“فلنحذر، في أزمنة التشتت الشيطاني هذه، من عدم الخضوع للعقائد الخاطئة.”
كويمبرا، ٤ ديسمبر ١٩٧٠
عزيزتي ماريا تيريزا،
سلام المسيح.
تلقت أمنا رسالتك وتطلب منك السماح لعدم قدرتها على الرد عليها شخصياً إذ ان ذلك غير ممكن حالياً لكثرة انشغالها في التحضير للكرمل الجديد في براغا. أوكلتني، لهذا السبب، مهمة الرد على رسالتك وهذا ما أفعله الآن.
لا تستطيع أمنا تحقيق رغبتك إلا أن ذلك غير ضروري أيضاً. لا يمكنني ولا يجدر بي تبرير نفسي، عليّ بالتزام الصمت والصلاة والتوبة فهذه الطريقة الفضلى أمامي للمساعدة.ومن الضروري أن يكون ذلك أساس الرهبنة وهذا ما ائتمنني اللّه القيام به، الصلاة والتضحية من أجل من يكافحون ويعملون في كرمة الرب ومن أجل بناء ملكوته.
ولذلك، لا يسعني أن أذكر اسمي بل استعين باسم سيدتي التي لا تنفك تطلب وتوصي بصلاة الوردية كل يوم مكررةً الأمور نفسها في كل ظهور فتحذرنا من عدم الخضوع، في أزمنة التشتت الشيطاني هذه، للعقائد الخاطئة التي تمنع نفوسنا من الارتقاء نحو اللّه، من خلال الصلاة.
من الأكيد ان لا ضرورة لصلاة الوردية خلال الذبيحة المقدسة: من الواجب تخصيص وقتاً للقداس ووقتاً للوردية. إن الوردية هي لأغلبية النفوس التي تعيش في هذا العالم، بمثابة خبز روحي يومي، والتخلي عن هذه الصلاة أو الانقطاع عنها يعني الحد من الإيمان في النفس وكأننا نحرم المرء من الخبز الذي يسمح له بالاستمرار في الحياة.
بالإضافة الى ذلك، من المفيد اعطاء هذه الصلاة معنى أكثر واقعية وأبعد من المعنى المعطى لها أي مجرد صلاة مريمية. فكل الصلوات التي نتلوها في الوردية تشكل جزءاً لا يتجزأ من الليتورجيا المقدسة وهي أبعد من كونها رسالة موجهة الى مريم، رسالة موجهة الى اللّه:
• علمنا اللّه من خلال يسوع المسيح الصلاة الربية: أبانا الذي في السماوات…
• المجد للآب والابن والروح القدس… هو النشيد الذي ردده الملائكة الذين أرسلهم اللّه للتبشير بولادة الكلمة، اللّه الذي أصبح انساناً.
• نعي أن “السلام عليك يا مريم” صلاة موجهة الى اللّه إن فُهمت بالطريقة الصحيحة. السلام عليك يا مريم لأن الرب معك. من ما لا شك فيه أن الآب هو من أملى هذه الكلمات على الملاك، عندما أرسله الى الأرض. نعم، قال الملاك لمريم إنها ممتلئة نعمة لا بفضلها هي إنما لكونها ممتلئة من الرب.
• “مباركةٌ أنت بين النساء ومباركة ثمرة بطنك، سيدنا يسوع المسيح.”: هذه الكلمات التي استقبلت من خلالها أليصابات مريم هي كلماتُ نفحها الروح، فثمرة احشائها هي يسوع، اللّه الحقيقي والإنسان الحقيقي.
صحيحٌ أن بولس قال ان هناك وسيط وحيد ساكن في جوار الآب وهو يسوع المسيح إلا أن الرسول نفسه طلب الصلاة من أجله وأوصى بالصلاة لبعضنا البعض. فهل كان الرسول ليعتقد ان الصلاة لمريم لا تحتل عند اللّه المكانة نفسها التي تحتلها في قلوبنا؟ إنه التضليل الشيطاني الذي يغزو العالم ويسيطر على النفوس. من الواجب مواجهته وقد ينفع ما أقوله هنا لتحقيق هذه الغاية خاصةً واننا جميعنا أعضاء في جسد المسيح الواحد.
ألازم أنا مكاني، أصلي من أجلك ومن أجل كل من يعمل معك لكي نمجد اللّه من خلال هذه الحملة فتأتي بالنعم للنفوس والسلام للكنيسة المقدسة والعالم المُتعب من الحروب.
ومن المفيد التعريف عن هذه الحملة التي لا تُعتبر مجرد رد على الرسالة إنما حملة صلاة وتوبة من أجل السلام في العالم والكنيسة المقدسة والبرتغال لكي يكون البلد الأول، وهو المتعبد للإفخارستيا ومريم، في الاعتراف بأن صلاة الوردية ليست مجرد صلاة مريمية إنما إفخارستيا إيضاً. ولذلك، لا يجوز لأحد منع صلاتها أمام القربان المقدس والدليل على ذلك هو أن البابا بيوس الحادي عشر منح من يصلي الوردية أمام القربان المغفرة التامة كما وأكد مؤخراً البابا بولس السادس على ذلك.
ولذلك من الضروري تلاوة صلاة الوردية في المدن والشوارع، خلال السفر أو في المنزل، في الكنائس والمصليات. باستطاعة الجميع تلاوة هذه الصلاة ومن واجب الجميع القيام بذلك. لا يشارك عدد كبير من الناس في القداس اليومي وإن كانوا لا يتلون الوردية فأي صلاةٍ يتلون؟ وأي خلاص دون صلاة؟ لا تتوقفوا عن الصلاة كي لا تعترضكم التجربة.
من الواجب الصلاة والصلاة دوماً أي مرافقة كل أنشطتنا وأعمالنا بروحٍ من الصلاة إذ تلتقي النفس باللّه من خلال الصلاة فتستمد النعم والقوة حتى ولو شابها تشتت. دائماً ما تزيد الصلاة من إيمان النفوس حتى ولو كانت مجرد استذكار لميلاد وحياة وموت وقيامة مخلصنا إذ يعرف اللّه ما في النفس فيغفر لها ويحررها من الضعف والجهل والفقر البشري.
أما في ما يتعلق بترداد السلام عليك يا مريم، حذاري من الاعتقاد بأنه أمرٌ مرّ عليه الزمن فكل الأمور الموجودة والتي خلقها اللّه تبقى ونحافظ عليها من خلال التكرار. لا يعتبر أحد الشمس أو القمر أو النجوم أو النبتات أمور مر عليها الزمن علماً أنها تستمر بالعمل بالطريقة نفسها. وكلها أقدم بكثير من الوردية. ما من أحد أو شيء قديم بالنسبة الى اللّه. يقول القديس يوحنا ان الأبرار، في السماوات، ينشدون نشيداً جديداً فيكررون على الدوام: قدوسٌ قدوسُ قدوسٌ الرب، الإله الصباؤوت. إنه جديد لأن كل شيء يبدو جديد وبرّاق من خلال نور اللّه.
عناق كبير، متحدتَين دائماً في الصلاة.
آلأخت لوسيا
مقتطف من مجموعة رسائل خطتها الأخت لوسيا بين العامَين ١٩٦٩ و١٩٧١
اليتيا
الوسوم :من اهم الرسائل التي كتبتها الأخت لوسيا… حاملة سر فاطيما