على أثر تردد قطع معه الأمل في إطلاقهن مساء أمس.
خطف الراهبات هو واحدة من المآسي التي طبعت المعارضة السورية بعلامات سوداء وساهمت في تحول اتجاهات الرأي العام العالمي والاقليمي والمحلي حيال “الثورة من أجل الحرية” وتكريسها على صورة مجموعة من قطّاع طرق متمردين على القوانين والأعراف. وكادت وقائع اليوم الطويل أن تطوي الجريمة الأكثر استفزازاً للمشاعر عندما قامت قوة من المعارضة السورية بخطف 13 راهبة آمنات من ديرهن في معلولا، لكن الآمال تبددت فجأة خلال ساعات المساء مع وصول قوة من الأمن العام اللبناني الى جرود بلدة عرسال، حيث تحقق مسلحو جبهة النصرة الذي يحكمون السيطرة على المنطقة الجردية من هويات الجميع في شكل أثار الارتياب لدى الوفد اللبناني الذي كان يصطحب عدداً من السوريات المفرج عنهن من سجون النظام، فيما أبقى عدداً آخر منهن في مكان آخر آمناً، وما ان ارتاب فريق الأمن العام اللبناني حتى أخرج المعتقلات السوريات المفرج عنهن في إطار الصفقة وانسحب بهن الى حاجز قريب للجيش واستأنف الكلام مع مسلحي “النصرة” من مكان أكثر أمناً. وعندما لاحظ الوفد الأمني أن المسلحين يحضرون لعملية أمنية كبيرة اتصل بقيادته فأشارت عليه بالانسحاب عند التاسعة والنصف ليلاً وانهاء الكلام عند هذا الحد، بعد التأكد أن الراهبات وكل الموجودين قد يصبحن ضحايا أي عمل أمني.
وبعد انسحاب الوفد ووصوله الى مفترق بلدة اللبوة مساء تلقى اتصالاً من قيادته بالعودة إلى المكان واستئناف المحاولات فيما الجانب القطري الذي كان حاضراً يتولى تذليل بعض العقد والقطب المخفية والتي وصلت إلى الافراج عنهم بعد مفاوضات مضنية. وعلمت “النهار” ان الصفقة تضمنت الافراج عن الراهبات المخطوفات في مقابل تقاضي “جبهة النصرة” الخاطفة أربعة ملايين دولار أميركي، واستجابة الحكومة السورية طلب الافراج عن 158 معتقلة في سجون النظام. والواضح أن التطورات الميدانية في كل قرى القلمون السوري وفي مدينة يبرود تحديداً، وبعد اشتداد الخناق العسكري من حولها، كان هو السبب في التعجيل باطلاق الراهبات وانهاء الملف الذي كان شهد مفاوضات سابقة بسقوف عالية بدأت بمطالب كبيرة لـ”النصرة” لا طاقة لأي جهة على تنفيذها، خصوصاً أن المفاوض الأساسي عن الخاطفين نائب رئيس “جبهة النصرة” أبو عزام الكويتي آثر في كل مراحل التفاوض السابقة ألا يقدم مطالبه النهائية، بل كان يحاول دائماً “التشاطر” في التفاوض ويقدم مطالب كبيرة على انها مطالبة أولية، وعلى النظام السوري والقوى المعنية محلياً وعربياً وعالمياً أن تنفذها كبادرة حسن نية على أمل متابعة التفاوض لاحقاً. وبدا انه بعد التطورات الميدانية اقتنع بضرورة التخلص من هذا الملف الذي بات يشكل عبئاً عليه، كما حصل في ملف الزوار اللبنانيين التسعة الذين خطفوا في اعزاز السورية سابقاً وتم التخلص منهم في اللحظات الأخيرة قبيل خسارة الخاطفين المنطقة التي تم احتجازهم فيها لمصلحة فريق آخر. وعند اقتراب اللحظة المناسبة تولت الدولة اللبنانية إجرائياً اخراج الصفقة الى النور عبر اتصالات وتحركات ميدانية قام بها المدير العام للأمن العام اللبناني اللواء عباس ابرهيم بتوجيه مباشر من رئيس الجمهورية ميشال سليمان الذي كان خطه مفتوحاً طوال أمس مع ابرهيم مطلعاً منه على التطورات أول بأول. وروجت وسائل الاعلام والمواقع الاخبارية في هذا الوقت اخباراً تشي بالحيرة والضياع لعدم توافر معلومات صحيحة من المصادر العليمة التي آثرت التكتم على مجريات سير العملية ومراحلها، كما عن المكان المفترض للافراج عن الراهبات. وكانت سربت معلومات شبه مؤكدة تفيد بأنهن نقلن الى مكان آمن بين بلدة فليطا السورية وجرود بلدة عرسال المحاذية لها منذ أيام، فاتجهت الانظار الى بلدة عرسال وخصوصاً عندما وصلت اليها مواكب أمنية، فتوجه اليها حشد غير مسبوق من مندوبي ومصوري وسائل الاعلام المحلية والعربية والاجنبية. لكن الموكب الكبير الذي يضم حوالى 30 سيارة للأمن العام اللبناني، والذي عبر خلال ساعات الغروب حاجز الجيش عند مدخل عرسال، وصل الى محلة “الرهوة” في جرود عرسال الحدودية لانجاز عملية تسلم الراهبات، وما لبث ان تبين للمتابعين تعقد المسألة مجدداً.
وشاعت روايات مختلفة أكثرها قرباً الى الواقع القول بأنهن سيسلمن في عرسال الى الوفد المشترك من ضباط الامن العام اللبناني وضباط أمن قطريين حضروا الى لبنان مع رئيس المخابرات القطري سعاده الكبيسي الذي انتقل لهذه الغاية من اسطنبول الى بيروت صباح امس، على أن يتولى الوفد نقلهن الى معبر جديدة يابوس الحدودي عبر الاراضي اللبنانية ليلقين استقبالاً رسميا وروحياً وكنسياً وشعبياً وسجلت تحضيرات فعلية وتجمع لهذه الغاية عند المصنع. ورغم المؤشرات الى التعثر وفشل التفاوض ظلت نوافذ الأمل مفتوحة على انجاز ما قد يحصل في أي لحظة ويفضي الى اطلاق الراهبات المخطوفات، فيطوى الملف. وعند الحادية عشرة ليلاً أعلن اللواء إبرهيم أن “الراهبات أصبحن بعهدتنا وتم نقلهن إلى الأراضي اللبنانية”.
عباس صالح / النهار