الكنيسة هي حياة في الروح القدس، قوية بروح القداسة تحيا للمسيح وبه وله. غنية بمخلصها، وهي لا تستعير قوة ولغة غنىَ العالم؛ لأن لغتها لغة الخلاص والتقديس. فمن دون الكنيسة يستحيل التعرف على المسيح الحقيقي، لذا من يرفض الكنيسة ليست له فرصة حقيقية للاتحاد بالمسيح.
نعم قد يتعرف على مسيح قصصي؛ لكنه لا يعرف مسيح الكنيسة القادر على كل شيء؛ الألف والياء؛ رسول اعترافنا؛ خبز الحياة؛ الراعي الصالح؛ وبكر الراقدين؛ رئيس كهنة الخيرات العتيدة؛ رب الكل؛ كوكب الصبح المنير؛ رئيس الايمان ومكمِّله.
من خلال نظرة ظواهرية (فينومنيولوچية) φαινομενολογια وتاريخية في آن واحد؛ نرى الكنيسة حاملة بشارة الخلاص المفرحة؛ طاهرة طهارة الحمل؛ مشرقة كجيش بألوية لأجل رأسها؛ الذﻱ جعلها مُشِعّة بجمال قديسيها وإعلانها نور الأمم كسفينة نجاة تجمع شعب الله؛ خميرة ونور وملح العالم، وشبكة تجمع وتضم للحياة الأبدية، مع جماعة المفديين المخلَّصين الذين اجتازوا بحر هذا العالم.
لذلك الكنيسة لا تكرز بالمؤسسات الاجتماعية والتربوية والأخلاقية؛ بل بتجديدها الباطني السرﻱ الذﻱ يتم أولاً بقبول الخلاص الأبدﻱ؛ ثم بعد ذلك تخرج إلى العالم لتكرز وتبشر بالذﻱ أتى ووُلد وصُلب وقام وخلصنا.. ففيه وبه تعيش الكنيسة كل لحظات عبادتها وصلواتها تحت مظلة خلاصه الثمين.
الكنيسة هي مجال نشاط عمل الروح القدس، الذﻱ يُحييها ويحقق وحدتها.. فالحياة الممتلئة بالروح القدس تخدم تاريخ الفداء الذﻱ هو زمان الكنيسة، أﻱ جسد المسيح الممتد والمستعلن في الزمان والمكان وفي الأعضاء : جماعة القديسين الأتقياء الأبرار الساكنين في عروس المسيح؛ غصن غرس الله؛ مدينة وبناء وفلاحة ميراث الله، أمنا الكنيسة وأم كل حي، أورشليم السمائية المدينة المقدسة كنيسة الأبكار المكتوبين في السماء أصحاب النصيب المشتهىَ في البيت الروحي المدينة الإلهية غير المهجورة.
الآن نحن نسعىَ ونعمل ونجاهد لنمو الكنيسة؛ لتكميل ملكوت المسيح على الأرض؛ حتى يأتي المسيح.. فالسعي والجهاد من أجل الكنيسة، إنما يكون بمقتضى قانون الملكوت عينه، فلا بيع ولا شراء ولا نفوذ ولا مادية ولا استئساد ولا سيادة على الأنصبة؛ ولا ربح قبيح ولا احتيال؛ لأن الكنيسة محكومة بطابع الملكوت وسيرتها تخطها بأعمالها وأقوالها وواقعها المكتوب في السموات، فهي تحيا طابعًا ملكوتيًا في تعليمها وكرازتها وخدمتها؛ كمملكة الملكوت (فاسيليا) Βασιλιά تمهيدًا للآتي عند استعلان الأبدية.
فملكوت الله الذﻱ نعايشه الآن هو بعينه الكنيسة ليس أكلا وشربًا ومنتجعات وأنشطة اغرائية تصب في هوي العالم وشهواته ؛ بل بر وسلام وفرح في الروح القدس، ليس كلامًا؛ بل قوة وشركة ميراث القديسين في النور.
مملكة الكنيسة عملها في البشارة والتعليم والتلمذة لجميع الامم، والثبات في الرب بعزم القلب، عملها المجاهرة بالرب والشهادة لكلمة نعمته، وافتقاد الأخوة في كل مدينة، والمناداة بكلمة الرب من أجل الحصاد الوفير؛ بعيدًا عن زعزعة الأذهان وتزييف الأقوال، وبعيدًا عن خداع الأوهام الخاصة بأي روح أو كلمات أو أحلام أو هلوسات ورؤيً مزيفة، قد تنشأ من الإدعاء والإفتعال؛ مع التوصية بإتّباع التعليم المستقيم وتجنب السلوك بلا ترتيب.
امتاز عمل الكنيسة بالحضور الدائم للروح القدس الرب المحيي، بصورة فعالة ومعجزية للقوات غير المعتادة، التي أتت وجرت على أيدﻱ الرسل القديسين في شفاء النفوس والأجساد وإخراج الأرواح الشريرة، وسقوط الحركات الشيطانية المتمردة؛ بإنفتاح الأبواب للإيمان بالمسيح عن سعة واقتدار وسلطان وشهادة علانية، لتنمو وتتقويَ كلمة الله بشدة، ويتعظم اسم الرب يسوع.
لذلك سعت الكنيسة أن تتنقىَ وتتوب وتبتعد عن المخاصمات والمحاسدات والتحزبات والمذمّات والمنمّات والتكبرات والتشويشات وكل الأمور المذلة للنفوس (٢ كو ١٢ : ٢٠)؛ رافضة للاكتناز والتسلط وكل ربح قبيح سواء كان ماديًا أو معنويًا .
عدو الخير يحارب مملكة الكنيسة؛ ويجُول يزأر بمعقولاته الشريرة ليهدم الخدمة بأفعال الذاتية والأنانية والاحتيال والارتزاق والبهرجة والمكيدة والخداع والإغراء والتعالي والوهم الكاذب الذﻱ للفَعَلة الكذبة الماكرين الذين يغيرون شكلهم إلى شبه رسل المسيح (٢ كو ١١ : ١٣).
لقد بكى المسيح على أورشليم وعلى كل أورشليم، وهي تقترب من الهلاك قائلاً لها (إنكِ لو علمتِ أنتِ أيضًا؛ حتى في يومِكِ هذا، وما هو لسلامِكِ؛ ولكن الآن قد أُخفي عن عينيكِ؛ لأنك لم تعرفي زمان أفتقادِكِ).
وهو لازال يتحدث وينادﻱ تاريخيًا عن ظواهر موجودة وممتدة ليس في حالة أو حادثة فردية بعينها؛ لكنه يكلمنا اليوم نحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهور كي نحذر من تحويل ملكوت الكنيسة إلى مؤسسة زمنية، مختلفة عن قصد تأسيسها ومسيرتها.. فنبيع ونشترﻱ بين جدرانها، أو نعتبرها ملكوتنا نحن؛ ونسيِّرها حسب قوانين طرق مجريات فكرنا الشخصي، أو أن نتخذ لأنفسنا سلوكًا يحولها نحو ما يحقق أهدافنا ومقاصدنا ومناصبنا، معتقدين أن كنيسة الله الحي قائمة علينا؛ وبدوننا ستقف لا محالة، فنتصرف حسب هوانا وكما يحلو لنا، بينما مسيحنا ينبهنا على مدي الدهور قائلاً لجميع الناس (بيتي بيت صلاة يدعىَ وأنتم جعلتموه).
بقلم القمص أثناسيوس چورچ