالم الذي هو بحاجة إلى هذه الشهادة ليخلص بدوره هو أيضا. لأن المسيح أرسل رسله من أجل خلاص العالم كله. وصرنا نعرف اليوم، أكثر من أي يوم، أننا جميعا، مسيحيون وغير مسيحيين، موجودون في عالم واحد، في سفينة واحدة كلنا ركاب فيها، ومصيرنا في النهاية مصير واحد. لذلك نحمل العالم في قلبنا ونصلي من أجله، حتى يعرف الله وحتى يعرف معنى حياته. المطران خليل أبي نادر كان ذلك الرسول الذي خدم سيده كل لحظة من لحظات حياته. كان معنا وأمامنا مثال المضحي، الذي لم يسأل يوما عن ذاته ولا عن حياته الخاصة. صرف العمر كله وما كان له موضع يسند إليه رأسه. هو خادم للكنيسة وكفى. كان يقول لنا: ما أخذت فرصة ليوم واحد في حياتي. لأنه كان للعمل دون إنقطاع. أحب عمله أينما كان، في الرعايا وبخاصة رعية مار إلياس القنطاري التي تحفظ له جميلا كبيرا. وفي المدرسة الإكليريكية وفي مدارس الحكمة، واحدة تلو الأخرى. منها لم يؤسسها ومنا أسسها: الحكمة في الجديدة والحكمة في كليمنصو وعين الرمانة. وكان محبا لطلابه محبة قصوى. من الصباح إلى المساء. كان أول الواصلين وآخر المغادرين. كان يقول لنا هذا، لا للتبجح، بل لنأخذ منه عبرة ومثلا. وحتى إنه في يوم واحد وسنة واحدة، لم يتوان عن خدمة ثلاث مؤسسات كبرى، السلطة الكنسية طلبت منه أن يكون رئيسا للمدرسة الإكلريكية فقبل. وكان مطران الأبرشية طلب منه أن يكون راعيا لرعية مار إلياس فقبل ورئيس الحكمة في الجديدة فقبل أيضا. يستيقظ في الخامسة صباحا ليبدأ عمله في المدرسةة الإكليريكية ويذهب إلى الحكمة في الجديدة وكليمنصو ويعود مساء، ليعود وينطلق من جديد في الخامسة صباحا. هذا الإنسان الذي بنى وعمر وقدس وخدم، يبقى لنا ولكم، مثال الراعي الصالح. صلاته معنا، نطلب شفاعته حيث هو من أجل أبرشيته وأبرشيتنا جميعا ومن أجل كنيسته وكنيستنا المارونية ومن أجل كل شعب المسيح”.
أضاف: “إلى ذلك كان في لبنان عنوانا لوحدته، محبا للجميع من دون إستثناء. كان يحب أن يردد الكلمة التي قالها المثلث الرحمة البطريرك الياس الحويك، عندما قال: أنا عندي طائفة واحدة اسمها، لبنان. تبنى المطران أبي نادر هذا القول، وكان يردد أثناء الحرب وانقسام الناس بعضهم ضد بعض: لي طائفة واحدة اسمها، لبنان. أولا سيبقى المطران خليل أبي نادر عنوان وحدة بيروت. كم ذهب من شرقييها إلى غربييها، مرات في النهار الواحد. وحتى ضمن الحصار عليها من قبل الغريب والعدو. إخترق الصفوف وذهب إلى كنيسة مار الياس ليحتفل بالذبيحة الإلهية على الرغم من كل شيء، وما كان يشابهه أحد في ذلك. لماذا؟ لأنه كان يؤمن بوحدة بيروت وبوحدة لبنان. ضحى من أجل ذلك، كثيرا وخطف عدة مرات ولم يتوان عن الذهاب بين البيروتتين وبين المناطق بأثرها. عندما كان لبنان مقسما مشلعا، كان المطران خليل أبي نادر يزور كل المناطق في بعلبك والهرمل وصور وطرابلس والجبل من دون أن يهاب شيئا. ركب الأخطار زمنا طويلا، حتى إنه ركب البحر من بيروت إلى جونيه لينقذ مع رفاقه الذين كانوا محاصرين من الجيش اللبناني، هناك. فبقي في ضمير اللبنانيين عنوان لبنان الذي يجب أن يعود واحدا موحدا على تنوعه، لأننا متنوعون وواحد في آن معا. واليوم، يا إخوتي ترون المنطقة العربية بأثرها، معرضة للبغضاء والتقسيم، ربما خارطة الشرق ستتقسم، نحن باسم المسيح، نرفض هذا البغض، المستشري بين الطوائف في كل هذا الشرق. نرفض هذا التباعد وهذا التقاسم. الله جعلنا للوحدة وليس للتقسيم. الوحدة ضمن الإحترام المتبادل بين الجميع ومن أجل الجميع. ولذلك يجب علينا اليوم، أكثر من كل يوم أن نحافظ على لبنان بكل طوائفه المسيحية والإسلامية والإثنتين معا، ليبقى لبنان عنوانا للشرق الآتي وراء الحروب وعلى الرغم من الحروب. ندعو دعوة صادقة لوقف تقسيم هذه المنطقة، لعدم زجها في آتون البغض والحقد والقتل. الناس يقتلون الناس من دون سبب، يستطيعون أن يعيشوا معا، كما كانوا على الدوام ولكن باحترام من الناس بعضهم لبعض وإعطاء الحقوق لكل الناس ونكون مواطنين متساوين إخوة، أكنا مسيحيين أم مسلمين، من كل المذاهب. هذه مرحلة صعبة دكناء نمر فيها. نطلب من الله أن يقصرها وأن يجعل آثارها السلبية قليلة وأن تمحى من الوجود. في كل ذلك يبقى لبنان المثل الطيب والأمل الساطع، إذا عرفنا أن نحافظ على ذاتنا، يبقى لبنان أمل المنطقة كلها فلا نستسلم نحن للحروب ولا للبغض، بل نقبل بعضنا بعضا ونتفاهم بعضنا مع بعض، نتحاور على الرغم من كل شيء حتى نصل إلى نتيجة. لبنان مسؤول عن المنطقة كلها. هذه هي رسالة المطران خليل أبي نادر، اليوم. ذلك الذي أحب لبنان، سيصلي من أجله وأن يكون لبنان علامة ومنارة للمنطقة بأسرها”.
وختم مطر: “نطلب من الله ان يكون المطران أبي نادر عند الرب مكللا بإكليل المجد والظافرين والرعاة الصالحين وأن يكون شفيعا لنا ومصليا من أجل أبرشيته ومن أجل عائلته الصغرى والكبرى، من أجل الكنيسة ولبنان الوطن العزيز. فالذي عاشه المطران أبي نادر في ألأرض حمله معه إلى السماء أمام عرش الرب، حيث تستجاب طلبته إن شاء الله، ويبقى لبنان وتبقون جميعا سالمين”.
وطنية