مع إطلاق موقع «فوكس» الأسبوع الماضي، بدأت تتكرّس لدى خبراء الميديا ثقة بأنّ العالم يتجه صوب شكل جديد من الصحافة، قوامه البعد الإلكتروني، وإمكانيّة الاستفادة من التفاعل الكبير عليه.
يأتي «فوكس» استكمالاً لمسيرة بدأت قبل سنوات، في إنشاء مواقع/ صحف عدّة تصدر إلكترونياً فقط، بعضها نجح، وبعضها فشل فشلاً مدويّاً. من أولى تلك التجارب كان مشروع «ذا هافنغتن بوست» (2005)، مروراً بصحيفة «بوليتيكو» (2007)، وصولاً إلى تطبيق «ذا دايلي» الخاص بالكومبيوتر اللوحي (2011)، الذي أطلقه روبرت موردخ ثمّ تخلّى عنه سريعاً. وتبلغ التجربة ذروتها مع إطلاق «فوكس»، وقبله مجلّة «ذا إنترسبت» قبل أسابيع، كنواة لمشروع «فيرست لوك ميديا» الخاص ببيار أورميديار.
ولعلّ سياسة ناشري تلك المواقع ومسيّريها تعتمد على «ما يفي بالغرض»، فهم يركزون على التطور النوعي لشبكة الانترنت، لبناء صحافة جديدة. لهذا، تدّعي كلّ صحيفة إلكترونيّة جديدة، أنّها ستحاول تقديم منظور جديد للأخبار. وهنا تكمن الصبغة التنافسية التي يحاول أبطالُها، لا سيما الشباب منهم، خوض تحديّات كبيرة تدور بمراقبة حذرة من المموّلين، والجهات الراعية.
لا يختلف موقع «فوكس» بشكله وتصميمه ونوعية الأخبار المعروضة فيه، عن المواقع التي سبقته. لكن الاهتمام الكبير به، يأتي من هوية مؤسسه: إزرا كلاين، شاب في التاسعة والعشرين، يُوصَف بالطفل المعجزة. هو صحافي جريء ومدوّن وكاتب عمود (سابقاً) في صحيفة «ذا واشنطن بوست» العريقة. كان التحدي الأكبر لـكلاين أن يظهر في مواجهة منافس عنيد له هو نات سيلفر، شاب آخر في الخامسة والثلاثين، صحافي ومدوّن عمل مع «نيويورك تايمز»، أنشأ في العام 2008، مدوّن «فايف ثيرتي آيت». هذا التنافس بين الشابين أدّى إلى ترك كلاين عمله في «ذا واشنطن بوست» بحثاً عن مجال أكبر، ما خلق جدالاً طويلاً في أروقة الصحيفة عن أسباب سماحها له بالمغادرة، لا سيما وأنه كاتب متميز ويثير كثيراً من التفاعل مع عموده.
لكن من الواضح أنّ صحيفة بحجم وقيمة «ذا واشنطن بوست» قد أُسقط في يد أصحاب الأمر فيها، وسمحوا لكلاين بالرحيل، مع مليسا بيل، كاتبة عمود في قسم الموضة، ليبدآ مغامرتهما بإشراف من مؤسسة «فوكس ميديا»، وموقع «ذا فرج». اتخذ الموقع الجديد لنفسه شعاراً هو «افهموا الأخبار»، وبدأ بإثارة غضب المحافظين عندما كتب كلاين مقالته الأولى: «كيف تجعلنا السياسة أغبياء». لكن مع اعتبار البعض للموقع كأداة بروباغاندا يسارية، والبدء بطرح أسئلة من نوع «أي تأثير سيتركه مهنياً وايديولوجياً»، فإن الموقع، حسب كلام مليسا بيل، معنيّ أساساً بتقديم الأخبار الأحدث، لا الأكثر أهمية. وحول الشعار تقول إنهم لا يفترضون أن القارئ/المتصفح لا يفهم الأخبار، وإنما هم معنيون بإرضاء الهوس والانشغال بمتابعة المعلومات الجديدة.
أما رد فعل «ذا واشنطن بوست؟، فكان نوعاً من اللامبالاة المقصودة، حيث قال رئيس تحريرها مارتي بارون: «لا يمكن لجميع هذه المشاريع (يقصد «فوكس») أن تنجح، ولن تكون «الخبطة» المنتظرة. توظيف مجموعة من الأشخاص هو الجزء السهل من العمل، وهو لا يكفي. سيكون هناك إزرا كلاين آخر في «ذا واشنطن بوست». المفارقة هنا، أن مارتي بارون نفسه، قام بتوظيف 30 موظفاً جديداً لدعم اتجاه الصحيفة للنشر الرقمي، في محاولة لمواكبة المتغيرات المتسارعة في المهنة.
فادي الطويل / السفير