يطلب المسيح من كنيسته أن تخدم العالم بإمكانيات خدامها المحدودة القاصرة، ليضع هو إمكانيات الروح القدس غير المحدود؛ التي انسكبت في الكنيسة يوم الخمسين، وصارت عنصرة دائمة البركة، ولا زالت تجرﻱ منها أنهار ماء حي.
فالأفواه الفاغرة لكلمة الله؛ والبطون الخاوية؛ والقلوب الفاترة؛ والرُّكَب المخلَّعة والأيدﻱ المرتخية، كلها تتطلع إلى الكنيسة اليوم؛ عَلَّها تأتي وتملأها بالروح القدس الذﻱ فيها، وبهذا يتمجد الله.
إنه يرفع رأسه ويتطلع إلى احتياجات كنيسته؛ يتحنن على الجموع ليسد أعوازهم الجسدية حتى يهتموا بطلب ملكوت الله، ويقتنوا الفهم الروحي؛ ويحصلوا على خبز الخلود. وهو يعطينا الدرس أن لا نحسب احتياجات خدمتنا بالإمكانيات البشرية المحددة فقط، حتى لا نُحبَط بقِلَّتها وشُحّها، لكن نأتي بها عنده وإليه؛ ليتمجد في قليلها وكثيرها، بل يفيض بالفائض حتى يكفينا ويزيد، كيلاً جيدًا ملبدًا مهزوزًا فائضًا.
نلتقط الطاقات والإمكانيات؛ ونستثمرها لمجد الله؛ مهما كانت معدومة وبسيطة أو حتى مجهولة، وهى ستأتى من حيث لا ندرﻱ من صاحبة الفَلسَيْن؛ ومن الغلام المجهول (يو ٦ : ٩)؛ ومن الذين عندهم تقدمات بسيطة في قيمتها المادية، لأن في هذه تحديدًا سيعمل هو، ويسدّ بعمله الإلهى القدير كل عجز ونقص. إنه لا يحتقر العطايا القليلة؛ بل ويبارك حفنة الدقيق وكور الزيت الذﻱ للأرملة، وكأس الماء البارد لن يُنسَى عنده.
مسيحنا يأمر كهنته وخدامه وطغمات كنيسته ومؤسساتها (أعطوهم أنتم ليأكلوا)، كي لا نتركهم ينصرفوا فارغين خائرين؛ بل نُشبعهم بالروح وفي الجسد، لأنه ما المنفعة إن صرفناهم بسلام ليستدفئوا ويشبعوا؛ بينما لم نعطِهم حاجاتهم؟! إنه أمر إلهي (أعطوهم) وهو يعرف مسبقًا أنه لا يوجد عندنا، لكنه سيرسل ويبارك ليفيض. لذلك نحن لا نخدم بإمكاناتنا البشرية؛ لكننا به لن نرجع فارغين؛ بل محمَّلين بالبركات المشبِعة والاستجابة التي تملأ ١٢سلة شاهدة للثالوث القدوس في كل العالم.
هذا درس إلهي لكل من له خدمة في الكنيسة، كى لا نحسب شيئًا بحساباتنا الخاصة في حدود إيماننا الشكلي المحدود، لأنه يطلب منا لا إيمانًا هزيلاً كلاميًا ميتًا، لكن إيمانًا يحطم حسابات الأرقام في كل خدمة مستقيمة. إيمان المستحيل الفائض؛ السخيّ في التوزيع والحياة الأفضل، الذﻱ نجد فيه شبع السرور ونِعَم يمين المجد.
قبل أن نجمع الكسر لا بُد أن نكون قد آمنّا باحترام الإمكانيات الضعيفة والمواهب الصغيرة، ولا نفرط في الموارد والوزنات، لأن الرب سيُمسك بها ويباركها بيديه الطاهرتين. فلا نقارن إمكانياتنا بأرصدة إيماننا؛ حتى تمتلئ مخازن الله السرية في مشاريع البر للفقراء والأيتام والأرامل، وتصير المعادلة الإيمانية أن خمسة أرغفة فقط مضروبة في بركة ربنا = خمسة آلاف + اثني عشر قفة مملوءة.
فلنجمع الناس إذن؛ وننظم احتياجاتهم ونرتبها ونقسمهم فِرَقًا فِرَقًا ومجموعات مجموعات، ونضع خدمتنا في يد الرب؛ ليحوِّل المحدود فيها إلى اللامحدود، والقليل إلى الكثير الفائض بلا حدود. إنها معادلات إلهية تتحول فيها المجاعة إلى شبع وامتلاء وشكر وتوزيع؛ للوصول إلى ملء المسيح الذﻱ من ملئه نأخذ نحن نعمة فوق نعمة.
هذه صورة جمالية لعمل عطاء الله وبركته العظمى، التي تحثنا على جمع الكسر الفاضلة، لكى لا نبدد ولا نضيِّع ولا نُتلف شيئًا من العطايا. مدققين في التوزيع لكي لا يضيع منها شيء أو يُهدَر؛ فلم يفضَّل المكثِّر، والمقلِّل لم ينقُص.
لذلك علينا أن نجمع الكِسَر بحرص؛ من أجل تنفيذ الوصية بكلماتها وحروفها؛ لأننا إنْ فعلنا هذا بأمانة؛ سيرسل الله لنا خبزه؛ بدلاً من خبز الهموم والشقاء والجوع الذﻱ لا تعد خبزاته بالأرقام؛ لكن بالزيادة والقوة المحيية.