احتفال وزارة المهجرين والصندوق المركزي للمهجرين بتسليم مفاتيح كنيستي مار الياس ومار جرجس المارونيين في بلدة بريح، اللتين أنجز الصندوق بناءهما، إلى المونسينيور مارون كيوان المكلّف من راعي أبرشية صيدا ودير القمر المارونية الياس نصّار كان حدثاً مميزاً. أما الإطلالة الأبرز في الإحتفال فكانت للسيد تيمور جنبلاط.
هذه المرة، لم يحضر رئيس “اللقاء الديموقراطي” النائب وليد جنبلاط حدث بريح، بل أوفد نجله تيمور، في اشارة متجددة إلى تسليم زمام الأمور إليه. جنبلاط كان حرص على إعلان إنهاء قضية بريح من بكركي في 4 كانون الثاني 2013، يوم قال: ” التعدي أزيل من بريح”. أما اليوم فاختار ان يسلّم مفاتيح بريح والجبل الى تيمور.
ميزة الاحتفال انه يأتي بعد 15 عاما على “مصالحة الجبل” الشهيرة في 3 آب 2001، يوم كرّس جنبلاط والبطريرك الماروني السابق الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير ذاك اليوم الشهير من الشوف، وقد تلت ذلك التاريخ موجة اعتقالات “رسمية” وسجن، أيام كانت لا تزال للنضال قيمة.
وأمس، عشية عيد مار الياس، كان مفتاح كنيسة مار الياس في بريح في يد أهلها. تلك الكنيسة التي بقي منها قبل 32 عاما المذبح فحسب، فيما تهدمت كنيسة مار جرجس.
وبعد انهاء مصالحة بريح وقضية “بيت الضيعة”، تؤكد بريح مرة اخرى ان مسار العودة فيها سيسلك طريقه الطبيعي. حتى اليوم، اكثر من 40 مبنى رمّم او هو قيد الترميم، والاهم ان العمل الذي لزّم لإعادة اعمار الكنيستين ترجم ببدء الاعمال وبالتوازي بين الكنيستين، الامر الذي يساعد اكثر في تشجيع العودة.
زمن الماضي في بريح يختلف تماما عن واقعها. منذ 21 آب 1977 انتظر اهالي بريح. ودائما كانت كنيستا مار الياس ومار جرجس الشاهدتين على الاحداث.
اكثر من 200 بيت هدّم خلال التهجير والحرب، ومحطات مفصلية عدة عاشها أهل بريح حتى حلّ عام 1982: عام التهجير النهائي.
قصة بريح لم تتميز بأي جهد رسمي. كان لا بد من الانتظار طويلا، اي حتى 28 آب 2010. يومها، ومن قصر بيت الدين، رعى رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس “اللقاء الديموقراطي” النائب وليد جنبلاط مصالحة بريح.
عادت ومرّت الاعوام مجددا. حتى 17 ايار 2014، بان الجهد الرسمي الذي غيّب طويلا. يومها تبدّلت صورة بريح المهجرّة. وقبل اسبوع من انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان، وصباح ذاك السبت، حضر سليمان وجنبلاط والبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي والوزيرة أليس شبطيني الى بريح لرعاية آخر فصول المصالحة. وضعوا حجر الاساس لكنيستي مار الياس ومار جرجس، ورفعت لافتة “دار بريح” بدل “بيت الضيعة” في موقع جديد، بعدما أزيل البيت القديم.
تكرّس ما كان يدركه جنبلاط جيدا، وما لا يزال حتى اليوم يعرف كيف يلعب على وتره. هو الذي قال يوما: ” نريد ان نعيش معاً. الى اين سنذهب؟ سنعيش معاً. اذا كنا نريد الافتراق، فالمستقبل لن يكون لكم ولا لنا. نضمحل ونتبخر، ومعاً بوحدتنا نعزز ما تبقى من وحدة الجبل. انتبهوا الى هذا جيداً. انسوا الماضي”.
بريح تحاول نسيان الماضي، فهي اختبرت قبل شهرين اول استحقاق بلدي صحيح انها كسرت فيه المناصفة بين المسيحي والدرزي، لكنها ربحت اول مجلس بلدي، يعول عليه في انماء البلدة. انما الأهم ان يقتنع المسيحي أولا ان الجبل له كما لغيره، وانه يستطيع العيش فيه، لأن في الجبل أيضاً ثمة مقومات للعيش.
وفي العودة إلى الإحتفال الرسمي بتسليم مفتاحي الكنيستين أمس، فقد حضرته وزيرة المهجرين أليس شبطيني التي تولّت تسليم مفتاح كنيسة مار الياس، بينما سلّم السيّد تيمور وليد جنبلاط الذي حضر الإحتفال مفتاح كنيسة مار جرجس إلى الأب كيوان.
وتزامناً مع تسليم مفتاحيّ الكنيستين، قرعت أجراسهما إحتفالاً وإيذاناً بعملية الإنجاز التي تمّت.
ومن حضور الإحتفال إلى رئيس هيئة الصندوق العميد نقولا الهبر، المدير العام لوزارة المهجرين أحمد محمود وأعضاء مجلس إدارة الصندوق ولجنة وقف بريح والمهندسين الذي أشرفوا على أعمال التنفيذ والإشراف.
وتحدثت الوزيرة شبطيني في المناسبة، فرحّبت بالسيّد جنبلاط، ثمّ نوّهت بالجهود التي بذلها رئيس الصندوق والمدير العام للوزارة والفريق الفني والإداري العامل معهما وأشارت باعتزاز إلى عملية بناء الكنيستين “حيث تشارَك السنيّ والشيعيّ والدرزي” في بناء الصرحين الدينيين المسيحيين اللذين اعتبرتهما “من أجمل الكنائس، وقد عادتا إلى واقع أجمل ممّا كانتا عليه”.
وبدوره رحب العميد الهبر بالحضور وأشاد بجهود الوزيرة شبطيني وأكّد أمرين رافقا أعمال التنفيذ “الأول الشفافيّة والوفر الذي تحقق من خلال التنفيذ والذي تمّت الاستفادة منه للقيام بأعمال إضافية. والثاني التزام دفتر الشروط التزاماً كاملاً لجهة الوقت المحدد بعام واحد والشروط الفنية المطلوبة”.
النهار