بمناسبة زيارة ذخائر القديس يوحنا بولس الثاني إلى لبنان عقدت ظهر أمس ندوة صحفية في المركز الكاثوليكي للإعلام، بدعوة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام، حول “ القديس يوحنا بولس الثاني” روحانيته، علاقته بلبنان ودوره في تفعيل الحوار بين الأديان.
ترأس الندوة رئيس اساقفة بيروت واللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام المطران بولس مطر، وشارك فيها الرئيس الإقليمي للآباء اللعازريين في الشرق الأب زياد الحداد، الأمينين العامين للجنة الوطنية الإسلامية المسيحية للحوارالأمير حارس شهاب والدكتور محمد السمّاك، ومدير المركز الكاثوليكي للإعلام الخوري عبده أبو كسم، وحضور الآباء نعوم عطالله، جوزف شدياق وفادي ضو، والإعلاميين والمهتمين.
المطران مطر
رحب المطران بولس مطر بالحضور وقال: “يهمنا في هذه المناسبة أن نذكر جميع اللبنانيين بما هم يذكرونه أي محبة البابا يوحنا بولس الثاني إلى لبنان الذي ساعد لبنان على الأرض عندما كان بابا الكنيسة الكاثوليكية والذي يشفع فيه اليوم من السماء حيث يطل علينا قديساً في الكنيسة الكاثوليكية.”
تابع “لي ذكريات خاصة معه شهراً قبل وصوله إلى لبنان، قال لي يا بني “إنني أتٍ إلى لبنان من أجل كرامته وسيادته ولست آتياً كعابر سبيل، بل انطلق من روما إلى بيروت وأعود من بيروت إلى روما أي أني أقصدكم وأعرب عن محبتي لكم.” وهو الذي قال كلمة تاريخية في هذا الوطن “لبنان هو أكثر من وطن، أكثر من بلد أنه “رسالة”، رسالة في العيش المشترك السوي بين المسلمين والمسيحيين، ورسالة للغرب الأوروبي والاميركي مثلما هو رسالة للشرق العربي والإسلامي أي انه رسالة عالميّة.”
أضاف سيادته “هذا البابا الذي حمل إنجيل المسيح مدة 25 سنة كحبر أعظم في روما وإذ ذكرنا أننا اليوم على مسافة خمسين سنة من المجمع الفاتيكاني الثاني أدركنا أنه حمل هذا المجمع على مدة 25 سنة إذ نقل الإنجيل إلى كل أصقاع الأرض وهدم الأسوار التي كانت تقوم بوجه التقدّم الإنساني والذي كان يتمثل بالشيوعية العالمية التي سخّرت الإنسان في سبيل نظامها وأفقدته حريته فقال “البشر كلهم أحرار والبشر كلهم إخوة”، وأطلق الحوار بين المسيحية والإسلام، أطلق الحوار بين الأديان واهل الأديان جميعاً، أطلق سلسلة لقاءات في أسيزي بين رؤساء الأديان في العالم بأسره، وقال لهم : “نحن أسرة واحدة لنا إله واحد نعبده جميعاً”.
وختم بالقول: “هذا القديس نستقبل ذخائره اليوم بفرح عظيم وفي ظروف صعبة علينا نطلب شفاعته ونعمةً نسألها من لدن ربه الذي وصل إليه والذي يشاهده المشاهدة الغبطوية نسأله شفاعة للبنان وإن الله يسمع شفاعة قديسيه وبخاصة يوحنا بولس الثاني العظيم.”
محمد السمّاك
ثم تحدث الدكتور محمد السمّاك عن البابا يوحنا بولس الثاني وعلاقته بالمسلمين فقال: أولاً بعد صدور مقررات المجمع الفاتيكاني الثاني كان البابا يوحنا بولس الثاني بعد بولس السادس أول من يخاطب المسلمين بالأخوة، ردّدها مراراً في الفلبين وفي المغرب؛كان أول بابا يوقّع رسالة المعايدة للمسلمين بمناسبة عيد الفطر وعيد الأضحى. وهذا العام أحيا البابا فرنسيس تقليد البابا يوحنا بولس الثاني ووقّع رسالة المعايدة؛ كان أول بابا يدعو قادة دينيين مسلمين الى مؤتمر عام للأديان برعايته في أسيزي 1986. وكانت المشاركة الاسلامية في المؤتمر الخطوة العملية الأولى في مسيرة حوار اسلامي مع الفاتيكان لا تزال مستمرة حتى اليوم .“
تابع: “كان أول بابا يوافق على بناء مسجد ومركز اسلامي في روما؛ كان أول بابا يصلي في مسجد (المسجد الأموي بدمشق) أمام ضريح يوحنا المعمدان أو النبي يحيى كما يسميه المسلمون؛ كان أول بابا يدعو مسلمين الى سينودس، سينودس لبنان 1995؛ كان أول بابا يقرر عدم تقديم المشروب – النبيذ – على مائدته احتراماً لمشاعر المسلمين مقدماً الماء وعصير البرتقال؛ كان أول بابا يدعو المسيحيين الشرقيين الى مشاركة المسلمين في صوم يوم من أيام شهر رمضان، وكان الهدف من دعوته، التأكيد على الحياة المشتركة وعلى الإيمان المشترك بالله الواحد؛ كان أول بابا يدعو مسلمين للصلاة من أجل نجاح السينودس، حدث ذلك اثناء انعقاد السينودس حول لبنان”.
تابع ” صحيح ان القداسة شأن مسيحي خاص، ولكن أقل ما يمكن التعبير عنه عربياً وفاءً له هو احترام حقوق مسيحيي الشرق الدينية والوطنية. ليس فقط استجابة لمساعي البابا القديس، وليس فقط استجابة لحقوقهم كمواطنين، ولكن إضافة الى هذا وذاك ، التزاماً بما يقول به الاسلام نفسه. وما يقول به الاسلام يتناقض مع ما تعرض وما يتعرض له مسيحيو الشرق من عذابات تؤلم البابا الراحل كما تؤلم كل واحد منا . بل وتسيء الى كل واحد منا ز:”
وختم بالقول “وأقل ما يمكن التعبير عنه لبنانياً من وفاء له هو الارتقاء بالسلوك اللبناني الى مستوى الرسالة التي وصفه بها. وهو المستوى الذي، ومع الأسف الشديد، لا يزال يستعصي على كثير من المشتغلين في السياسة الارتقاء اليه. فهل تنفع القداسة حيث لم تكفِ البابوية وحدها في تحقيق معجزة هذا الارتقاء ؟.. سيما وأننا على قاب قوسين أو أدنى من انتخاب الرئيس المسيحي الوحيد من شرق آسيا حتى غرب افريقيا ؟.. نأمل ذلك.”
حارس شهاب
ثم كانت كلمة الأمير حارس شهاب فقال: خلال مدّة حبريته لم يترك يوحنا بولس الثاني فرصةً إلاَّ وذكّر فيها بوجوب إيجاد حلٍّ لأزماتنا ومعضلاتنا. ففي أول رسالةٍ له في اليوم التالي لانتخابه وجهها الى العالم في ١٧ تشرين الأول ١٩٧٨ تحدث عن أرض لبنان الحبيبة وشعبه الذي طلب له السلام في الحرية.”
تابع “حمل لبنان في قلبه وطاف به في كل رحلاته واسفاره وخصوصاً من على منابر الأمم المتحدة وتغنّى بطابعه التعددي مطالباً القيادات السياسية التي تُمثل نسيج مجتمعه المتعدد أن تعمل في سبيل وحدة وطنها باحترام حقوق كل مواطن وكل المكونات الدينية والإجتماعية والثقافية للبلاد، مؤكداً حرصه على هذه التعددية وهي سمةٌ فريدة لهوية لبنان راجياً أن تكون نموذجاً ومثالا ليس لمنطقة الشرق الأوسط بل للعالم كله.”
أضاف “والقديس يوحنا كان يرغب دائماً بزيارة لبنان، وقد رأى في لبنان وجهاً متميزاً لا بلداً فحسب بل رسالة حضارية اليوم وغداً التقت فيها الثقافات والأديان المختلفة وتعايشت، ويحتاجها الشرق الأوسط لا بل العالم بأسره أكثر من أي وقت مضى في زمن كثُر فيه الحديث عن صراع الحضارات المُدمّر.”
تابع “استشعر قديسنا بالخطر يتهدد الصيغة، فعبّر عن شعوره برسائل ونداءات متكررة لعل أكثرها تأثيراً تلك التي وجهها الى جميع المسلمين عام ١٩٨٩ يحثهم فيها على بذل جهودهم لأنقاذ لبنان من محنته وهي أول رسالة من بابا الى المسلمين بعد تلك التي وجهها البابا لاوون الثالث الى الخليفة هارون الرشيد قبل حوالي ١٢٠٠ سنة.”
أضاف “رفض العنف حلاً للمشاكل وغلّب الحوار بالمحبة فاعتمده نهجاً معززاً بذلك توجّهات المجمع الفاتيكاني الثاني، فكثُرت اللقاءات مع المرجعيات الدينية وخصوصاً الإسلامية، وانعقدت المؤتمرات العالمية بوتيرةٍ متصاعدة ومن أهمها سلسلة اللقاءات في أسيزي والتي بدأت خصوصاً عام ١٩٨٦ بمناسبة إعلان هيئة الأمم المتحدة السنة العالمية للسلام، وتمحورت حول الحرب الباردة وحرب لبنان. ومن هذه اللقاءات لقاء العام ٢٠٠٤ والذي حضره ٢٩ مسؤولاً دينياً كبيراً في دول اسلامية.”
تابع :ولتثبيت هذه المبادئ أطلّ البابا القديس على لبنان في مثل هذا الشهر من العام ١٩٩٧ ليودع اللبنانيين إرشاده الرسولي، “رجاء جديد للبنان”، تعزيزاً لإيمانهم ومساعدةً لهم لتخطي أزماتهم، وتتويجاً للسينودس من أجل لبنان المنعقد منذ ١٩٩٥ بدعوةً منه. وقد تجاوبت جميع الطوائف اللبنانية مع دعوته وشاركت في أعمال السينودس كما شاركت في استقباله بحرارةٍ قلّ نظيرها، ممَّا أسهمَ ولا يزال في المصالحة وتنقية الذاكرة وتركيز دعائم لبنان الرسالة.”
وختم بالقول: “قصةُ العلاقة بين لبنان والبابا القديس يوحنا بولس الثاني تتجدّد وتستمرّ، واللبنانيون أصبح عندهم شفيعٌ جديد يحنو عليهم من سمائه، ويرعى مسيرتهم الوفاقية التي نحن بأمسّ الحاجة لها، ولتكن ذخائره بركةً لبلادٍ أحبها وأحبته بكل مكوناتها، ولعلّ أجمل عربون وفاء نقدّمه له يكمن في عملنا الدؤوب للحفاظ على لبنان الرسالة الذي حمله مع صليبه إلى العالم.”
الأب الحداد
وتحدث الأب زياد الحداد عن برنامج زيارة ذخائر البابا يوحنا بولس الثاني للبنان من 16 الى 19 أيار 2014 فقال: “ليست الذخيرة طلسماً أو حجاباً أو عامل سحر يرفع عن حامله المؤذيات أو يجلب له الحظ بصورة تلقائية، وليس تكريم الذخائر عودة إلى الوثنية، بل إنه تكريمٌ لإنسانِ قدّسه الروح القدس وتسبيح للرب من خلاله. ”
أضاف: “ميزة هذه الذخائر أنها كمية صغيرة من الدم السائل للبابا القديس سُحِبَت عشية وفاته. وهذه القارورة التي تجوب العالم تزور لبنان كأوّل محطة بعد إعلان قداسته. ونحن في جمعية الآباء اللعازريين لم نشأ أن تكون المناسبة محطة للتبرّك بالذخائر فقط، بل أردنا أن تكون محطة تذكّر وتفكرّ واسترجاع أهمّ المحطات التي عاشها وخبرها يوحنا بولس الثاني، لنتخذ منها هدياً لحياتنا، لذا قرّرنا، أن نحوّل مناسبة استقبال الذخائر، لقاءً متجدداً للحوار وقبول الآخر، ولفهم أعمق لمعنى الألم، وتحويله لمجد الربّ، وكذلك عيش فرح الشباب بلقاء المسيح.”
تابع: “وإننا اليوم ندعو اللبنانيين إلى المشاركة في البرنامج المعدّ، تحت رعاية غبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي ، فيجددوا إيمانهم، ويستمدّوا قوّةً جديدةً، هي قوّة الروح القدس.”
ويتضمن البرنامج المعدّ للذخائر الآتي:
– الجمعة 16 أيار، الساعة 6 مساءً: استقبال الذخائر في كاتدرائية مار جرجس للموارنة، في وسط بيروت، حيث يرأس صلاة المساء راعي أبرشية بيروت للموارنة المطران بولس مطر، ثم ينطلق المؤمنون بمسيرة الشموع والتراتيل إلى ساحة ساسين حيث تُقام محطة استقبال، وتنطلق الجموع إلى بازيليك سيدة الأيقونة العجائبية حيث يرأس مطران اللاتين في لبنان صاحب السيادة بولس دحدح القداس الإلهي.
– السبت 17 أيار، تفتح البازيليك من السابعة صباحاً ولغاية منتصف الليل لإستقبال المؤمنين. والساعة 6 بعد الظهر يقام قداس المرضى أمام مغارة لورد في حديقة البازيليك. وفي هذه المحطة تصلي الكنيسة لكل المرضى والمتألمين، ويترأس القداس الأب اللعازري رمزي جريج.
– الأحد 18 أيار، الساعة 6 يقام لقاء وقداس للشبيبة، نستذكر من خلاله دور الشباب في الكنيسة والذي أكدّه البابا بولس الثاني عندما نظّم الأيام العالمية للشبيبة، يترأس القداس الأب زياد الحداد، وستكون البازيليك مفتوحة للمؤمنين للتبرّك من السابعة صباحاً وحتى منتصف الليل.
– أما يوم الإثنين 19 أيار، اليوم الختامي لزيارة الذخائر فهو مخصص بدعوات شخصية للرسميين من السياسيين والروحيين حيث تنقل الذخائر إلى كنيسة الصرح البطريركي في بكركي ويرأس صاحب الغبطة والنيافة الكردينال مار بشارة بطرس الراعي بطريرك انطاكيا وسائر المشرق للموارنة الصلاة الساعة الرابعة بعد الظهر في حضور طالب دعوة تقديس البابا يوحنا بولس الثاني المونسنيور سلافوميراودر وعدد محدود من المدعوّين.
– وفي الخامسة والنصف يقام لقاء وطني روحي مسيحي إسلامي، وقد تمّ التحضير له بالتنسيق مع اللجنة الوطنية للحوار الإسلامي المسيحي، وبالتعاون مع مؤسسة أديان، دُعيَ إليه رئيس الجمهورية ورئيسا المجلس والحكومة والسادة البطاركة ورؤساء الطوائف المسيحية والإسلامية..”
وأشار الاب الحداد إلى بعض النقاط اللوجستية والتذكير ببعضها الآخر: 1) الذخائر ستكون معروضة يومي السبت والأحد في البازيليك من الساعة السابعة صباحاً حتى منتصف الليل للمؤمنين من المناطق كافة 2) لن يُسمح بدخول السيارات إلى دير الآباء اللعازريين في الأشرفية يومي السبت والأحد للقادمين من المناطق، عليهم توقيف السيارات والباصات في الفوروم دو بيروت، وستكون حافلات بانتظارهم لنقلهم إلى الاحتفالات الكبيرة في الأشرفية وإعادتهم إلى سياراتهم بعد الإنتهاء من القداديس 3) و المشاركة في بكركي يوم الإثنين تقتصر على أصحاب الدعوات الخاصة، مع الاعتذار عن استقبال المؤمنين الذي بإمكانهم متابعة الحدث مباشرة عبر محطات التلفزة.”
الخوري ابو كسم
كلمة الخوري عبده أبو كسم:
“يبقى القديس يوحنا بولس الثاني ظاهرةً فريدة في عصرنا الحالي، فهو طبع الكنيسة الكاثوليكية بطابع البساطة وشدّ الشبيبة إلى حضنها بروح الشباب وعنفوانهم كيف لا وهو الآتٍ من بلدٍ بعيدٍ، كما سّموه، حاملاً معه روح الثورة ضد المظالم، مظالم الشيوعية والنازية، وحوّلها ثورة سلام في وجه العنصرية والحقد والحروب والنزاعات:”
تابع “إنه البابا الأبيض ذو الوجه النيّر، والصوت الهادر الخافت، حمل القضية اللبنانية في قلبه وضميره وفي لقاءاته في المحافل الدوليّة، وأبى إلاّ أن يزور أرضه الطيبة ويقبّل ترابه، وكانت زيارته زيارة بركة، وقعّ خلالها إرشاده الرسوليّ “رجاء جديد للبنان” وأطلق إسماً ملازماً لوطننا لبنان فسمّاه بلد “الرسالة”.”
أضاف: “هي المرة الثانية التي يزور فيها القديس يوحنا بولس الثاني أرض لبنان، زيارة ذخائره هي أيضاً زيارة بركةٍ لأرضنا الطيبة، وهذه المرة سيستقبله أيضاً المسلمون كما المسيحيون، وسيسألون شفاعته لبلد “الرسالة” كما سمّاه، سيسألونه الوحدة بين اللبنانيين في تنوعهم، ويطلبون منه الاستقرار لهذا الوطن، والسلام على أرضه وبين شعبه، وكما ألهم المسؤولين خلال زيارته الأولى إلى لبنان أن يعملوا بجدية لإستقلال هذا الوطن، سيلهمهم اليوم بالتأكيد أن يعملوا من أجل الخروج من محنته السياسية والاقتصادية والاجتماعية.”
وختم بالقول “لا يسعنا إلاّ أن نشكر الأب زياد الحداد الرئيس الإقليمي لجمعية الآباء اللعازريين على اهتمامه بهذه الزيارة، حيث سيلتقي القديسون الأربعة شربل ورفقا والحرديني والبابا يوحنا بولس الثاني والطوباوي الأب يعقوب الذي رفعهم إلى مصاف القديسين، على أرض القداسة، أرض لبنان، فنزداد بركة على بركة.
المركز الكاثوليكي للإعلام