عقد بطاركة الكنائس الشرقية اجتماعاً في الديمان أمس، بدعوة من البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، شارك فيه: كاثوليكوس الأرمن الأرثوذكس آرام الأول، بطريرك الروم الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحّام، بطريرك الروم الأرثوذكس يوحنا العاشر، بطريرك السريان الكاثوليك اغناطيوس يوسف الثالث يونان، بطريرك السريان الأرثوذكس إغناطيوس أفرام الثاني، بطريرك الأرمن الكاثوليك نرسيس بدروس التاسع عشر، المعاون البطريركي للكلدان المطران شليمون وردوني ممثّلاً بطريرك الكلدان لويس روفائيل الأول ساكو، وأصدروا بياناً – نداء تلاه رئيس اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام المطران بولس مطر، وفيه أن البطاركة “هالَهُم ما يَجرِي في المنطقة من أحداث خطيرة لا سابق لها، ومن صراعاتٍ وحروبٍ بين الأخوة في العراق وسوريا، ومن تنامٍ للتطرّف الديني الذي يستهدف النسيج المجتمعي ووحدته في بلداننا، ومن بروز تنظيمات أصولية تكفيرية تهدم وتقتل وتهجّر وتنتهك حرمة الكنائس وتحرق تراثها والمخطوطات (…)”.
العراق وسوريا
وأسهب البيان في شرح ظروف المسيحيين وخصوصاً في العراق وسوريا، معتبرين أن”طرد كلّ المسيحيِّين من مدينة المُوصِل وكلّ البلدات في سهل نينوى ليس مُجرَّد حادث طارئ يُدَوَّن في مجريات الحروب والنِّزاعات، وليس نُزُوحًا طوعيًّا بلْ هُو ناجِمٌ عن قرارٍ اتّخذه بحقِّهِم تنظيم “داعش” وفصائل جهادية أخرى، أرغمهم على الرَّحيلِ عن دِيارِهِم بسبب انتمائهم الديني”.
وأضاف: “حِيالَ هذه النَّكسةِ الخطيرةِ، نُعرِبُ عن الإدانة والرفض الشديدين لِطرد أبنائنا المسيحيين من مدينة المُوصِل العزيزة، ومن بلدات سهل نينوى وقراه. وإنَّنا نَدقُّ ناقوسَ الخطرِ مطالبين بأن يكونَ هذا الشَّجبُ عامًّا، بحيث يأتي من جميع المُسلمينَ شركائِنا في المصير ويُؤدِّي إلى اتِّخاذِ مُبادراتٍ من شأنِها تَصحيح هذا المسار المُنحَرِف (…). وممّا زاد الأمرَ خطورةً تشجيعُ بعض الدول الأوروبية على هجرة المسيحيّين من أرضهم تحت شعار حمايتهم من القتل والإرهاب، الأمر الذي نستنكره ونرفضه. فالمطلوب من الأسرة الدولية من خلال مجلس الأمن الدولي أن تتخذ قرارًا حاسمًا يلزم إعادة الأهالي إلى أرضهم، بكلّ الوسائل الممكنة وفي أسرع وقت ممكن.
إنّ الأحداث الدامية في سوريا باتت حرباً عبثية. وهذا ما يرفضه الآباء، ويطالبون المعنيّين والدول التي تقف وراءهم وتمدّهم بالمال والسلاح، بإيقاف هذه الحرب، وإيجاد الحلول السياسية من أجل إحلال سلام عادل وشامل ودائم (…).
منذ سنة وثلاثة أشهر ونيّف، ونحن ننتظر بروحِ رجاءٍ مسيحي عودة أخوينا المطرانين المخطوفين بولس يازجي ويوحنا إبرهيم منذ تاريخ 22 نيسان 2013، ونستغرب اللامبالاة في التعامل مع هذه القضيّة. ونهيب بالجميع في بلداننا المشرقية كما في الغرب، ترجمة أقوالهم إلى عمل نجني منه الإفراج الفوري عنهما.
غزة وعرسال
وكم آلمت الآباء أحداثُ غزّة التي دفع فيها المواطنون الفلسطينيون الثمن الغالي في الأرواح والمنازل والمؤسسات، من جراء القصف الإسرائيلي اللاإنساني. فإنّهم يطالبون بوقف هذا العدوان وانسحاب القوات الإسرائيلية من غزّة وإقرار دولة خاصّة بالفلسطينيين عاصمتها القدس، وانسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلّة في فلسطين وسوريا ولبنان.
أما أحداث عرسال في لبنان فقد آلمت الآباء في العمق بسبب اعتداءات المجموعات الإرهابية الدخيلة، مستغلّة واقع حال البلدة ومخيمات النازحين السوريين، ومعدّة لخطّة إرهابية واسعة النطاق. ويعرب الآباء عن دعمهم الكامل للجيش اللبناني والقوى الأمنية.
تجربة العيش المشترك
إنَّ المُتابِعِين لِمُجرياتِ الأحداثِ في الزَّمن الحاضر، يَرَونَ في التطرُّفِ الدِّينيِّ داءً يُهدِّدُ منطقةَ الشَّرقِ الأوسط بكلِّ مُكَوِّناته، فَيُصبحَ لِزامًا علينا أن نَسعَى جميعًا مُسلمين ومسيحيِّين، وأن نَقُومَ بالمَسَاعِي معًا، لِنَتَفادَى المُضاعفات ونُجنِّبَ منطقتَنا وأبناءَنا الويلات، وذلك بنشر الوَعي في العقول وفي الضَّمائر والدَّعوة إلى التزام أُصُولِ الدِّينِ وجَوهرِهِ (…). وإننا نناشد المرجعيات الاسلامية، السنية والشيعية، إصدار فتاوى رسمية واضحة تُحرّم الاعتداء على المسيحيين وغيرهم من الأبرياء وعلى ممتلكاتهم. كما نطالب مجالس النوّاب في كلّ الدول العربيّة والإسلاميّة باصدار قوانين ترفض بوضوح كل أشكال التكفير ورفض الآخر.
وانطلاقًا من هذا الإيمانِ ومن هذه المبادئ، نُعلِنُ تَضامنَنا غير المحدود مع أبنائنا وإخواننا المُبعَدين عن بيوتهم وأراضيهم وسنبذل كلَّ جُهدٍ مُتاحٍ في سبيل عَودتِهِم إلى دِيارِهِم مُعزَّزين مُكَرَّمين. وإنَّنا نُنَاشِدُ الأسرة الدولية ألاَّ تتخلَّى عن مسؤوليَّاتِها حِيالَ هذا الواقعِ السِّياسيِّ والإنساني والاجتماعي الأليم الَّذي يُعانيه أهلُ الشَّرقِ (…).
تبقى الخطوة الملحّة مساعدة أبنائنا المهجّرين والمنكوبين إثر هذه الاعتداءات.
في ختام هذا البيان – النداء، يعلن بطاركة الكنائس الشرقيّة أنَّ المسيحيّين في بلدان الشرق الأوسط يعانون حالة اضطهاد شديد، وأنَّ المكوِّنات الدينيّة، والقيَم الإيمانية والإنسانية والثقافيّة والأخلاقيّة مهدّدة كلُّها بشكلٍ خطير للغاية وأن التطرّف الإرهابي التكفيري باسم الدين يشكّل خطرًا كبيرًا على المنطقة والعالم.
ولذا يطالبون:
– أولاً، كلَّ المرجعيات الدينية باتّخاذ موقف مشترك واضح وقويّ من هذا الاضطهاد وهذا التهديد.
– ثانيًا، جامعة الدول العربية ومؤتمر التعاون الإسلامي والأمم المتّحدة ومجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية والأسرة الدولية بالقيام بعمل إنقاذيّ فوري فاعل وقويّ.
– ثالثاً، جميع الدول والجهات التي تموِّل بطريقة مباشرة وغير مباشرة بالمال والسلاح التنظيمات الأصوليّة والتكفيريّة والإرهابية، التوقّف عن هذا التمويل وهذا الدعم”.