بات مسيحيو العراق بين فكي كماشة “داعش” و”الميليشيات” في مشهد مأسوي يلخص الوضع الذي وصلت إليه البلاد تحت سطوة تنظيم وميليشيات لا يأبهون لحضارة أو تمدن ويسعون لمسح الوجود المسيحي وما يشكله من وعي في ذاكرة العراق بتنوعه الطائفي والمذهبي والقومي.
فمأساة المسيحيين لم تقف عند ما جرى لهم على يد تنظيم “داعش” من اجلاء قسري عن مناطقهم بعد الاستيلاء عليها عقب نكبة حزيران 2014 واختفاء صوت اجراس الكنائس في نينوى لاول مرة في التاريخ الممتد لالاف السنين، فواجهوا تحدياً آخر يتمثل بظهور قوى مسلحة شيعية ومافيات الجريمة المنظمة التي تستولي عنوة على منازل المئات منهم في مدن تسيطر عليها الحكومة، أو اجبارهم على بيع املاكهم بثمن بخس، ضمن حملة مدروسة لتغيير واقع ديموغرافي وتعايش ديني تميز به العراق على مر الحقب والعهود.
هذا التطور دفع برجال دين مسيحيين بارزين ومنظمات حقوقية ومن بينها “منظمة حمورابي لحقوق الإنسان” الى مطالبة الحكومة العراقية باتخاذ خطوات ميدانية جريئة لانصاف العوائل المسيحية التي تم الاستيلاء على منازلها في مناطق الدورة والكرادة وبغداد الجديدة وحي شارع فلسطين ومناطق أخرى في العاصمة وفي الموصل وبعض المحافظات الاخرى لكن من دون اي استجابة واضحة خصوصاً ان عمليات بيع وتزوير وثائق عائدية عقارات المسيحيين أصبحت تجري على نطاق واسع بالتنسيق مع سماسرة عقارات وموظفي التسجيل العقاري في تلك المناطق.
ولجأ متضررون مسيحيون تفاجأوا بنقل ملكية عقاراتهم من دون علمهم الى لجان برلمانية، واتهموا في شكواهم، وفق ما قالت مصادر مطلعة لـ”المستقبل”: “ميليشيات وفصائل مسلحة شيعية تنشط في بغداد بالوقوف وراء هذه الحالات او انها توفر غطاء وحماية لشبكات مافيات الاستيلاء على منازلهم”. وقال يونادم كنا، النائب المسيحي في البرلمان العراقي ان “المسيحيين تعرضوا الى اقصاء سياسي وتهميش وافقار من قبل الجماعات والكتل المهيمنة وفقا لمعايير حزبية وطائفية حتى بات المكون المسيحي مبعدا كشريك بالوطن”.
ولفت النائب كنا، وهو رئيس الحركة الديمقراطية الاشورية إلى ان عشرات الالاف من العائلات غادرت بغداد بعد 2003 لكن جزءا من تلك العوائد كان يبقى في البلد، اما الآن فالعوائل المسيحية تغادر بالجملة وتترك المنزل وما فيه للنجاة بانفسهم من القتل والتهديدات.
واشار النائب المسيحي إلى أن أوضاع المسيحيين تفاقمت بعد ظهور تنظيم “داعش” وسيطرته على اجزاء واسعة من البلاد ليفاقم الامر تواجد جماعات مسلحة تجوب الشوارع من دون أن يكون لها غطاء قانوني وهي عبارة عن ميليشيات ومافيات قد ترتبط ببعض الاحزاب الحاكمة او غير الحاكمة اولها علاقة ببعض المفسدين والفاسدين لتمارس دورا خطيرا يتمثل بالاستيلاء على المنازل الخالية من سكانها المسيحيين
وبيّن النائب كنا ان الميليشيات والمافيات امتهنت تزوير الوثائق وتسجل المستندات باسماء اشخاص لم يشتروا المنازل اساسا ولم تجر اي اعمال بيع اصلا تواطئ بين المافيات والسماسرة ودائرة التسجيل العقاري اذ بيعت منازل بينما اصحابها في المهجر ولا يوجد له وكيل.
ولفت رئيس الحركة الديمقراطية الاشورية الى ان عشرات الالاف من منازل المسيحيين المهاجرين خارج العراق مهددة بان يتم الاستيلاء عليها فحالات الاستيلاء على المنازل مستشرية على نطاق واسع في بغداد والبصرة الحكومة لم تتخذ بالاجراءات الكافية.
وانتقد النائب المسيحي تباطؤ الحكومة العراقية في الكشف عن المتورطين مشيرا الى ان الحكومة العراقية لم تكشف حتى الان اي من المافيات او تبعيتها لاي جهة فالاجهزة الامنية الحكومية تكتفي باخلاء المنزل دون مساءلة من استولى عليه او مقاضاته، مطالباً الحكومة بفرض سلطة القانون وان يكون السلاح بيد الدولة.
المستقبل