للمرة الأولى في فرنسا، يركّز «معهد العالم العربي» في باريس على تاريخ المسيحيين في الشرق الأوسط منذ بدايته حتى اليوم من خلال معرض «مسيحيّو المشرق: تاريخ ألفي عام». ندخل هذا المعرض، كما ندخل كنيسة. عندما ننظر إلى السقف، نرى قوسين ذهبيين يرسمان سقف كنيسة. يُفتح أمامنا تاريخ مسيحيي المشرق والآثار التي تركوها لنا عن اللحظات الأولى لميلاد المسيحية. نرى في زاويا المعرض صلباناً، وأيقونات، وشمعدانات، وأناجيل باللغة السريانية.
وفقاً لمنظمة المعرض إيلودي بوفار، «جُمعت هذه القطع الفنية بفضل تعاون بين متاحف عديدة في العالم»، حيث نجد آثاراً موجودة في متاحف فرنسا، والولايات المتحدة، وسويسرا ولبنان مثلاً.
يتحدث المعرض عن تاريخ المسيحيين في سوريا، والعراق، ولبنان، والأردن، وفلسطين ومصر. في الطريق المتعرج بين قاعات المعرض، نمرّ على ألفي عام من التاريخ. «أردنا أن نفهم الصفات الخاصة بمسيحيي الشرق ومشاركتهم في بناء العالم العربي» تقول أيلودي بوفار، قبل أن تضيف: «نحاول أن نفهم تفاعل المسيحيين وتأثيرهم في بيئتهم باعتبارهم جزءاً من الشرق، لا جسماً غريباً وطارئاً على المنطقة، لا سيما مع ازدياد هجرة المسيحيين، فقد شكلوا ٢٠٪ من سكان المنطقة في عام ١٩٢٠ أما الآن فهم ٣٪».
يبدأ المعرض بولادة الدين المسيحي وينتهي بالزمن الحديث. «بسبب الأحداث الأخيرة في البلدان العربية، لا يمكننا إلا أن نتطرق إلى وضع المسيحيين حالياً. نعرض هنا تاريخ المسيحيين حتى يومنا هذا، ومستقبلهم يبقى لإرادتهم في رسمه» وفق بوفار.
استعمل اسم «مسيحي» للمرة الأولى في أنطاكية. عُرف أتباع المسيح باسم المسيحيين. قطعة من قطع المتحف ترجع إلى عام ٢٣٢ وهي رسم جداري من موقع دورا أوروبوس في سوريا حيث يوجد أيضاً أقدم كنيس معروف. وكان الدين المسيحي في ذلك الزمن ممنوعاً، ومعتنقوه يجتمعون في كنائس صغيرة خاصة. ويضم المعرض أيضاً بعض المعروضات التي تصوّر قصصاً من الإنجيل.
نتقدم قليلاً في المعرض، فنصل إلى عصر الإمبرطور تيودوس عام ٣٨٠ م حين أصبح الدين المسيحي الدين الرسمي. في تلك الفترة، انتشر الفن المسيحي، لكنه لم يستمر طويلاً. ففي فترة الحروب الصليبية، تمت معاملة مسيحيي الشرق كخونة. وفي العصر العثماني، كانوا يعتبرون كمواطنين من الدرجة الثانية، لكنّهم كانوا محميين لأنّهم «من أهل الكتاب». يروي المعرض أيضاً قصة التأثير المتبادل بينهم وبين العرب واللغة العربية. يمكننا أن نستمع إلى أغنيات دينية بالعربية خلال زيارتنا للمتحف. في القرن السادس عشر، توسعت العلاقات مع الغرب، بتأسيس مدرسة مارونية في روما عام ١٥٨٤ مثلاً. يتحدث المعرض عن بعض كتّاب عصر النهضة كجبران خليل جبران.
في غرف صغيرة ومعزولة، نجد صوراً من المآسي التي مرت على مسيحيي المشرق كصور الإبادة الجماعية للأرمن ومخيماتهم في لبنان وسوريا ومصر. يشرح المعرض كيف حاولوا الاحتفاظ بثقافتهم ولغتهم الأرمنية. في الزمن ذاته، وقعت مجازر الآشوريين أثناء الحرب العالمية الأولى التي راح ضحيتها ٢٥٠٠٠٠ شخص.
واليوم يعود التهديد نفسه والمخاطر عينها نتيجة الحروب في العراق وسوريا، والاحتلال الإسرائيلي، وعدم الاستقرار في المنطقة كلها، مما يطرح سؤالاً عن مستقبل العالم العربي. قبل مغادرة المعرض، بإمكاننا مشاهدة فيلم مصوّر في حلب عن عائلة تزور معالم المدينة. إنها سعادة صغيرة لمن يفتقد سوريا. إذا كنتم في باريس، يمكنكم زيارة هذا المعرض الذي يفتح أبوابه حتى أول أيام كانون الثاني (يناير) المقبل.
«مسيحيّو المشرق: تاريخ ألفي عام»: حتى 14 كانون الثاني (يناير) ـــ «معهد العالم العربي» في باريس ــــ imarabe.org/fr
الأخبار