كتب بسام أبو زيد في نداء الوطن
ليست موقعة الكحالة بين مسلحين من «حزب الله» من جهة والأهالي من جهةٍ ثانيةٍ سوى دليلٍ جديدٍ على أنّه لا وجود للدولة اللبنانية، أو أن هذه الدولة عاجزة عن أيّ تحركٍ أو خطوةٍ أو تدبيرٍ في وجه قوى الأمر الواقع، لا بل إن هناك من في هذه الدولة وخارجها يتزلّف لهذه القوى لعلّه يحظى برضاها فتكرمه بمنصبٍ من هنا أو منصبٍ من هناك.
ما كان لافتاً في موقعة الكحالة أنّ الدولة بدت وكأنها طرف محايد لا علاقة لها بما يجري، وبرز «حزب الله» من خلال بياناته وتصريحات مسؤوليه وكأنّه هو الدولة التي تعرّضت لما سمّاه اعتداءً وأنّ المحاسبة يجب أن تطال أهل الكحالة وألا تطال أي عنصر من عناصره فهم يتمتّعون بشرعية نقل السلاح واستخدامه أكثر ممّا لدى القوى المسلّحة الرسمية من شرعيةٍ حتى أنّ الحزب سمّى الأمور بأسمائها فيما امتنعت السلطة عن ذلك وكأنّها تريد مراعاة خصوصية «حزب الله» ضاربةً عرض الحائط بخصوصية أهل الكحالة.
إنّ ما جرى في الكحالة يؤكد استحالة أن يستعيد لبنان عافيته وأن يصبح دولةً فعليةً، فما يراد للبنان حالياً من قبل محور الممانعة ألّا يبقى أي وجود للدولة حتى ولو كان شكلياً، كما يراد للبنان أن يبقى ساحةً تقرع فيها طبول الحرب والموت وأن يطغى خطاب الكراهية تجاه أبناء الوطن الآخرين على أي خطابٍ يدعو للاستقرار والازدهار والسلام والانفتاح. وهنا ألا يلاحظ اللبنانيون أن لا حديث ولا خطاب ولا إنجاز عند قوى الأمر الواقع في لبنان إلّا وله علاقة بالحرب والسلاح؟ ألا يلاحظ اللبنانيون أنّ حلفاء «حزب الله» وفي مقدّمهم من هم في «التيار الوطني الحر» تعرّضوا للشتم والتهديد والوعيد عندما أبدوا تعاطفاً مع أبناء الكحالة؟ وهل يعتقد هؤلاء فعلاً أنّ الكراهية تلك هي بنت ساعتها؟
إنّ ما جرى في الكحالة وما سبقها في العاقبية وغيرها من المناطق وما يمكن أن يجري لا ينتهي بانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة، فالمشكلة هي في بقاء لبنان ككيان وهوية وتحديداً بقاء المسيحيين في هذا البلد، علماً أنّ البعض من المسيحيين يحاول تسخيف الحفاظ على وجودهم وربطه بمنصبٍ من هنا ومنصبٍ من هناك وبطولات وهمية لا تؤدّي إلى تغيير الواقع الذي جعل الوطن والمواطنين رهينة ووضعهم أمام خياراتٍ ثلاث فإمّا الخنوع وإمّا الهجرة وإمّا الإنخراط في حرب أهلية.