لا تنشغلوا عن ميلاد المسيح الفصحي.. فقد قتل هيرودس الأطفال جميعًا.. اصطفّ الأطفال للذبح، استُشهدوا من أجل الملك المولود وهم بعد رُضَّع وأعضاؤهم لينة وغضة، لكنهم لم يستسلموا من أجل عظيم القوات. مضى المسيح المولود إلى مصر لكي تأتي معه.. بينما دم ذكي كريم دخل إلى العُرس عوضًا عنه. صوت سُمع في الرامة، نَوْح وعويل، وصوت في السماء بالمجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة.
المسيح الملك البتول الكلي الطهارة ابن العذراء مريم الدائمة البتولية، دَعَا له أخصاء بتوليين؛ وسلم أمه البتول على عود الصليب ليوحنا الحبيب البتول؛ لكي يصوِّروا قتله وذبحه الخلاصي من أجل خلاص العالم كله. قدم له الأحباء هداياهم وأنفسهم، تألموا من أجله لأنهم استحقوا مجاورة ميلاده وتدبيره.. حملوا دمهم ودخلوا قدامه للتقدمة، دخلوا بشهاداتهم غير هيَّابين؛ وقدموا عذاباتهم ومُرّ آلامهم ليخبروا بأن الملك الذبيح قد أتى ووُلد من أجل فداء العالم كله.
استراحوا على سرير الأجيال بعد أن أتوا من ضيقات عظيمة ولم يرتبكوا؛ لكنهم احتملوا العذاب والذبح كمقيدين ومذنبين؛ لكن كلمة الله لا تُقيَّد.. فتحوا طريق الآلام ومهدوه، وقد أكمله رئيس خلاصنا الذي ختم عليه بذبيحته الكفّارية قائلاً (قد أُكمِل). وها دماء الشهداء الأبرياء لم تخجل بشهادة ربنا المولود، ولم تستحِ بظهوره المحيي الذي به أبطل الموت وأنار الحياة والخلود، وسيُحيي أيضًا معه الذين ماتوا ليملكوا في الأمجاد.. لقد اجتهدوا ليقيموا أنفسهم مزكّين لله بصلاتهم وقرابينهم ونيّتهم ودمائهم.. تبعوا التعليم والسيرة والقصد والشهادة بالتقوى والجهاد الحسن.
إن ذبح أطفال عيد ميلادك يارب تقدمة طاهرة أمامك، تقدمة بريئة لك يا من تجسدت لنراك مُكللاً بالمجد والكرامة من أجل ألم الموت الذي ذقته لأجل كل أحد، وقد لاق بك وأنت رب الكل أن تأتي بأبناء كثيرين إلى المجد، وأن تكمل خلاصنا بالآلام الشافية المحيية.. لذلك ندعوك أن تضبط السلام لأولاد بيعتك المتمسكة بك؛ ليحل سلامك في زواياها وأركانها، تفرّق أعداءها وتشفي أوجاعها وتضمد الجراح وتعزي النفوس وتكمل الضعفاء وتسند المرتعشين مداويًا الجميع، أما الذين قتلوا شهداءك واستباحوهم نثق أنك ستجازيهم ضيقًا وخزيًا؛ معطيًا إياهم النقمة والعقاب الأبدي.
فلنترك عنا إذن البكاء من أجل ذبح الأطفال؛ لأن الملك المولود سيمسح كل دمعة من عيوننا، فقد وُلد ليكون فرحًا عظيمًا لجميع الشعب، وليبدد الظلام والعتمة والدخان وينير الكون كله.. فكل ما سقط في هذه الطبيعة سيُقيمه، وكل ما قُيِّد سيحله ويحييه وسيحرر كل مرفوض ومرذول، ويفك عبودية الشر والخوف والخطية؛ ليعيده إلى مقامه الملوكي.. لا تحزنوا من أجل الذين ذُبحوا؛ لأن دماءهم لا تذهب عبثًا؛ بل تحمل معها بذار تقوية وكرازية ستطهر العالم من العقيدة الميتة المتحجرة، هذه الدماء التي سُفكت ستتعانق مع دماء أطفال بيت لحم ومع دماء مارمرقس والبابا بطرس وكل شهدائنا المعاصرين، وستصير جميعها ضريبة تحوِّل العالم إلى الله.. وأيضًا الأحياءلم ينشغلوا عن ميلادك؛ بل اكتظت بهم كنائس مصر ليلة عيدك ليكونوا شهداء بالنيّة (مؤمنوك احسبهم مع شهدائك)، ولتكون كنيسة مصر موسومة بالدم والشهادة في يوم ميلادك أيها المخلص.
لقد وُلدتَ لتمنحنا نحن الميلاد والوجود، فلا نمضي إلى التراب فيما بعد؛ بل تأخذنا إلى السماء مع كل الذين غسَّلوا ثيابهم وبيّضوها بدم الحمل؛ وبكلمة شهادتهم ولم يحبوا حياتهم حتى الموت..لقد وُلدتَ في وسط روث المذود لكي ترقينا وترفعنا من المزبلة وتنزع الخزي عن جبين كل واحد منا،
فتسترد الكل وتصالحهم بميلادك الفصحي.. الحَمَل الحقيقي وسط الحملان ورئيس الرعاة وسط الرعاة؛ وملك الملوك وسط المجوس الملوك، يسجدون له ويقدمون هداياهم ذهب مُلكه ولُبان كهنوته ومُرّ آلامه.. ونحن فيه غالبون إذ أن بشارته وميلاده المعجزي الفريد صارا بداية للتاريخ؛ تقودنا إليه النجوم والهدايا والتسبيح وحضرة الملائكة والسجود والفرح والبخور. ففيه تصير لنا الغلبة نحن المُجرَّبون لأجله؛ إذ انتقلت لنا نحن أيضًا بالتمام قوة ميلاده العجيب.
لقد تقوَّينا وغلبنا بسبب خلاصه وعنايته بنا، فقد ربحنا به وفيه كل خيرات كاملة، وها كنيستنا المجيدة في مصر التي رجحت كفة شهدائها تقدم لك صلواتها وأصوامها وشهادتها وشهدائها في كل عيد ميلاد؛ كأثمار طيبة ولذيذة ؛وكقرابين وذبائح لائقة مع ذبائح تسبحة كيهك والميلاد؛ مرنمة (قلبي ولساني يسبحان الثالوث القدوس)؛ طالبين الرحمة والمعونة والغفران.
إن شعبك وبيعتك في مصر يقدمون لك ذبيحة الإرادة المخلوطة بالظلم والتحقير والافتراء؛ مُماتة كل النهار؛ محسوبة ذبيحة من أجل خاطر اللوغوس، تتمثل بآلامه وتكرِّم دمه الثمين المسفوك لأجلها؛ وتقدم لك في عيدك أعشاب الفصح المرة؛ مع مر ولبان وذهب الهدايا؛ ثابتة بقوتك ضد هجمات إبليس وأعوانه، فلن يصيبها ضرر؛ لأنها شريكة كأس مسيحك؛ بعد أن خلصتنا وارتفعت على الصليب؛ ورفعت كل ما يُعيق شركتنا معك. وارتفعت بالقيامة فهدمت القبر، وارتفعت بالصليب لكي تجمع شتات البشر في ملكوت أبيك.
يا وحيد الجنس أحد الثالوث القدوس إن تجسدك ليس مجرد تاريخ ولا أحداث وشروحات؛ بل هو المحبة المتجسدة التي قهرتْ الموت والفساد وتخطتْ الزمان والمكان والحدود، وجمعت المتفرقين
والمُقسَّمين إلى واحد.. المجد لك يا محب البشر يا عَلَم الخلاص وراية الحياة.