نظمت الحركة الثقافية في أنطلياس، في إطار المهرجان اللبناني للكتاب، ندوة عن كتاب “تاريخ الموارنة في دير الأحمر ومنطقتها” للأستاذ عصام فريد كرم، شارك فيها المطران حنا رحمة والأساتذة ميلاد العاقوري وعصام فريد كرم وجوزيف بطرس جعجع وشوقي الفخري وهادي وطفه، وأدارها المحامي معوض الحجل، في حضور عدد من المؤرخين والمفكرين وزوار معرض الكتاب.
بعد النشيد الوطني وكلمة لمدير الندوة عرف فيها بالمنتدين، ألقى الناشر العاقوري كلمة رأى فيها أن “الكتاب يحتوي قيمة تاريخية فريدة، إذ يضيف الكثير من الحقائق ويتوغل في تاريخ المنطقة المهدد بالاندثار والنسيان”. وشدد على “أن الفترة الأهم في الكتاب هي فترة بداية الحرب الأخيرة أي عامي 1975 و 1976، لأنها الفترة التي تُعرفنا على ملحمة صمود دير الأحمر من خلال سهر الأجداد والأحفاد والأبناء معا في متراس واحد ونسيان الانتماءات الحزبية وغيرها، ومواقف شفيق المقدسي الفخري وطعّان حبشي، وخصوصا الاتكال على العذراء مريم”.
جعجع
وكانت كلمة لجعجع تحدث فيها عن المشقات التي واجهها الكاتب لوضع مؤلفه، ونوه بتوثيقه وكتابة عريشة كل عائلة من عائلات المنطقة وبإسهامه في سرد وقائع الحرب وتفاصيلها والاضطهادات والهجومات التي تعرضت لها بلدية دير الأحمر ومنطقتها.
فخري
ونوه فخري في كلمته باتكال الكاتب على العذراء لتنفيذ هذا الكتاب، ودعا أبناء دير الأحمر إلى عدم تركها بل البقاء فيها والعودة إليها وزراعتها، وناشد الشباب العودة إلى أرضهم والمحاربة في سبيل مصلحة الدير فقط والتي حددتها العذراء وهي البقاء فيها والصلاة معها.
وطفه
بداية عرف وطفى بخصائص المؤرخ من مرآة للتاريخ إلى الحارس الأمين على الكنز، ونوه بالكاتب والجهود التي بذلها لوضع مؤلفه، وتحدث عن دير الأحمر التي شكلت مع جبتي بشري والمنيطرة مثلثا لخدمة وحراسة جبل المكمل منذ أيام الفينيقيين، وتميزت دائما بمتلازمتين هما القداسة والبطولة.
كرم
ختاما، كانت كلمة للمؤلف، شكر فيها من كانوا سندا له في إتمام هذا المشروع، وتحدث عن الكتاب الذي تضمن 23 فصلا، بدءا من السيطرة الرومانية مرورا بالحضارات المتعاقبة وانتهاء بعهد الاستقلال، بالإضافة إلى عشرات الوثائق ومئات الصور.
ورأى أنه حافظ من خلال كتابه على تاريخ منطقة، عمر الموارنة فيها مئات السنين، تشبثوا بأرضهم ودافعوا عنها حتى تبقى منارة للعلم والكرم والنخوة والرجولة.
تكريم
وجرى تكريم شربل داغر وتحدثت نيلى ابي نادر وقالت:”مغامر لا يحده خوف. مناضل لا تتعبه خيبة. مقاوم لا تكسره شراسة الأيام. حمل الكلمة ومضى… سلاحه الاحتراف والاشتغال على الذات. تعلم على نفسه أكثر مما حصل في المؤسسات التربوية والاكاديمية التي انتسب اليها. خاض بمفرده أشرس المعارك الفكرية، وتحمل ما يكفي من معاناة أزهرت في ما بعد كتبا لم تكن في الحسبان.
شربل داغر، صاحب فكر متقد انتهج النقد سبيلا، والتجديد أسلوبا، والكشف عن المنسي هدفا. أستاذ جامعي انغمس في التواصل البناء مع المتلقين من حوله”.
دورليان
وقال جورج دورليان:عندما طلب مني أن أقدم شربل داغر، لم أتردد لحظة. قبلت المهمة على الفور.
ولكن في ما بعد انتابتني الحيرة عندما باشرت محاولاتي في جمع الأفكار، وتحديد مفاصل النص، ورسم شكل مداخلتي وأسلوبها. شربل داغر، كاتب متنوع المهارات وغزير الإنتاج. لن أعدد عليكم عناوين مؤلفاته ومجالاتها بل أحيلكم إلى ملفه الشخصي لإلقاء نظرة عليه والتأكد من هذا التنوع وهذه الغزارة: من النقد الأدبي والفني ولا سيما الجماليات إلى الترجمة، إلى الشعر والرواية وحتى المسرح، لا يترك شربل داغر مجالا إلا ويخوض غماره. والجدير ملاحظته أنه يتمتع بأسلوب خاص يُظهر عمق ثقافته وغناها، سعة اطلاعه وتعدّد مرجعياته من تاريخ وأدب وفنون تشكيلية وطرائق نقد، ومقاربات اجتماعية وأنتروبولوجية. ومثلما هو غزير في إنتاجه، فهو غزير في عدد الصفحات، غير أن علاقته بالأدب تجسدت في خصوصية لافتة. كان مبدعا وناقدا ومؤرخا في الوقت نفسه. لم يكتف بكتابة الشعر وتأليف الروايات فقط، بل راح يعالج في كتب نظرية إشكاليات الشعر والرواية. من “الشعرية الحديثة” إلى “الخروج من نظام الواحدية التمامية”، شكل النوع الشعري بنصه وقصيدته (المنثورة أو غير المنثورة) موضوعا شد اهتمامه وقلقه الثقافي.
كلمة المكرم
وقال المكرم داغر :”في ما يخصني، لا أحب التكريم، ولأكثر من سبب، منها أنه يجعلني أشعر بأنني قد شخت وشخت، وبأنني بت جاهزا للتوضيب في خانة، في سيرة، في متحف ذاكرة وغيرها.لا أحب في ما يخصني التكريم،إذ يعني بطاقة موت داهم.
انتهيت، منذ سنوات،إلى أن ما يشدني إلى الكتابة حياة، حياة مزيدة. ما يؤجل الموت وما يراكم حيوات في الحياة نفسها. ذلك أنني إذ أكتب أحيا، وإذ أحيا أكتب.هذا ما أعايشه،إذ أدفع الجملة إلى حيث ما خطوت سابقا : إلى اشتهاء كتابات ومعارف، متعددة ومتنوعة، عن فنون وعلوم متباينة.
لعل الحرب صنعت ما أنا عليه، إذ جعلتني ضنينا بالحياة، بما تتيحه، مثل نعمة إنقاذ متجددة، مثل متعة قانية الألوان.
يسكنني الموت، لدرجة أنه يفاجئني بحضوره الملح في شعري الأخير. أهو الشبح الذي يقترب مني ؟ لا أظن ذلك، إذ إنني لما سأغيب، لن أكون هنا لكي أكتب عني متحسرا أمام الموت. ما خطر على بالي هو أنني أعايش، في حديثي عن الموت، مقادير الحياة التي عشتُها، والتي ما كان لي أن أعيشها بفعل المخاوف والتهديدات التي رافقتني في الحرب نفسها… إنها صحوة من خرج سالما من موت محيق… بعد أن عايش واقعا، وتخيلا، وانفعالا، ما هو عليه إذ يقترب من الموت.
وطنية