عقدت ندوة صحفية في المركز الكاثوليكي للإعلام، بدعوة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام بمناسبة ختم ملفّ التّحقيق الأبرشيّ في دعوى تقديس خادم الله البطريرك الياس بطرس الحويّك. ترأس الندوة رئيس اساقفة بيروت واللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام المطران بولس مطر، وشارك فيها: راعي ابرشية البترون المارونية والمحقّق في الدعوىالمطران منير خيرالله، النائب البطريركي للشؤون القانونية وطالب الدعوى المطران حنّا علوان، الرئيسة العامة لجمعية راهبات العائلة المقدًسة صاحبة الدعوى الأخت غبريال بو موسى، ومساعدة طالب الدعوى الأخت ماري انطوانيت سعاده، وحضور: الأخت جرمان عبّد، من هيئة المحكمة للتحقيق بالدعوى الأباتي القاضي مارون نصر والمونسنيور المحامي جورج القزي، أمين عام جمعية الكتاب المقدّس الأستاذ مايك بسوس ، وعدد كبير من الرهبنة المذكوة والإعلاميين والمهتمين.
رحب المطران مطر بالحضور وقال:
“إنه يوم مشهود في تاريخ الكنيسة المارونية في هذه المرحلة، نستقبل فيه هذ الجمهور الكبير هنا لإعلام الرأي العام عن مسيرة الدعوى المقدمة من أجل تطويب وتقديس البطريرك مار الياس بطرس الحويك، نرحب بكم أجمل ترحيب ونعرب عن اهتمامنا شكرنا لمن قدّم هذه الدعوى التي تدل على قداسة الكنيسة المارونية ومسيرتها الكبيرة في التاريخ تاريخ الكنيسة والوطن.”
“عندما نتحدث عن البطاركة العظام في التاريخ بصرف النظر عن الأيام الحاضرة لأننا أمام بطريرك عظيم، بطريرك سابق عظيم نتحدث عن يوحنا مارون البطريرك الأول القديس والعمشيتي الذي كان أول من زار روما وحضر مجمعاً مسكونياً والبطريرك اسطفان الدويهي الكبير المؤرخ واللاهوتي والبطريرك الياس الحويك الذي نطلب شفاعته وإلهامه في كل يوم من أيام حياتنا على كل الصعد الكنسي والوطني.”
“كنسياً هو البطريرك القديس الذي اسس جمعية راهبات العائلة المقدّسة بهدف تطوير المجتمع، وطنياً نذكره حاضناً للوطن اللبناني الكبير فوطنه هو وطن الرسالة الذي تحدث عنه قداسة البابا الراحل يوحنا بولس الثاني الذي عبر عن أفكار الحويك. ولذلك نقول إننا أمام بطريرك قديس وملهم، وله على لبنان أفضال كبيرة، هو الذي دافع عن كيان هذا الوطن لا من أجل هذا الوطن وحسب بل ليكون نبراساً وعلماً للمنطقة باسرها.”
وختم بالقول: “يسعدنا أن نستقبلكم أصحاب السيادة، حضرة الأم الرئيسة العامة والأخت المساعدة وكلنا سمع لما ستقولونه لنا وللمؤمنين جميعاً وللشعب اللبناني حول مسار هذه الدعوة التي قدمت في لبنان وانتهى نصف التحضير لها لنقلها إلى روما رسمياً”.
ثم كانت كلمة المطران حنا علوان جاء فيها:
“حالما أعلنت وفات البابا القديس يوحنا بولس في الثاني من نيسان 2005، صرخ المؤمنون المجتمعون في باحة القديس بطرس Santo subito أي قديس في الحال، وهكذا كان، أنه بتفسيح من البابا بندكتوس، سُمح بافتتاح دعوى تطويبه وتقديسه قبل مرور الخمس سنوات القانونية على الوفاة، بل افتتحت الدعوى قبل مرور ثلاثة أشهر على انتقاله، لأنه يقال Vox populi vox Dei أي صوت الشعب صوت الله، ولأن قداسة سيرته كانت ظاهرةً للعيان. عندما ارتفعت روح البطريرك الكبير مار الياس بطرس الحويّك، هتفت قلوب كل أبناء الكنيسة المارونية “قديس في الحال”، ومنذ ذلك الوقت والمؤمنين يعتبرونه قديساً ويسجلون نعماً نالوها بشفاعته، كما دُونت أيضاً أعاجيب مباشرةً بعد وفاته، وبقي صوت الشعب وأمنيته وحلمه أن يراه يوماً مكرماً فوق المذابح، ولم يُتفح له ملف تقديس قبل اليوم، لأسباب عديدة ساهمت بقسم كبير منها الإحداث اللبنانية المؤلمة، عدا الفترة الزمنية القانونية التي كان يجب أن تمر والتي كانت في حينه ثلاثون سنة بعد الوفاة. ”
تابع: “في كل تلك الحقبة من الزمن من سنة 1931 حتى يومنا، وهي حوالي 83 سنة، وبناته راهبات العائلة المقدسة المارونية يعملن على تحضير هذه الدعوى، لأنهن كنّ في قرارة قلوبهن وعمق ونفوسهن يعتبرنه الأب والمؤسس والمرشد القديس. جَمعن مؤلفاته وما كتب عنه وحوله، ورسائله الرعوية والخاصة بهنّ وترجمنها كلها تقريباً، وذلك للإفادة منها كغذاء روحي لنفوسهن أولاً وبالتالي بهدف التحضير لدعوى التقديس هذه. وهنا يجب أن نقر بعرفان جميل كبير، للأخت المرحومة ماري روجيه الزغبي، التي كرست سنين من حياتها لهذا العمل الدءوب، بالترجمة إلى الفرنسية وجمع متروكات المؤسس الفكرية، ولولا عملها هذا لما كنا اليوم هنا، ولكان وجب علينا أن ننتظر سنوات أخر من العمل والتفتيش والترجمة.”
أضاف: “افتتحت هذه الدعوى رسمياً في 5 كانون الأول سنة 2012 بجلسة قانونية، بعدما كانت الرئيسة العامة، حضرة الأم غبريال بو موسى باسم جمعية راهبات العائلة المقدسة المارونيات، قد اتخذت صفة الادعاء لتقديم الدعوى في 10 تشرين الثاني 2010، وتفضلت بتعيننا طالباً للدعوى ونحن بدورنا عينا حضرة الأخت ماري أنطوانيت سعادة مساعدة لطالب الدعوى، والتي وقع عليها القسم الأكبر من الأعمال التحضيرية، بسبب وجودنا آنذاك في روما في الفترة التحضيرية الأولى للدعوى. في 30 تشرين الثاني 2010، وافق غبطة السيد البطريرك مار نصر الله بطرس صفير أن تنقل صلاحية إقامة الدعوى والتحقيق فيها من الأبرشية البطريركية، حيث تمت وفاة رجل الله، إلى أبرشية البترون، حيث ولد في بلدة حلتا وحيث تحفظ رفاته اليوم في دير راهبات العائلة المقدسة في عبرين. بعد ذلك تقدم صاحب السيادة المطران بولس أميل سعادة، من مجمع دعاوى القديسين في روما، بطلب الإذن بافتتاح الدعوى والسماح بنقل الصلاحية إلى أبرشية البترون. بعد حولي السنتين وصل الإذن من روما في 30 أيار 2012، وانطلقت بعده ورشة العمل.”
أردف “عند وصول الإذن الروماني، كان قد تسلم رعاية أبرشية البترون سيادة المطران منير خير الله وتسلم معها ملف الدعوى وكان خير خلف لخير سلف، فاصدر بتاريخ 24 أيلول 2012، قراراً بقبول الدعوى، وفي اليوم التالي، عيّن هيئة المحكمة للتحقيق بالدعوى وقوامها الأباتي مارون نصر محققاً مفوضاً والمونسنيور جورج القزي محامياً عن العدل والخوري إبراهيم اسطفان الخوري مسجلاً. وبالتاريخ عينه عين خبراء لاهوتيين ثلاثة هم سيادة المطران غي بولس نجيم والأب أنطوان الأحمر والخوراسقف أنطوان مخائيل، كما عين أيضا لجنة خبراء في التاريخ والأرشيف، برئاسة حضرة الأب كرم رزق وعضوية الدكتور عصام خليفة والدكتور أنطوان حكيم. وبدعوة قانونية حضر الجميع الجلسة القانونية الأولى التي أقيمت في 5 تشرين الأول 2012، في دير العائلة المقدسة في عبرين، وجرى فيها قبول المهام وحلفان اليمين القانونية من قبل جميع المُعَيَّنين، وانطلقت بعدها جلسات الاستجوابات وجمع البيّنات.”
تابع: “عقدت المحكمة سبعة عشر جلسة استمعت فيها إلى حوالي ثلاثين شاهداً من آباء وكهنة ورهبان وراهبات وعلمانيين من الذي عاشوا خبرة روحية خاصة مع رجل الله، أو الذين اعتادوا على تكريمه أو حصلوا على نعم بشفاعته. بعدما انتهت المحكمة من الاستماع إلى الشهود وتسلّم التقارير اللاهوتية والتاريخية العلمية، أجرت المحكمة كشفاً حسياً على الأماكن التي عاش فيها رجل الله فزارت بيته الأبوي في بلدة حلتا، حيث ولد وترعرع، ثم في الكرسي البطريركي في بكركي وفي الديمان حيث عاش ومات، وفي دير الرئاسة العامة لجمعية راهبات العائلة المقدسة في عبرين حيث يحفظ جسمانه. على أثر هذا الكشف المكاني، أصدر قاضي التحقيق، بتاريخ 18 شباط 2014، قراراً بإعلان انتفاء مظاهر العبادة، وقراراً آخر يعلن فيه اختتام التحقيق، بعدما كان قد صرح طالب الدعوى باكتفائه بما قدم من بيّنات وشهود ووافق على ذلك ايضاً محامي العدل. قبل اختتام الأعمال وأثناء التحقيق كانت قد عينـّت الأخت جوسلين شهوان مترجمة، وبدأت بترجمة أعمال الدعوى، من اللغة العربية إلى الفرنسية، وانتهت بها مع انتهاء التحقيق.”
أضاف: “من اجل ترتيب الملف وتوضيبه لإرساله إلى مجمع دعاوى القديسين في روما، كان من الضروري إعداد أربع نسخ مطابقة للأصل. ومن اجل قانونية العمل، عين سيادة المطران، بتاريخ 20 آذار 2014، الأخت نورا الخوري حنا، ناسخة ومدققة في النسخ، كما عيّن بالتاريخ عينه الخوري بيار طانيوس مسجلاً معاوناً ليشرف هو أيضاً مع المسجل الأساسي والناسخة على صحة الأعمال. وبجلسة قانونية، بتاريخ 24 آذار 2014، قدمت المترجمة النسخة النهائية إلى الهيئة وحلفت اليمن القانونية. وبعد مراجعة الترجمة من قبل القاضي المحقق ومحامي العدل، ضمت إلى أعمال الدعوى، بتاريخ 24 نيسان 2014، وسُلِّم الملف بكامله إلى الناسخة لتقوم بإعداد النسخ الأربع لترسل منها اثنتين إلى الكرسي الرسولي وأخرى مع النص الأصلي إلى كرسي المطرانية في البترون لتحفظ هناك، كما تحفظ النسخة الرابعة في أرشيف الجهة المدعية، أي جمعية راهبات العائلة المقدسة المارنيّات.”
تابع: “عقدت بعد ذلك، بتاريخ 23 أيار 2014 جلسة نهائية لمقابلة النسخ مع النسخة الأصلية ووضعت عليها التواقيع وأختام التصديق والأختام النهائية، وحُضِّر الملف لإرساله إلى الكرسي الرسولي، وبُلِّغ الأمر إلى سيادة مطران الأبرشية، الذي دعا بدوره إلى عقد الجلسة النهائية في دير العائلة المقدسة في عبرين في 22 حزيران الجاري، ليتم فيه حلفان اليمين القانونية من قبل كل الذين اشتركوا في ملف التحقيق، وليختم الملف بالشمع الأحمر ويسلم إلى طالب الدعوى ومساعدته لينقلاه إلى روما. وقد دُعِيَ إلى هذه الحفلة العلنية الأخيرة غبطة البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الراعي الكلي الطوبى، ليمنح بركته الأبوية وليشرف ايضاً على ختم هذه المرحلة الأخيرة التي انتظرها غبطته من سنوات، كما انتظرها كل أبناء كنيستنا المارونية، بل وكل أبناء لبنان، عرفاناً بالجميل لبطريركٍ حمل في قلبه وعقله وقلمه ولسانه وصلاته كنيسته المارونية ووطنه لبنان ورهبانيته التي أسسها لخدمة العائلة التي هي أساس بنيان كل كنيسةٍ ومجتمعٍ ووطن.”
أضاف: “وإنني وفي هذه المرحلة الأخيرة والدقيقة من مسار التحقيق، بصفتي طالب الدعوى وباسم مساعدتي حضرة الأخت ماري أنطوانيت سعادة، أود أن أشكر صاحب السيادة المطران بولس مطر، رئيس أساقفة بيروت المارونية، ورئيس اللجنة الأسقفية للإعلام السامي الاحترام، الذي دعانا إلى هذا الصرح الإعلامي الكاثوليكي الزاهر الذي يرأسه، وأتاح لنا فرصة التوجه إلى الرأي العام بزف هذه البشرى السعيدة إلى المؤمنين.”
تابع” “وإننا إذ نشكر كل وسائل الإعلام المرئية والمسموعة الحاضرة معنا في هذا المؤتمر والتي تتابعنا من بعيد عبر وسائل إعلامية أخرى، على تعاونها ومساهمتها معنا اليوم في حمل هذا الخبر، نتوجه إليها راجين منها التقيد بما سنعلنه ألآن، هنا حفاظاً على حسن سير الدعوى وقانونيتها، كما يلي:
أولاً: يدعى “رجل الله” أو “أمة الله” كل من تقام له دعوى تقديس. يجب أن تمرّ الدعوى بثلاث مراحل مهمة: الأولى يجري فيها التحقيق في أهليته للقداسة من خلال إثبات صيت القداسة عنده وعيشه بطولة الفضائل. تنتهي المرحلة الأولى بإعلانه “مكرم”؛ وفي المرحلة الثانية يجري التحقيق في أعجوبة يقوم بها وتنتهي المرحلة الثانية بإعلانه “طوباوياً”؛ والمرحلة الثالثة تتطلب ايضاً أعجوبة ويعلن في نهايتها “قديساً”. في كل مرحلة من هذه المراحل يجري أولاً التحقيق في الأبرشيّة، ثم يرسل الملف إلى مجمع دعاوى القديسين في روما ليتدارسه المسؤولن ويرفعونه أخيراً إلى الحبر الأعظم، الذي له وحده يعود إعلان ما يقتضي إعلانه بعد دراسته.
نحن اليوم في دعوى رجل الله البطريرك مار الياس الحويك في مرحلة ختم التحقيق في المرحلة الأولى، أي مرحلة التحقيق في صيت القداسة وعيش الفضائل. هذا يعني أننا سنرسل الملف إلى مجمع دعاوى القديسين، الذي له وحده الحق بتقديمه إلى الحبر الأعظم ليعلنه مكرماً، في حال تأكد من أهليته واستيفاء الشروط القانونية، لذلك لا يمكننا اليوم ولا بأي شكل من الأشكال أن نقول بان البطريرك صار أو سيصير طوباوياً أو قديساً، لان ذلك يتعلق بنتائج التحقيق، كل ما يمكن أن نعلن عنه هو أن التحقيق في المرحلة الأولى من الدعوى والذي يدعى “التحقيق الأبرشي” قد انتهى وسيرسل الملف إلى روما، وننتظر حكمها وإعلانه “مكرماً”. ومن بعدها نبدأ المرحلة الثانية ثم الثالثة في حال وجدت أعاجيب للمرحلتين الأخيرتين.
ثانياً: نطلب من جميع المؤمنين في لبنان وفي كل العالم ومن كل المستمعين والمشاهدين الكرام عبر وسائل الإعلام المرئية المسموعة الأرضية والفضائية، أن يرافقوا هذه الدعوى بالصلاة إلى الله لتظهر قداسة أبينا البطريرك الحويّك للمسؤولين في الكنيسة، فيتمجد اسم الرب بقديسيه.
ثالثاً: إنني بهذه المناسبة، ونيابة عن الطرف المدعي في الدعوى، أي جمعية راهبات العائلة المقدسة المارونيات، الممثلة هنا بالرئيسة العامة الأم غبريال ابو موسى، أتقدم بالشكر الجزيل إلى كل الذين عاونونا في إتمام هذا التحقيق الأوّلي، ونخصّ بالذكر سيادة المطران منير خير الله راعي أبرشية البترون الذي قَبِلَ الدعوى وسلفه سيادة المطران إميل بولس سعادة، كما اشكر لجنة التحقيق واللجنة اللاهوتية واللجنة التاريخية والمترجمة والناسخة المدققة والمسجلين وكل الذين ذَكَرتُ أسمائهم أعلاه، وأخص بالذكر والشكر الجزيل العاملات الخفيات وهن جماعة المبتدءات والراهبات في دير العائلة المقدسة في عبرين، اللواتي عملن بصمت ورتّبن الأرشيف وترجمّن وصورّن الملفات وساهمّن بكل الأعمال اليدوية لتصل هذا الدعوى إلى خواتمها هذه المفرحة.
وختم “وأخيراً، وكما عُرف رجل الله البطريرك الحويّك باتكاله على العناية الإلهية، نحن أيضا اليوم وعلى مثاله، نضم نوايانا وصلاتنا معه إلى العناية الإلهية التي ما خيبته أبداً، لكي تظهر وتتم إرادة الله لمجده تعالى ولخير النفوس.”
ثم ألقت كلمة الأخت غبريال بو موسى جاء فيها:
“ليلة عيد الميلاد من سنة 1931، تاريخ وفاة السّعيد الذّكر البطريرك الياس الحويّك، بدأت جمعيّة راهبات العائلة المقدّسة المارونيّات مسيرةً تاريخيّة على ضوء النّور الذي نشرتْهُ سيرةُ حياة مؤسّسِ الجمعيّة.”
تابعت: “عُرف بالبطريرك الكبير ، لكنّه عُرف أيضاً “بالقديس”. منذ ذلك الحين، والجمعيّة تؤمنُ أنّها ستأتي السّاعة التي فيها ستُعلِنُ الكنيسة قداستَه. إنّها لنعمةٌ كبرى، وغنىً روحيّ، لها، للكنيسة، للبلاد وللشعب كلِّه.”
أضافت “وبدأت المسيرة، خمسُ سنواتٍ بعد وفاة الحويّك، بعدما نالت الرّئيسة العامّة آنذاك، الأم جوزفين الحويّك، من البطريرك المارونيّ المثلّث الرّحمات البطريرك أنطون عريضة، الإنعامَ بنقل الجثمان من بكركي إلى دير العائلة في عبرين، وكان ذلك في 12 أيّار 1936، بدأ المؤمنون يَؤُمّون ضريحَه المحفوظ في المعبد للصلاة ونيل النِّعَم.”
قالت “نَقلُ الجثمان، كان حدثاً كبيراً عاشتْه الأخوات بعاطفةِ شكرٍ عميقٍ لله ، خاصّةً بعدما شاهدت وشهِدتْ بأنّ جثمانَ مؤسِّسِها محفوظٌ من البَلى، وكأنّه علامةٌ من العلامات العديدة التي تُشيرُ إلى حياةٍ عاشها على الأرض وعيونُه مرتفعة إلى السّماء، مصلّياً للهِ كلّ صبحٍ ومساء: “إلهي، إرفع قلبي وعقلي، إرفعْ حواسَّي ومشاعري، إرفعْ كيانِي كلَّه إليكَ”.”
تابعت” “طيفُ الحويّك خيّم على مسيرةِ الجمعيّة، فكانت الأخوات، أينما حلّت رحالُهنّ للرّسالة، إنْ في لبنان وسوريا، أو في أوستراليا، ينشرنَ حولهنّ، بين النّاس وفي العائلات، بطريقةٍ عفويّة، الرّوحانيَّة التي تميّز بها اتّكالُه المطلق على الله وعلى عنايتِه الأبويّة، إلتماسُه رضى الرّبّ وبركتَه.، وعلى هذه الرّوحانيّة نشأت راهباتُ العائلة، بناتُ العناية ، بناتُ الحويّك. وعرّفنَ النّاس على هذه الرّوحانيّة وعيشِها.”
تابعت “منذ البدء، عاشتِ الجمعيّة في هذا الجوّ، وقامت بخطواتٍ جَعلَتْها تكتشفُ أكثر فأكثر، بطولةَ ما عاش مؤسّسُها. فالّذين عرفوه وعايشوه، دوّنوا ونشروا سيرةَ هذا البطريرك الذي طبعَ الكنيسة المارونيّة، وتاريخَ المنطقة المشرقيّة بطابعٍ فريدٍ، لم تمْحُهُ لا الأيّام ولا الأحداث. كتبٌ عديدة صدرتْ في حياتِه وبعد مماتِه، سردتْ سيرةَ حياتِه وجمعتْ كلَّ إنجازاتِه.”
أضافت “سنة 1931، صدرتْ “الذخائرُ السنيّة”، وهي مجموعةُ المناشير الرّعائيّة والنّشرات الأبويّة التي وجّهها الحويّك إلى عموم أبناء الطائفة المارونيّة. جمعها ونسّقها وبوّبها ووضع ومقدّماتِها الأب فيليب السمرانيّ المرسَل اللبنانيّ. تبعه سنة 1934 كتابُ “دلائل العناية الصّمدانيّة” للأب ابراهيم حرفوش، المرسَل اللبنانيّ، دوّن عن معرفةٍ شخصيّة، سيرةَ حياة الحويك، خاصّةً في أحرج مواقفِها وأدقّ مراحلها. مجموعاتٌ لمقالات وخطابات ووثائق نُشرتْ وأصبحت مراجعَ تاريخيّة للعديد من الباحثين والمؤلِّفين.”
تابعت “سنة 1970جَمعت المرحومة الأخت ماري كزافييه لحّود الرّسائلَ العامّة التي وجّهها الأبُ المؤسّس إلى الأخوات قبل الرّياضات الرّوحيّة السّنويّة، من سنة 1914حتى 1931، سنة وفاتِه. ووضعت كتاباً عنوانُه “رجل العناية”، سردتْ فيه سيرةَ حياتِه، إنجازاتِه، مواقفَه الوطنيّة والكنسيّة والاجتماعيّة، أتّكالَه الدائم على العناية. ”
تابعت “منذ 1989 جنّدت الأخت ماري روجيه الزغبي نفسَها لكتابة حياة الحويّك وإنجازاتِه، ما تميّز به من شجاعةٍ وإقدام، بتسليمٍ مطلق لعناية الله، كراعٍ للكنيسة وقائدٍ وطنيّ، ملتزماً همومَ النّاس والمجتمع. وكأنّه تحضيرٌ غير مباشر للمرحلة الحالية التي شهدتْ ورشةَ عملٍ اتّسمتْ بالتعمّق بروحانيّتِه وعيشِها ونشرِها في مؤسّساتِنا التربويّة والاستشفائيّة والاجتماعيّة؛ بنشر سلسلة من “تراثنا الرّوحي تحملُ رسائلَه العامّة والخاصّة، وتوجيهاتِه لبنات الجمعيّة، للكهنة، للمسيحيّين، لأبناء الوطن…؛ وبتحضير ملفّ التحقيق الأبرشيّ في دعوى تقديسِه، حضّرت له مجموعةٌ من الأخوات يَعتبرنَ هذا العمل الذي جهدْنَ في تحضيرِه، نعمةً من الله، غذّت وتغذّي حياتَهنّ الرّهبانيّة الرّسوليّة.”
وختمت بالقول: “مَن اطّلع عن كثب على تاريخِ هذا الرّجل الكبير الذي عرف أن يجمعَ في حياتِه بين العظمة والتواضع، بين العدالة والمحبّة، بين الرّهبة والحنان، بين الوقارِ والبساطة، يفرحُ للقرار الذي اتّخذتْه الجمعيّة بتقديم طلب دعوى تقديس رجلِ الله، أبينا المؤسّس، البطريرك الياس بطرس الحويّك. ”
ثم كانت كلمة الأخت ماري أنطوانيت سعاده“البطريرك الياس الحويّك، وجهٌ مضيء لعالمِنا اليوم” جاء فيها:
“اليوم، حانَ الوقتُ ليخرجَ خادمُ الله البطريرك الياس الحويّك من صمتِهِ الخالد في السماءِ ويكلّمَ شعبَه كلامَ الأبِ لبنيهِ كما كانَ يفعلُ في حياتِهِ على الأرضِ. اليوم لكلمتِهِ ولرسالتِهِ وقعٌ أنجعَ وأقوى في النفوسِ لأنّها قطعَتْ مسافات الزمن والتاريخ ولم تَمُت، وهي ما زالت تُخاطبُ الواقع الحاليّ. لذا هي ذاتُ أهميةٍ عُظمى لنا اليوم وللوطن وللكنيسة جمعاء. في زمنٍ تشهدُ المجتمعات في العالم تغيُّراتٍ جذريّةٍ وانحططاتٍ شتّى تمُسُّ بقدسيّة الأرضِ والوطنِ والعائلة والكهنوت، يَطُلُّ البطريرك الياس الحويّك ليذكّرَنا ببعض الأسُسِ التي لا بديلَ عنها : قدسيّة الأرض والوطن، قدسيّة العائلة و قدسيّة الكهنوت.
تابعت: “اليوم، وفي خِضَّمِ الوضعِ الراهن، يعودُ البطريرك الحويِّك ليَطُلَّ علينا من جديدٍ ويخاطبَنا ويذكِّرَنا بقدسيّةِ الأرض قائلًا لنا: “يا بنيَّ، لا تضيِّعوا إرثَ الأجدادِ الثمين واستحقاقِ النسّاكِ القدّيسين ودمِ الشهداءِ الكريم”. يعودُ البطريرك فيُعيدُنا الى رُشدِنا الوطنيّ ويصحَّحُ مسارَنا ويُسمِعَنا من جَديد هذا الكلام : “كلّنا شعبٌ واحدٌ بدون تمييزٍ بين المذاهبِ والطوائفِ… ويجبُ على الشّعب أن يحبَّ وطنَهُ بعدَ الله”. وأيضًا: ” يعزّيني أنْ أراكم على مصلحة لبنان متّفقين، عارفين أنّه لا يوجدُ في لبنان طوائف، بل طائفة واحدة أدعوها طائفة لبنانيّة تريدُ مصلحةَ لبنان”. وأيضًا: “نرغبُ إليكم أيّها الأبناء الأعزّاء، أنْ تحرصوا على الوِفاقِ والإلفة مع جميع المواطنين دون تفريق”. وأيضًا: “أنا بطريركُ الموارنة، لي طائفة واحدة هي طائفة لبنان”.”
أضافت ” “هو أبُ لبنانَ الكبير وعرّاب الإستقلال. رسَمَ في رسالته الأخيرة “محبّة الوطن” التي وجّهها الى شعبِه، الأسسَ التي تَبني الوطنَ والمجتمعَ على الحقِّ والعدلِ والواجبِ، على مبدأِ المساواةِ والكفاءة والجدارةِ، على الإخلاصِ والصدقِ والنزاهةِ، على الالتزامِ والإحترامِ، على التجرّدِ عن الغايات الرخيصة والربح الخسيس، على الخيرِ العامّ قبل الخيرِ الخاصّ، على العيش بسلامٍ مع كل الفرقاء ضمن مناقبيّة إنسانيّة إنجيليّة.”
تابعت: “هو مؤسِسُ مبدأ لبنان-الرسالة بأبهى مزياه، لبنان الحوار والتعدديّة والحريّة والإستقلال، لأنه هديّة من الله كما يقول. والهديّة لا يُفرَّطُ بها، خصوصًا عندما تأتي من عَلو. لأنَه كما يقول “باتّحاد الكلمة يكونُ العمل على تعزيزِ الوطن ورُقيِّهِ وإعلانِ شأنِهِ ورفعِ منارِهِ”. “ويومَ حلَّتْ ويلاتُ الحربِ والجوعِ والدّمار، فتحَ البطريرك أبوابَه للمحتاجينَ دون تفرِقةٍ بين الطوائف والجنسيّات. فكانَ يقول: “أعطوا، أعطوا الجميع! فالبطريركيّة أمٌّ حنون تعتبرُ الجميعَ أولادَها، ولا فرقَ بين مسيحيٍّ ومُسلِم”؛ “إنّ الكرسيَّ البطريركيّ بيتُ الجميع”؛ ” وإذا كان لكم بموتي حياةٌ وسلامٌ، فحبّذا الموت”.
اردفت: “أمّا في شأنِ العائلة، وفي واقِعٍ عالميّ واجتماعيّ تشهد فيه العائلة تخبّطاتٍ وانحداراتٍ خطيرة، بدأتْ تهدّدُ مجتمعَنا الشرقيّ واللبنانيّ والمسيحيّ، يَطُلُّ علينا البطريرك الحويّك ليُذكِّرَنا بأصالتِنا المشرقيّة وبما تُخاطِبُنا به الكنيسة اليوم، وهي الأمُّ الساهرة على أولادِها بتحضيرها لِسينُودُسَيْن متَتَالِيَيْن 2014 و 2015 حول موضوع العائلة والتّحدّيات التي تواجِهُها اليوم. فيقول لنا: ” أيّـها الآبـاءُ والأمّـهـات،واصِلوا السّهرَ على تربيةِ أولادِكمإذا كان الكلامُ يُقنع فالمثلُ جذّاب”.
أضافت: “ولما أراد بإلهامٍ من الروحِ القدسِ أنْ يؤسِّسَ جمعيِّةً رُهبانيِّة، أرادَها في خدمةِ العائلة من أجلِ صيانةِ المجتمع بأسرِه فقال: “إنَّ الله بتحنّنِه أنشأ هذه الجمعيّة لكي تُعمِّرَ البيوت وتَحفَظَ العيالوتُصانَ الهيئةُ الإجتماعيّةُ من الفساد”. كما وأراد أنْ يضعَها تحت لواء العائلة المقدّسة كي تُضحيَ لها المثالَ الْمُحتَذى، لها ولكل العائلات التي تُرسَل إليها.فدعوتُه للعائلة اليوم أنْ تعيشَ تحت نظرِ الرّب ومن برَكَتِه وفي ظلِّ جناحيّه مفتّشَةً دائمًا عن رضاه الأبويّ في كلّ الأزمنة.”
تابعت: “أمّا في شأن الكهنوت، فالبطريرك الحويّك هو البطريرك الكاهنُ الذي أحبّ كهنوتَه وقدّرَه حقَّ قدرِه كنعمةٍ سماويّةٍ دون استحقاقٍ من لدنِه. هو البطريرك الأبُ الراعي الذي أحبَّ رعيَّتَه ورُعاةَ الرعيّة. كان الأبُ للكاهن، كأبٍ احتضنَه، حنا عليه، ربَّاه، علَّمَه، سفَّرَه لمزيدٍ من الثقافة والإنفتاح، زارَه، استفقَدَه، اتّكَل عليه، تطلّب منه الكثير لأنه أعطِي الكثير، خصَّه برسالة راعويّة، لأنّه يعتَبر أنّ الكاهن القدّيس يقدِّس الرعيّة كلَّها، فيعيش وتعيش معه الرعيّة بأسرِها برضى الله وتمجِّدٌه في كلِّ الأزمِنة مردِّدَةً ما ردَّدَه هو طيلة حياتِه: “إلهي اجعلني أعيش وأموت برضاك… لا أبتَغي سوى رِضاك، هو حَسبي وكَفى”.
وختمت بالقول: “كلُّ ذلك وغيرُه الكثير من المواقف الحكيمة والجريئة والأعمال الصالحة وقداسةِ السيرة والنهجِ الواسعِ الآفاق ومصداقيّةِ العيشِ والرؤية النبويّة ومحبة الإنسان والعائلة والحنوّ على الفقيرِ والمحتاجِ والغَيرة على أبناء وطنِه، يستدعي أن تُرفع دعوى تطويبِبه وتقدِيسِه الى الكُرسيّ الرسوليّ في الفاتكان بعد أن أُنهيت المرحلة الأبرشيّة في لبنان، أعطانا الرب أنْ نراه مرفوعًا على المذابح صحبةَ قافِلة القدِّيسين من أرض القداسة، من لبنان… ”
واختتمت الندوة بكلمة للمطران منير خيرالله جاء فيها:
“علامة من علامات الأزمنة أن نتكلم اليوم على دعوة التحقيق في قداسة البطريرك يوسف الحويك في زمن الوطن فيه يتحير في مصيره كما أراده الياس الحويك وطن الرسالة وطن العيش الواحد وطن المصالحة والعيش الواحد وطن الأتفاق والتضامن بين جميع طوائفه وجميع بناته وأبنائه,”
تابع “علامة من علامات الأزمنة يثبتها لنا الله جميعاً ولإخوتنا جميع اللبنانيين أن لبنان هو هو كما أرادة البطريرك الحويك وكما اراده أيضاً البطريرك اسطفان الدويهي لبنان وطن الحرية والكرامة والإنسان والإيمان، هذا اللبنان لن يغيب لحظة واحدة عن أنظارنا وضمائرنا فنحمله يالرغم من كل التحديات التي تواجهنا اليوم، من سياسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة. لكننا نقول أن لبنان سيصمد لأنه رسالة وأرض الله ولأن العناية الإلهية أرادته كذلك بواسطة جميع أبنائه وبناته منذ مئات السنوات، كذلك أراده البطريرك الحويك والبطريرك عريضة بعده، لبنان صامد وسيبقى مهما عصفت فيه الرياح وواجهته التحديات، واليوم نحن متأكدون من ذلك أكثر من أي وقت مضى، وهو سيصمد بشفاعة البطريرك الياس الحويك ونتمنى أن يكون طوباوياً وقديساً بعد سنوات .”