يرفد من شلال اليمونة، يهدر نزولاً في سهلي شليفا ودير الأحمر ليستكين في الكْنَيسة. نهر المْسيل كان ليروي عطش السهل الممتدّ بمحاذاة تلك القرى، غربي مدينة بعلبك، لو قُدّر له أن يجري من غير أن تصبّ فيه مياه الصرف الصحي لمدينة الشمس وجوارها. المياه الآسنة تتجمّع في محطة إيعات لتكرير مياه الصرف الصحي إنّما يُعاد توزيعها ملوّثة غير صالحة للريّ، وفق النتائج التي سنوردها تباعاً. سكوت الأهالي بلغ خواتيمه. حرص السكان على صحّة أطفالهم وسلامة مزروعاتهم عجّل من تحرّكهم بعد أكثر من ثلاث سنوات من المعاناة.
مدرسة بجوار “المجارير”
افتتحت مدرسة سيّدة البرج لراهبات العائلة المقدّسة أبوابها، مطلع هذا العام الدراسي، لاستقبال نحو 500 تلميذ من القرى المجاورة لدير الأحمر. لكنّها لم تكن تعلم أن النهر الموبوء سيكون جارها. المديرة الأمّ يولاند البيسري، أطلعت “النهار” على حجم معاناة التلامذة يومياً من روائح كريهة وحشرات غريبة لم يروا مثيلاً لها من قبل، تمنعهم من فتح النوافذ والتمتّع بالفرصة في الملعب. وتؤكد الأمّ الرئيسة “أنها تقدّمت بشكوى إلى كلّ من مجلس الإنماء والإعمار والوزراء المعنيين ومحافظ بعلبك-الهرمل بشير خضر ورؤساء البلديات، ولم تلقَ ردّاً شافياً”. وتمنّت أن تُحلّ المسألة قبل موعد تجمّع الأهالي والتلامذة أمام المدرسة للتظاهر عند الساعة العاشرة من يوم غد الثلثاء.
فحوصات غير مطابقة
رئيس اتحاد بلديات دير الأحمر المهندس ميلاد العاقوري، أكّد لـ”النهار” “أنه تمّ إجراء تحاليل لعيّنات من المياه الداخلة والخارجة من محطة التكرير، وأتت النتائج غير مطابقة للشروط البيئية والصحيّة”. حتى الآن لم تتوقّف اتصالات العاقوري بمجلس الإنماء والإعمار والوزارات المعنيّة. تخفيف الدفق الخارج من المحطة إلى حين تصحيح الأعطال في المحطة، كان مطلباً موقّتاً لعاقوري “غير أنّه لا رادع لتحرّك الأهالي الذين ضاقوا ذرعاً بالجوّ غير الصحيّ الذي يحيط بمنطقتهم”.
محطّة تكرير أو تجميع؟
إلى المهندس الموكل من مجلس الإنماء والإعمار إدارة ملفّ تشغيل محطة تكرير مياه الصرف الصحي في إيعات، شربل بو عبس، توجّهت “النهار” بالسؤال عن صلاحية محطة التكرير فعلمت منه “أن التكرير المفترض أن يمرّ في ثلاث مراحل، يصل إلى المرحلة الثانية فقط، في محطة إيعات كما في باقي محطات التكرير في لبنان”. وفي حين يشير بو عبس أنه على مؤسسة مياه البقاع استلام مهمّة الإشراف على المحطة، فإن طاقمها وجهوزيته لا يسمحان بالأمر حالياً. كما أن الآلات المهترئة التي تشغّل المحطة “تعمل بالحدّ الأدنى وتتطلب الصيانة والتغيير بعد 12 عاماً من بدء عملها”. ويؤكد بو عبس “أن توقّف المشغّل الوحيد المتبقي في المحطة سيفضي إلى كارثة بيئيّة يُعمل على استدراكها”. فيما يُنتظر وصول القطع البديلة بعد شهرٍ من الآن بحسب وعود “شركة البنيان للإعمار” المتعهّدة تشغيل المحطة.
بدوره أفاد السيّد جورج الفخري “النهار”، أنه قام بجولة من وزارة الطاقة والمياه في المحطة ومحيطها، و”أنه يمتلك الصور والمستندات الوافية التي تثبت أن العمل في المحطة شبه متوقّف وأن التجوال بداخلها يظهر حجم التلوّث والروائح التي لا تحتمل”. وبالنسبة إلى فخري، فإن “العمل جارٍ على تغيير مجرى نهر المْسيل لإبعاده عن المنطقة وليصبّ في نهر الليطاني”.
ادحضوا الشائعات
لا يُعتمد على أحاديث شهود عيان حول وصول شاحنات تحت جنح الظلام تحمل مستوعبات من المياه الآسنة حيث تفرغغ حمولتها في مجرى النهر. لا تأكيد لشائعات خلوّ المحطة من الاختصاصيين ما دام المهندس بو عبس يؤكد وجود طاقم العمل كاملاً لدى كشفه على المحطة. لا إمكان لإثبات تحاليل المراقبين عن تعمّد الشركة المشغّلة للمحطة إيقاف التشغيل فيها لفترات استراحة. لا مشكلة في التشكيك في نتائج الفحوصات المخبريّة عن مختبرات تلّ عمارة، التابعة لمصلحة الأبحاث العلميّة الزراعيّة، وإعادة إجرائها. لكن لا تتركوا سهلاً خصباً ينمو بفضل مياه المجارير ولا تسمحوا للتلامذة أن يتنشّقوا هواء مسموماً. في التأجيل وقت ضائع. وقد لا يكون أمام السكان سوى إقفال مجرى النهر وتحويله بعيداً من سهلهم.
ايلده الغصين / النهار