عام 1860 حين تعرض النصارى في بلاد الشام لاحداث فتنة الستين التي ادت إلى حرق كنائسهم وتهجير قسم كبير منهم. والأحداث كانت بدأت في لبنان وامتدت إلى دمشق وآنذاك هدمت الكنيسة المريمية في باب توما وعاشت الشام زمنا صعبا على المسيحيين الذين هرب قسم كبير منهم إلى اللجاة وحوران وتركيا، وفي جبل لبنان عرفت الاحداث بمجازر 1860 والتي كانت نتيجة للصراع بين الموارنة من جهة والدروز والمسلمين من جهة أخرى.
بدأ الصراع بعد سلسلة من الاضطرابات توجت بثورة الفلاحين الموارنة على الإقطاعيين وملاك الأراضي من الموارنة. والذي أدى فيما بعد لظهور العاميات الفلاحية، وسرعان ما امتد إلى جنوب البلاد حيث تغير طابع النزاع، وبلغ عدد القتلى من المسيحيين حوالي 20,000 كما دمرت أكثر من 380 قرية مسيحية و560 كنيسة. وبالمثل تكبد الدروز والمسلمون خسائر كبيرة فاحرقت مساجد ودور عبادة.
الأحداث وثقها عدة مؤرخين، بعضها سمتها بفتنة الستين، واخرى باحداث الستين، ومن أهم مصادر تلك الحقبة مذكرات محمد أبو السعود الحسيبي الدمشقي التي جاءت في 283 صفحة والذي روى عن الاحداث أنه قد أُعدم مباشرة بعدها « وبلا محاكمة « أكثر من مائتي شيخ حارة أو زعيم حارة كما تم إبعاد الكثير من المشاركين في هذه الحوادث إلى تركيا وإلى مدن بعيدة لمدة سنوات.
بدأت الأحداث على انقاض الخلافات بين مكونات المجتمع اثناء الاحتلال المصري او الفتح المصري على يدي ابراهيم باشا والذي حكم المنطقة بين عامي 1831-1841، ونتيجة للإصلاحات التي عملها المصريون وبسبب نمو الهويات الفرعية وعملية التقسيم التي أمر بها السلطان العثماني بعد خروج المصريين، وتحول الاحتجاج إلى ثورات فلاحية بدأت بانتفاضة فلاحي جبل كسروان 1858 التي قادها طانيوس شاهين والتي انتقلت لمناطق الريف وساحل اللاذقية وأضحت تعبيرا عن ثورة فلاحية ضد الإقطاعيين ونظام الضرائب المرهق لهم.
المهم في تلك الأحداث التي تروي فصولا من تاريخ المسيحية والتدخل الغربي في المنطقة هو سرعة التدخل الفرنسي الذي تم لحماية المسيحيين في لبنان، في حين أيد البريطانيون الدروز، وغذى العثمانيون الصراع لزيادة سيطرتهم على الولاية المقسمة آنذاك.
اليوم يتكرر المشهد، فرنسا تدعم طرفا وبريطانيا طرفا وامريكا طرفا، والضائع في الأمر هو أهل المنطقة من المسيحية العربية ، والذين يدفعون ضريبة المصالح والنفوذ الغربي في المنطقة والذي يستتر وراء مواقف مختلفة من المصالح والنفوذ وأدوار المقاولين السياسيين في المنطقة.
في ظل هذا المشهد سجلت المسيحية الشرقية الأرثوذكسية سابقا وراهنا مواقف مشرفة ضد القبول في الوصاية الغربية والتغلغل في المنطقة، فكانت لهم مواقف مشرفة في الدفاع عن المنطقة وفي تمسكهم بارضهم، ووقوفهم في مواجهات مخاطر التقسيم لها.
د. مهند مبيضين / عن أبونا