عقدت ندوة صحفية في المركز الكاثوليكي للإعلام، بدعوة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام بعنوان “الأسبوع البيبلي الثاني : العائلة في الكتاب المقدّس“، من سلسلة الندوات التي تقام لهذه المناسبة ونذكر ايضاً بأنه يبدأ من 16 إلى 22 تشرين الثاني 2014، ويحتفل بصلاة الافتتاح الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الكلي الطوبى السبت 15 تشرين الثاني الساعة الحادية عشرة صباحاً في بكركي، من 17-21 تشرين الثاني محاضرات بيبليّة، وقداس الختام مع العمل الرعوي الجامعي السبت 22 تشرين الثاني الساعة الرابعة والنصف بعد الظهر في مدرسة راهبات سيدة الرسل – نيو روضة والدعوة عامة.
ترأس الندوة رئيس اساقفة بيروت ورئيس اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام المطران بولس مطر، وشارك فيها: متروبوليت بيروت وجبيل للروم الكاثوليك، نائب رئيس الهيئة التنفيذية لمجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك المطران كيرلس بسترس، أمين عام المدارس الكاثوليكيّة في لبنان، الأب بطرس عازار، ومستشار الترجمة في إتحاد جمعيات الكتاب المقدٍّس، القس د. عيسى دياب، وحضور أمين عام جمعية الكتاب المقدس، الدكتور ميشال باسوس وعدد كبير من أعضاء الجمعية المذكورة والإعلاميين والمهتمين.
رحب المطران مطر بالحضور وقال:
“يشرفنا ويسعدنا للاسبوع الثاني على التوالي أن نستقبل في المركز الكاثوليكي للإعلام أعلاماً ومتخصصين في الكتاب المقدّس الذي منه كل حياة. وكما قلنا في الأسبوع الماضي خلال انعقاد “السينودس من أجل الشرق الأوسط” تأكدت لنا جميعاً حاجة ملحة لنشر الكتاب المقدس في كل بيت، وهكذا صار، وفي مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك أخذنا قراراً بأن يخصص كل سنة أسبوع لعرض الكتاب المقدس للمؤمنين جميعاً وللمستمعين والمشاهدين لنتعمق به ينبوع حياة لنا جميعاً.”
ثم كانت مداخلة المطران كيرلس سليم بسترس عن دور الأبرشيّات في تعزيز الكتاب المقدّس في حياة العائلات جاء فيها:
“نقرأ في الإرشاد الرسوليّ “الكنيسة في الشرق الأوسط: شركة وشهادة” ما يلي: “العائلة مُؤَسَّسةٌ إلهيِّة مبنيّة على الزّواج كما أراده الخالق نفسُه (راجع تك2، 18-24؛ مت 19، 5)، إنَّ العائلةَ معرَّضةٌ اليوم لمخاطر عديدة. والعائلةُ المسيحيِّةُ على وجه الخصوص تواجه، أكثر من أيّ وقت مضى، مسألةَ هُويّتها العميقة. وبالفعل فإنَّ الميزتين الأساسِيَّتين للزواج المُقَدَّس- الوحدة وعدم الانحلال (الدّيمومة) (راجع متى 6:19)- والنَّموذج المسيحيّ للعائلة والحياة الجنسيّة والحبّ، هي في يومنا الحاضر موضعُ جدل أو عدمُ فهم من قبل بعض المؤمنين. هناك محاولة لتَبنّي نماذج متعارضة مع الإنجيل، تقودها ثقافةٌ معاصرةٌ منتشرة في مختلف أنحاء العالم. إنَّ الحبَّ الزّوجيّ يدخل في العهد النّهائيّ بين الله وشعبه، المختوم كاملاً بذبيحة الصَّليب. طابعه في عطاء الذّات المتبادل للآخر حتّى الاستشهاد، كما يظهر في بعض كنائس الشَّرق، حيث يقبل كلُّ واحد من الخطيبين الآخرَ “كإكليل” خلال رتبة الزّواج المسماة أيضاً “رتبة الإكليل”. ليس الحبُّ الزّوجيّ عمل لحظة وقتيّة بل المشروعُ الصَّبور لحياة بأكملها. إنَّ العائلة المسيحيّة، من خلال دعوتها لعيش الحبّ في المسيح يوميًّا، هي أداة مفضّلة لحضور الكنيسة ورسالتها في العالم. وبهذا المعنى، فهي تحتاج إلى المرافقة الرَّعَويّة، وإلى المساندة في مشاكلها وصعوباتها، لا سيَّما حيثما تميل المعايير الاجتماعيّة والعائليّة والدّينيّة إلى الضّعف أو الضَّياع (رقم 58) .
تابع “هذه المرافقة الرعويّة تقع أوّلاً على عاتق الكهنة. يقول المجمع الفاتيكاني الثاني: “إنه لمن إختصاص الكهنة، الذين اطلعوا اطلاعًا وافيًا على الشؤون العائلية، أن يعضدوا دعوة الأزواج في حياتهم الزوجية والعيلية بمختلف الوسائل الرعوية، بالتبشير بكلام الله، وبالعبادة الطقسية أو بسائر المعونات الروحية. عليهم أن يقوّوهم بلطف وصبر في صعوباتهم، وأن يشدّدوا عزائمهم بمحبةٍ حتى يُنشِئوا عائلاتٍ يشعّ حقاً منها النور” (الكنيسة في عالم اليوم، 52).”
أضاف: “هذه المرافقة الرعويّة لا بدّ لها أن تستند إلى الكتاب المقدّس الذي تجد فيه العائلة المسيحيّة غذاءها الروحيّ والجواب عن كلّ ما يعترضها في سبيل تتميم قصد الله فيها. هذا ما يؤكّده الإرشاد الرسوليّ، فيقول: “أدعوك أيتها العائلات المسيحيّة في الشَّرق الأوسط إلى أن تتجدّدي دومًا بقوِّةِ كلمة الله والأسرار، لتكوني أكثرَ فأكثر الكنيسةَ البيتيّة، الَّتي تُربِّي على الإيمان والصَّلاة، ومشتلَ الدّعوات، والمدرسةَ الطَّبيعيِّةَ للفضائلِ والقيم الأخلاقيّة، والخليِّةَ الحيّةَ والأولى للمجتمع. تأمّلي على الدّوام عائلة النَّاصرة التي كان لها فرحُ استقبال الحياة والتّعبير عن تقواها من خلال حفظ الشَّريعة والعبادات الدّينيّة في وقتها (راجع لو2: 22 – 24، 41). أنظري إلى هذه العائلة التي عاشت أيضًا محنةَ ضياع يسوع الطّفل، وألمَ الاضطهاد، والهجرةَ وقسوة التّعب اليوميّ (راجع مت2: 13+؛ لو2: 41+). ساعدي أبناءَكِ على النُّمو في الحكمة والقامة والنِّعمة تحت نظر الله والبشر (راجع لو2: 52)؛ علّميهم الثّقةَ في الآب والاقتداءَ بالمسيح والاستسلامَ لإرشاد الرّوح القدس” (رقم 59).
وقال “من هذا المنطلق لا بدّ من نشر الكتاب المقدّس بين العائلات. وهذا هو دور الأبرشيّات. هذا ما يقوله أيضًا الإرشاد الرسوليّ: “كي تُصبحَ كلمةُ الله روحَ الحياة المسيحيّة وركيزتَها، يحبَّذ العملُ على نشرِ الكتاب المُقَدَّس وسط العائلات، لأنَّ ذلك سيشجّع على القراءة والتّأمُّل يوميًّا في كلمة الله. ولا بدّ من تطبيق رَعَويّة كتابيّة حقيقية بالطُّرق الملائمة” (رقم 71). عمليًّا يجب أن يكون همّ الأبرشيّات الأوّل نشر كلمة الله، التي عليها يرتكز تعليم الكنيسة، وهو الجواب على النسبويّة التي تنتشر في عصرنا، والتي تقوم على أنّ كلّ واحد يفسّر الحقيقة على هواه وبما يناسب أميالَه ومصالحَه. فيما المسيح وحده هو الطريق والحق والحياة. هو الكلمة المتجسّد. الديانة المسيحيّة ليست ديانة أنظمة وقوانين. إنّها ديانة التجسّد الإلهيّ. “في البدء كان الكلمة … والكلمة صار جسدًا” (يوحنا 1:1، 14). هذا هو التجسّد الأوّل. والإنجيل المقدّس هو التجسّد الثاني، ومنه تستقي العائلة المسيحيّة قيمَها الإنسانيّة والإلهيّة وثباتها بإزاء المخاطر التي تهدّدها في هذا العصر كما في العصور السابقة. “فيسوع المسيح هو هو أمسِ واليومَ وإلى الدهور” (عب 8:13)”
وجاء في مداخلة الأب بطرس عازار الأنطوني بعنوان: كيف تهيئ المدارس الاعداد للحياة العائلية؟
“ان المدرسة والعائلة رفيقتا درب تتعاونان “لتقدما للأجيال الآتية أسباب الحياة والأمل” (… كنيسة في عالم اليوم، 30). صحيح ان “الوالدين هم المسؤولون الأولون عن تربية أولادهم” (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 2223)، ولكن الصحيح أيضاً هو ان “المدرسة تساعدهم بوجه أفضل على الاطلاع بمهمتهم بصفة كونهم مربين مسيحيين” (التعليم المسيحي… 2229). ومن هذا المنطلق يبان لنا أهمية التضامن والتعاون في تحمل المسؤولية الخطيرة والسامية للتنشئة على القيم والفضائل وعلى خدمة الخير العام.”
تابع “ولتحقيق كل ذلك تقوم المدارس، الواعية لدورها والملتزمة برسالتها، باعطاء المثل للتلامذة من خلال تأسيس أسرة تربوية تتميز بالالتزام الإيماني والاجتماعي وبالشفافية والتجرّد والتضحية والعمل المشترك لتكون مثالاً أمامهم ولتزودهم بالمناعة والصلابة لتستمر عائلاتهم على هذه الروحانية في مواجهة التحديات الكثيرة التي تتعرض لها اليوم. والكنيسة اليوم تعدّ للاحتفال بمرور 50 سنة على اصدار المجمع الفاتيكاني الثاني وثيقة تربوية مهمة بعنوان: بيان في التربية المسيحية.”
وقال “مهمة إذن مساعدة المدرسة للأهلين وللعائلة في القيام بخدمة الأولاد وهم الوزنة أو الأمانة التي تسلموها من الله، وتتسلمها منهم المدرسة لتعيدها لهم وزنات أكثر بهاء ونضوجاً وعطاء وانتاجية على كل صعيد. وهذا لن يتحقق إلا من خلال بعض توصيات مؤتمرات مجلس البطاركة ومؤتمرات مدارسنا الكاثوليكية.”
وأشار الأب عازار “إلى مسألة مهمة وهي مسألة الالتزام الروحي والديني. من هنا تسعى المدرسة مع العائلات، لتعدّ تلامذتها إلى التجاوب مع دعوة الله لهم، أكان في الحياة الكهنوتية أم في الحياة المكرسة أم في الحياة الزوجية، بالإضافة إلى تنشئتهم لخوض ميدان العمل وتحمل المسؤوليات، وقبول بعضهم البعض واحترام إختلافاتهم المتنوعة.”
أضاف “في هذا المجال يظهر دور المدرسة كبيراً لأنها تتحمّل مسؤولية مميّزة وكبيرة في مساعدة تلامذتها على أن يكونوا شهوداً للإيمان في كل مكان يذهبون إليه، وبخاصة عند تأسيس عائلاتهم. يقول البعض إن شبيبتنا اليوم تعاني أزمة إيمان، ولكن المبادرات الروحية التي تقوم بها المدارس ودور التعليم لتنشئة التلامذة على معرفة الله وعلى الصلاة وأعمال البرّ والمحبة وعلى خدمة المجتمع وعلى الالتزام بمؤسسة الزواج، هي مبادرات تحصنهم وتحميهم، ومن الواجب إلا تبقى ضمن جدران المدرسة بل يجب العمل على نقلها إلى العائلة وإلى المجتمع.”
تابع “وفي ختام هذه المداخلة يهمني التأكيد على ان المدرسة لا تقوم مقام العائلة. فالعائلة هي المرجع وهي الأساس والمدرسة هي في خدمتها لتتعاون معها وتعزز الانفتاح على الجميع وتحاشي، كما يقول البابا فرنسيس في “فرح الانجيل” “ان ننغلق على ذواتنا في هيكليات حماية وهمية خاطئة، في أنظمة تحولنا إلى قضاة عديمي الرحمة، في عوائدَ نشعر من خلالها بالطمأنينة، بينما يضجّ الخارج بجموع جائعة، ويسوع يردد بدون انقطاع: “اعطوهم أنتم ليأكلوا”.”
وفي الختام قال “أملي ان تبقى المدرسة والعائلة في تعاون دائم، لكي يقدما خبز الحياة لتلامذتنا وأولادنا ليسدوا به جوعهم إلى المطلق وإلى القيم الإيمانية والأخلاقية، وفي ذلك شهادة صادقة عن الإيمان الذي “ينوّر المعرفة التدريجية التي يتلقاها التلامذة عن العالم والحياة والإنسان، ليصبحوا، وبفضل تمرسهم بحياة مثالية رسولية، ضمير خلاص للبشرية (بيان في التربية المسيحية 8).
واختتمت الندوة بمداخلة القس د. عيسى دياب عن “الله المربي والعائلة على مثاله” جاء فيها:
“من الصُّوَر الإلهية التي تستحق التأمل، والتي نركز عليها اليوم، هي صورة الله في إطار عائلي. لقد قدم بعض الإنبياء الله أحيانًا بصورة الأب، وأحيانًا بصورة الأم، وأحيانًا أخرى بصورة الزوج لشعبه. هنا نرى الله في عائلة. يؤمن المسيحيون بأن الله الواحد الأحد ثالوث إلهي، إله واحد في ثلاثة أقانيم: الآب والابن والروح القدس، وهذه عائلة إلهية في إطار التوحيد.”
تابع “الكتاب المقدس يُبرز لنا الله بصفات عائلية، فهو المربي الصالح، والأب القائد والأم المعطاء. وتقوم تربيته على أسس ثابتة. فهو يعمل بموجب منهاج والمواد والظروف والتوقيت كلها محددة بدقة في هذا المنهاج. يستخدم أسلوب التأديب المحبي وليس الغضبي أو الانتقامي أو الكيدي، ذلك عندما يُصر الإنسان على اقتراف الشرور والابتعاد عنه، فشرورهم هي تضربهم . لكن أسلوبه التربوي البارز هو المحبة كما يرسمها الكتاب المقدس: العطاء والتضحية والالتزام دون مقابل إلا خير المحبوب. ”
أضاف “الله الزوج” تعهدنا بمحبته على الرغم من شرورنا. والتجسد صورة من صُوَر هذا “الزواج”. هو الآن يعمل علينا بأسلوبه التربوي لكي يوحدنا إلى ذاته وهذه هي الحياة الأبدية.”
وقال “أما الله الأب (والأم)، الذي، خلقنا وجعلنا أبناءه، وبعد أن منحنا نِعَمَه كلها ينتظر منا حمل رسالته في العالم. فنحن شعبه نجسد حضوره في العالم. فنحن قلبه الذي يترأف على الضعيف، وعينه التي تراقب الاحتياجات، ويداه اللتان تمتدان إلى الحزين، ورجلاه اللتان تسيران في طريق السلام والحرية والمساواة وحقوق الإنسان. فنحن عائلته وأهل بيته. وعلينا أن نعيش البعد الإلهي في حياتنا العائلية.”
وختم بالقول “ليست العائلة فقط هي العائلة، فالكنيسة عائلة، والجماعة الرسولة عائلة، والدير عائلة، والمدرسة عائلة، وهذه العائلات كلها مدعوة لتعيش الحب الإلهي في العائلة.”