بعد ان كان الشغل الشاغل للمسيحيين تأمين لقمة عيشهم، باتوا اليوم يحملون هموماً أخرى على أكتافهم منها الوجودية المسيحية بمعناها الواسع ومدى تأثيرها على المحيط المتعدد الأطياف والمتشعب الإنتماءات…
إنهم هكذا تبعاً لديانتهم السمحاء المرتكزة الى المحبة والتسامح والمساحمة سبعين مرة سبع مرات…. إنهم اليوم يعملون في ميادينهم ضمن مجموعة من الطوائف المتعددة… طبعاً لا فرق لديهم لا يكنون الضغائن لأحد. فتراهم يتوجهون الى كنائسهم للصلاة وليس للقتل هم لم يرفعوا أيديهم ولا سلاحهم في وجه أحد…
لكنهم باتوا اليوم مُلاحقين أينما تواجدوا!!!!! يفرّون بأرواحهم دون ذنب سوا أنهم من الطائفة المسيحية ….. يتلقون الضربة تلو الأخرى …. تُنسف كنائسهم وتُدنس وتُهانّ!!! تُنسف كنائسهم وأماكن صلاتهم وليس مخازن أسلحتهم فهم لا يملكون سوا سلاح المحبة للآخر والمسامحة وعدم الردّ.. لكن اليوم وجب الردّ فلن نحول خدنا الأيمن ولا الأيسر، لن نسامح سبعين مرة سبع مرّات… لن نسكن إذاً بعد اليوم.!
في هذا السياق سوف أتطرق الى أمور عدة باتت من المعيب جداً عدم الإضاءة عليها !!! هناك تقصير فاضح من كل الانظمة، قبل الثورات العربية وحتى بعدها تجاه المسيحيين. فلا احد دون استثناء، ينظر إليهم كمتساوين مع سائر الفئات، وهذه العقلية يجب ان تتغير اليوم قبل الغد فلم يعد من وقت كي ننتظر أكثر… لقد مللنا يا أخوة.!
علينا ان نبدأ بكتابة حاضرنا!! كي نبقى ونستمر وإلا سوف نزول وهذا حلم كثيرين من روّاد الفتن…!! علينا أن نصنع مستقبلنا ونقول ماذا نريد، فاذا كان هناك من يريد لنا الهجرة والتهجير قسراً مثلاً، فلماذا الحديث عن الحضور المسيحي في المشرق؟ علينا ان نعرف ان الارض لمن فوقها وليست لمن تحتها، واذا خسرنا الارض خسرنا كل شيء، ففي التهجير نذوب كلّنا.
يكفي أن يحمل المؤمن إسم مسيحي ليصبح تحديّاً
لقد بات المسيحي يا أخوة بعد كل الانتهاكات اللاحقة بحقّهم مستهدفاً بشكل موجّه ومركّز، إن تكرار التسامح وعدم الحراك باتت أمراً خطيراً، ولذلك يجب على الإرادة السياسية أن تتجه نحو سياسات صارمة ضد التحريض على أبناء شعبها الواحد، إلى جانب احترام الكيانات المختلفة والعمل على درء الانتهاكات المروّعة لحقوق الانسان بشكل عام والتي استهدفت مواطنين أبرياء في المنطقة وضرورة الابتعاد عن الصراعات الخارجية وعن سياسات المحاور الاقليمية والدولية التي قد تعرضه لخطر استباحة أرضه وتحويله الى مسرح لصراعات الآخرين كما يتوجب على الارادات السياسية ان تعتمد انظمة للحكم تساوي بين المواطنين مما يكرس العدالة الاجتماعية في عملية اتخاذ القرارات التي تتعلق بارادة شؤون حاضر المسيحيين وصناعة مستقبلهم، الى ذلك يجب على الارادات السياسية ان تتكاتف وتحتكم الى لغتي العقل والمنطق وتتمسك بالدولة وبمؤسساتها الدستورية وأن ترفض مبدأ الاستقواء من الخارج وان تتمسك بالحوار الوطني أساسا لمعالجة الاختلاف وادارة التعددية.
ننطلق للحديث عن مشكلة هامة باتت قلب قوسين اليوم وهي على كل القيادات الاسلامية في المنطقة العربية، أن تتوقف عن القول:”إن “داعش لا تمثلنا” … فيا أيتها القيادات، لا يكفي هذا القول، وطالما انه ليس هناك من تغيير في نمط التعاطي مع هذا الملف، فإن المشكلة ستستمر. ورغم ذلك نحن مصرّون على العيش الواحد. ما يعني ان الاسلام والعروبة هما مسؤولان عما يجري، والحراك ضدّ هذه الموجة خجول جداً. إذاً هذه نقطة هامة برسم الرأي العام الإسلامي.!
المسيحيون ركن هذا الشرق وقاعدة أساسه
أضف الى ذلك، على الغرب الذي يتعامل مع قضية مسيحيي الشرق بشكل خبيث، انه يعاني من ازمة عقل وضمير وقيم وقيادة. فبدل ان يدعم مسيحيي الشرق في صمودهم (دعم التعدد والتنوّع وكرامة كل انسان) ها انه يسكت واحيانا يتواطأ لاتمام ما بدأ به داعش: فالتنظيم يهجّر والغرب يفتح ابوابه لهذه الهجرة. وهذا ماذا يعني أيتها الدول الغربية؟ هل هو يعني تضامن أم احتضان، إتفاقيات مبطنّة ظاهرها حسن وباطنها جحيم؟!!!
يا سيادة هذه الدول نريدك أن تعرفي أن المؤمنين بالمسيح ليسوا أقليّة أو أكثريّة أو أقليّة كبيرة لها قيمتها سياسيًّا. العدد مهما كَبُر أو صغُر ربّما ينهزم أو تتمّ السيطرة عليه. من دون الإيمان ، المسيحي يصبح عدداً بين أعداد.
وهنا نوجه الرسالة الى المسيحي المنعوت بطابع الاقلية أغل بالأحيان، أنه يجب عليه ان يكون فاعلاَ في موقفه عندما يخدم الشركة الحسنة بين الكنائس، ويكون المسؤولون المسيحيون فاعلين، وخصوصاَ الإكليريكين بينهم، عندما يقودون شعبهم للقاء الآخر المختلف ، لكن في المقابل عليه أن لا ينصاع الى ثعلبة الدول الخارجية التي تريد احتضانه وان لا يتهاون بما يرسم من خرائط مستقبلية للمسيحيين.
صحيح أن الذاكرة المسيحية مجبولة بالمآسي، إلاّ أنّها مدعوة إلى تذكّر العلامات المضيئة في التاريخ .والى هذه الضرورة، تبدو أن المحافظة على الجغرافيا والأرض هي شرط ضروري لعدم خسارة التاريخ وهذا معناه إن الأرض أساسية للبقاء وللمشاركة في صنع التاريخ العام.يكفي أن يحمل المؤمن إسم مسيحي حتّى يصبح حمل الإسم تحدِّياً له ولمعنى حياته.
وفي خلاصة ما تقدّم، نفتخر ونفاخِر بأن المسيحيِّين لعبوا دوراً في النهضة العربيّة وفي نشأة الدول الحديثة وفي التحرُّر من الدول العثمانيّة التركيّة. لكن التحليل التاريخي الواعي يُبيِّن أن الكنيسة المؤسَّسة لم تلعب دوراً مهمًّا في هذا المجال ، بل إن الكثير من النهضويين كانوا مسيحيِّين لكن هامشيِّين ومهمّشين لأنهم كانوا ينادون بالحريّة. ولذلك يطرح اليوم السؤال: هل نستطيع ككنيسة تكوين رجال ونساء مسيحيِّين ملتزمين بالحياة العامّة يكونوا أقوياء بإيمانهم لا بطائفتهم ولا بمذهبيتهم ، أقوياء بذلك الإيمان الذي يحفظ نفسه وينفتح على الآخرين ( هذا هو التحدِّي الحقيقي ) لبناء مجتمع جديد أو المشاركة في البناء المجتمعي الجديد.فالمسيحي مدعو أن ينخرط ويتقوى لا ان يسامح ويبتعد، ولا ان يهمش لمجرد مهاجمته بطائفته التي على أساسها بنى وجوده وتحملّ التعددية…
ختاماً نقول: ان المسيحي لا يمكن أن يكون مجرد ميزان حرارة ” ترموميتر”، بل عليه أن يكون مثبت الحرارة ” ترموستا” و منظمها.
والتمني على مسلمي لبنان والمنطقة حتى يكونوا سباقين في النهضة الفكرية من اجل شرق جديد وتقبل الفكر والرأي الآخر. و اكرر وأقول نحن بحاجة الى سينودوس اسلامي- اسلامي للقيام بالتغيير على المستوى المنطقة العربية بأكملها.
جوي حداد
رئيس هيئة التضامن السرياني الديمقراطي
نائب رئيس الهيئة الشبابية الاسلامية-المسيحية للحوار