مع اكتشاف سركوما كابوسي (ورم خبيث ينشأ في النسيج العام) البعيد النظر، كتب اسمه في تاريخ الطب. لكن هذا كان واحدًا من الإنجازات العديدة التي حقّقها أخصائي الأمراض الجلدية والتناسلية، الذي قام في نهاية القرن التاسع عشر بالتدريس وإجراء البحوث في جامعة فيينا.
تشخيص مفاجئ هزّ عالم الطب في العام 1981. ففي مجلة “The Lancet” المرموقة، تحدّث أطباء في الولايات المتحدة عن نوع من السرطان النادر اكتشفوه لدى ثمانية مرضى من الشباب في نيويورك اسمه سركوما كابوسي Kaposi. لم يكن المرض جديدًا على الإطلاق، بل معروفًا منذ أن وصفه لأول مرة عام 1872 الطبيب موريس كابوسي. لكن الدمامل السوداء المائلة إلى الزرقة، الدامية وشبه اللّويحية، والتي انتشرت على أجسام الرجال المثليين، إختلفت من ناحية إصابتها الجلد والأغشية المخاطية والأعضاء ونموها الجامح اختلافًا شديدًا عن أشكال سير المرض غيرالخطيرة التي كانت معروفة حتى الآن. فقد صادف الأطباء شكلاً من أشكال سركوما كابوسي بالغة العدوانية، هي من أخصّ مظاهرالإيدز وباتت تعرف منذ ذلك الحين تحديدًا بمرض الإيدز. وفجأة بات اسم الطبيب الذي كان أوّل من عاين الأورام الوعائية قبل ذلك بأكثر من 100 عام على كل شفة ولسان.
سركوما كابوسي
في عام 1872، وصف الطبيب موريس كابوسي (1837-1902) ورمًا خبيثًا في الأوعية الدموية اكتسب بعد قرن من الزمن شهرة محزنة، يعرف اليوم بالإيدز. أطلق كابوسي على هذا المرض المجهول “سركوما الجلد الصِّبغيّة المتعددة مجهولة السبب”، ونشر نتيجة الفحص السريري والتغيرات المرَضية في الأنسجة على أساس خمس حالات في مجلة متخصصة ألمانية. في وقت لاحق، استبدل مصطلح سركوما صبغية بسركوما نزفية، وسرعان ما أصبح اسمه رمزًا. لم يكن كابوسي يدري، يوم اكتشافه المرض ما هو معروف في الطب اليوم: أنه
بالإضافة إلى الصيغة “التقليدية” التي تظهر بصورة متقطعة متباعدة في سركوما كابوسي وتصيب في الأساس رجالا من أصول أوروبية شرقية وجنوبية على عتبة الخمسين، هنالك أشكال أخرى من سركوما كابوسي الهجومية المرتبطة بالإيدز.
من المؤكد أن كابوسي، وهو طبيب أمراض جلدية نمساوي من أصل مجري يهودي اسمه في الأساس موريس كوهن، كان سيبتهج، على الرغم من هذا الحدث المأساوي الذي أصاب الجمهور بعد وفاته. معاصرون له وصفوه بأنه طموح بقدر ما هو موهوب. كانت حقوقه الشخصية من منشوراته العلمية التي بلغت – خلال حياته، 150 أطروحة والعديد من الكتب التعليمية الابتدائية، – مهمة للغاية بالنسبة له. وهكذا علّل أيضًا تغيير اسمه في سن الرابعة والثلاثين، إذ لم يشأ الخلط بينه وبين العديد من حملة اسم كوهين في الطب بالعاصمة فيينا، الذي كان شائعًا في ذلك الوقت. كما لعب دورًا أيضا زواجه من مرتا فون هيبرا، ابنة رئيسه، لذلك اعتنق المسيحية. وتذكيرا بوطنه الأصلي الهنغاري كابوشفار، اختار اسم كابوسي.
في كابوشفار وُلد في 23 أكتوبر 1837 لوالدين فقيرين عملا كل ما في استطاعتهما لتزويد أطفالهما بتعليم جيد. هناك أكمل كابوسي المدرسة الابتدائية اليهودية وأول سنوات المدرسة الثانوية. في عام 1856 بدأ دراسة الطب في فيينا، حيث نال الدكتوراه بعد خمس سنوات. من 1862 إلى 1867 كان طبيبا مساعدا في قسم الأمراض الجلدية، برئاسة والد زوجته الشهير فرديناند فون هيبرا. في فيينا حصل على إجازة التدريس في الجامعة عام 1866 بأطروحة عن مرض الزهري. وكان اهتمامه منصبًّا على بحث التغيرات المرَضية في الأنسجة ذات الصلة بالأمراض الجلدية والتناسلية. وبصفته أستاذًا في جامعة فيينا، حيث برع كمحاضر، وبعد وفاة هيبرا كرئيس لعيادة الأمراض الجلدية، أرسى علم الأمراض الجلدية والزهرية كليا على أساس التشريح المرَضي. بالإضافة إلى سركوما كابوسي، عمل من بين أمور أخرى، على تطوير تشريح الذأب الحُمامي Lupus erythematosus وكان أول من سبق عصره في وصف التجلّيات العامة لهذا المرض المناعي الذاتي.
عندما توفي كابوسي 1902 عن عمر يناهز 64 عامًا بعد سكتين دماغيتين، انتهت المرحلة الزاهرة لعلم الأمراض الجلدية في فيينا لفترة طويلة.أمّا اسم الطبيب فلا يزال حيًّا من خلال سركوما كابوسي. كذلك فإن أرفع وسام تقديري لجمعية الأمراض الجلدية المجرية وشارع في فيينا، يحملان اسمه. وقد يكون كابوسي أراد ذلك.
د.ايلي مخول