هل ترزقني مقالاً يا رب يلبي رغبتك إليّ أو يأتي المقال نيرًا إذا كانت روحك ضعيفة؟ لكن القارئ ينتظر ولا يحق لك ان تكون أضعف من انتظاره. وأنت في الحقيقة تكتب لتخلص نفسك من آلامها على رجاء ان تساعد المؤمنين على خلاص نفوسهم. المسألة المعقدة انك تجيء من نفسك إذا كتبت وقد لا تكون نفسك جاهزة. وأنت لا تستطيع ألا تكتب لأنك هكذا تكونت وتحلم ان بعضا من ناس ولو كانوا قلة سيصلون بك إلى حقيقة أنفسهم ان لم يصلوا إلى حقيقة الله. السر الوحيد عند الكاتب المؤمن هو هل هو يكتب أم الله يكتب. لا ترى نفسك ذليلاً إذا أحسست ان الله لم يلهمك. من أنت لتكتب إذا عرفت في لحظة كتابتك ان الرب ليس رفيقك؟
ويل لذاك الذي يعتقد انه خلاق إذا أتى بكلام هو من بشرته. ما هذه البشرة التي فيها عكر الجسد؟ وإذا تخلص الكاتب بالنسك من جسديته ماذا يبقى فيه غير الله؟ وإذا كان الله كله فيه هل هو كاتب؟ الله وحده فيك لا أنت يعني ان كلامك صار إنجيل يوحنا. إذ ذاك، لماذا نكتب؟
ربما سؤالي لنفسي لما كنت أطالع مطلع الإنجيل الرابع لماذا لم يقف الكاتب عند الكلمات الأولى “في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله” وأراد ان ينتقل من المطلع الإلهي إلى السرد التاريخي. “كان إنسان مرسل من الله اسمه يوحنا”، المعنى الأهم لسؤالي هو كيف تنتقل أنت من الصعيد الإلهي الذي في مطلع الإنجيل الرابع إلى باقي الكلام. إذا دخلت أنت في السر تعرف كيف تمازج في النص الواحد بين الكلام في الله مطلقًا والكلام عن المسيح في بشرته. كيف استطاع الإنجيل الرابع أن يجمع الحديث عن المسيح إلهًا وعنه إنسانًا. ماذا رأى؟ هل يبقى الإنجيل الرابع نصاً أمامك أي سطوراً بشرية وأنت أمام وجه يسوع الذي لا يسوغ النظر إليه؟ هل الإنجيل في سطوره باقٍ في الحياة الأبدية بعد ان انكشف لك هنا وجه المخلص؟ إن كانت المحبة ممكنة حتى النهاية ألا تلغي الكتب؟ ولكن يبدو أنه يجب أن نحب بالكلمات.
هنا يحضرني ما يقوله المعلّمون في كثرة من المقامات ان الفرق بين طرح وطرح فرق لفظي وإن من اختلفوا في حكم الظاهر كثيرًا ما كانوا واحداً في حقيقة مواقفهم. شيء ظاهر بسيط أن طلاب اللاهوت في الصفوف البادئة كثيراً ما يختلفون ولا سيما إذا كانوا على مذاهب مختلفة فيجدون بعد بحثٍ واحد أن أساتذتهم ليسوا في خصومة.
المطران جورج خضر
النهار