عقدت ندوة صحفية في المركز الكاثوليكي للإعلام، بدعوة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام حول لقاء تضامني مع الكنيسة القبطية المصري، تحت عنوان: مسلمون ومسيحيون معاً في مواجهة التطّرف. شارك فيها رئيس أساقفة بيروت للموارنة، ورئيس اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام المطران بولس مطر ، مدير المركز الكاثوليكي للإعلام الخوري عبده أبو كسم، ممثل دار الفتوى القاضي الشرعي الشيخ خلدون عريمط،، ورئيس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في لبنان الأب رويس الأورشليمي، وحضور الأب انطوانيو ولفيف من الطائفة القبطية، أمين عام جميعة الكتاب المقدّس د. ميشال باسوس، الشيخ سعد فوزي حماده، وعن الرابطة المارونية العميد بردليان طربيه، وعدد من الإعلاميين والمهتمين.
بداية تحدث الخوري عبده أبو كسم فقال:
“بالأمس كانت نكبة الموصل وتهجير المسيحيين من سهل نينوى، واليوم جاء دور الحسكة، بعد أن تم في الاسبوع الماضي إعدام 21 قبطياً ذبحاً، لا ذنب لهم سوى انهم مسيحيون.“
وتساءل “إلى متى سيبقى العالم يتفرج على مأساة العنف والقتل والحروب والتهجير والخطف والتنكيل. حروب لا هدف لها سوى تهجير المسيحيين من هذا الشرق، وكل ما يقال عكس ذلك يبقى غير صحيح، إلى أن يتوقف هذا النزف الذي نعتبره وصمة عار على جبين كل من يدّعون المحافظة على حقوق الانسان وحماية هذه الحقوق.”
تابع “دماء اخوتنا المسيحيين هي شهادة إيمان، بهذه الكلمات عبّر قداسة البابا فرنسيس عن ألمه إزاء المجزرة التي ارتكبت بحق المصريين الأقباط، وأضاف “دماؤنا ودماؤهم واحدة”.”
أضاف: “أما رسالتنا في هذا الشرق، ومهما اشتدت الحروب والأزمات، هي رسالة المحبة ونشر السلام فالسيد المسيح قال لنا “سيضطهدونكم ويطردونكم من مدينة إلى أخرى لأجل اسمي، لكن ثقوا لا تخافوا أنا غلبت العالم.” نحن نؤمن ان الخير يغلب الشر ومهما طال الزمن، فلغة الحوار هي السبيل الوحيد الذي يقربنا من الآخر، ومن الله أيضاً.”
ورأى “أن هذه الأحداث الدموية الأليمة، وأعمال الخطف والتنكيل سوف تعود بالخير على الكنيسة، وبقدر ما هي نتيجة اعمال اجرامية متطرفة، فهي في الوقت عينه ستشكل مروحة للإعتدال الاسلامي المسيحي في المنطقة، فإن ردة فعل المصريين تجاه المجزرة التي حصلت بحق الأقباط، كانت نتيجتها وقوف الشعب المصري وعلى رأسهم الرئيس السيسي، وقفة تضامنية لم تشهد مثلها مصر في الحقبة الحديثة، وقد ينسحب هذا الأمر إلى تعزيز روح المواطنة لدى كل المصريين.”
وختم بالقول “إننا نقف اليوم إلى جانب كل إخوتنا المسيحيين الذين يرزحون تحت أعمال العنف، لنقول لهم، ان بعد الألم ستأتي القيامة وان تضحياتكم ودماؤكم ستكون عنوان انتصار الخير على الشر، نسال الله أن يحمي شعبه وكنيسته وأن يرحم نفوس الشهداء، وأن يبقى المسيحيون في هذا الشرق، نوراً ينير الدروب بأنوار المحبة والسلام.
ثم كانت كلمة المطران بولس مطر فقال:
“أرحب بالصديق العزيز ممثل دار الفتوى وبالأب رويس أجمل ترحيب وأعلن معه اليوم أمامكم أننا اليوم كلنا أقباط وكلنا أشوريون وكلنا كلدان وسريان مسيحيين كنا أم مسلمين. هذا كان موقف مصر الدولة مما جرى من مأساة تتعلق ب 21 قبطياً عاملين في ليبيا لا علاقة لهم بأي حرب وأية مواجهة يأكلون خبزهم بعرق جبينهم، والقرآن يقول “من قتل نفس بغير نفس فكأن قتل الناس جميعا”، إنما هذا حدث وكان مأساة ضريبة، إنما نلحظ أن هذه المأساة تحولت إلى نعمة وقوة وقد قرر رئيس مصر السيسي أن يبني كنيسة على اسم هؤلاء الشهداء من مال الدولة ليقول عن التضامن بين أبناء مصر الأحبة، وهذا له بعض أساس من الأقباط أنفسهم ذاكرا موقفاّ للبابا شنوده رحمه الله” نحن الأقباط لسنا نعيش في مصر بل مصر تعيش فينا. وعندما أحرقت حوالي 100 كنيسة سئل البابا تواضروس فقال “افضل مصر بلا كنائس على كنائس بلا مصر” وهذا كان موقفاً كبيراً جداً ولا نرى التعاطف من قبل الإسلام المعتدل والإسلام اعتدال والمسيحية محبة مما يجري ويحدث.”
تابع “في الحقيقة نحن أمام هذه المأساة قلقون لا على مصير المسيحيين وحدهم بل على مصير المنطقة باسرها، على مصير الحضارة الاسلامية المسيحية التي بنيناها معاَ عبر التاريخ، على صورة الإسلام التي يشوّهها بعض هؤلاء الذين لا علاقة لهم أو قطعوا كل علاقة لهم مع الإسلام.”
وقال “هذا أمر طالبنا به وطالبت به شخصياً بعدما حدث التهجير في الموصل وسهل نينوى أكثر من 100 ألف مسيحي اقتلعوا من أرضهم ولم تحرك الأمم ساكناً، مجلس الأمن صمت، وصدر قرار يتيم بتخفيف أو تجفيف المال عن هؤلاء دون أن يدين عملهم، هذا موقف هو موقف لا إنساني من قبل مجلس الأمن نفسه، كان عليه أن يقول “ندين بشدة ما حدث”. وكنا نطالب إخواننا المسلمين في العالم قاطبة بأن يكون لهم موقفاً لمواجهة هذا التطرف الذي لا قيمة له تاريخياً ولا علاقة له بالاديان وبالحقيقة صدر كلام عن الملك عبدالله رحمه الله في السعودية يرفض هذا التصرف وبخاصة أقيم مؤتمر في الأزهر الشريف وكان لي شرف المشاركة فيه باسم الكنيسة المارونية حيث كنا حوالي 600 شخص من سنة وشيعة ودروز ومسيحيين أقباط وأرثوذكس وموارنة من ايران من تركيا من الدول الاسلامية وصدر قرارات منها اولاً إنما جرى ويجري على يد هؤلاء هو عصيان على المسلمين ولأول مرة تطلق كلمة عصيان؛ ثانياً إن المسيحيين والمسلمين في العالم هم أخوة؛ وثالثاً التهجير الذي حصل قسراً في العراق والقتل الذي حصل في ليبيا هو جريمة بحق الإنسانية.”
تابع “هذا يعني أن المسلمين رفعوا الصوت وقالوا بالإعتدال وقالوا أننا جميعاً نواجهه تطرفاً غير مقبول، أكان مسيحياً أو مسلماً او اسرائيلياّ أم كل انواع التطرف، إذ إن التطرف ليس لدين واحد، التطرف النازي كان تطرفاً لا أخلاقياً ولا انسانياً أيضاً وقد جرى من من قبل ناس معمّدين خرجوا عن دينهم، لذلك نحن مع الإعتدال في العالم وكل التطرف من كل الأديان، ولكننا عندما ننظر إلى الشرق الأوسط نقول هناك موقف يجب أن نقفه جميعاً في مواجهة هذا التطرف الكلام لا يكفي، وبكل صراحة نقول هناك مسؤولية على الدول بمقدار ما هي هذه الدول معبرة عن الشعوب ومسؤولة عنها، الشعوب تستنكر، تتظاهر ولكن من عنده اليد الطائلة، دولة مصر تقوم بواجبها نأمل من كل دول المنطقة أن تستقيم أمورها في العراق ومصر وليبيا حتى يرفع الظلم عن الشعوب لوقف هذا التطرف الغير مقبول وهو أمر مرفوض. أكثر من 100 اشوري هم بين ايدي الشيطان نحن ندعو كل الذين يحرجون عن القواعد الدينية أن يعودوا ويعودوا إلى إنسانيتهم والمسيحية توابة “احبوا اعداءكم باركوا لاعنيكم ”
وقال “المجمتع الدولي لم يأخذ قراراً بمستوى الأحداث يدافع عن الإكراد لأن له مصالح معهم، ولا يدافع عن المسيحيين لأنه لا يحمل سلاح لأنه نكره لأن لا قيمة له لاننا أقلية، وجاء في القرآن المسيحيون هم “اهل الكتاب لهم مكانتهم ولهم حرمتهم”.”
أضاف “لذلك هذا الازدراء والأستلشاق بدم المسيحيين عار على العالم بأسره، ونذكر اليوم مرور 100 عام على المذابح السريانية والأرمنية في الدولة العثمانية هل نعيد الكره من جديد، نريد أن يتكرر هذا مجدداً، أين التقدم، أين الأخلاق، اين الأديان أين الدول؟
وقال “المجتمع الدولي مقصر تقصيراً فاضحاً لا قيمة عنده للناس بل القيمة عنده للسلطة والشهوات. يقول البابا فرنسيس “إذا قتل إنساناً على قارعة الطريق وحيداً لا يتكلم أحد في الإعلام عنه ولكن إذا هبطت البورصة العالم كله يتحرك”، مما يعني أن هذا العالم ليس في الطريق الصحيح، صححوا طرقكم وعودوا إلى الإخلاق عاد اليكم الله وبركته ورحمته، موقف الدول موقف مشين من الضعفاء من الذين ليس هم شيئاً أمام القوة والسلطان.”
وختم بالقول “ندعو في هذا الصوم المقدّس العودة إلى الضمائر والفكر، ونحن مع المسلمين يد واحدة وقلب واحد في مواجهة التطرف لأننا نؤمن بالله ونؤمن بما أملاه علينا وعلى ضمائرنا من أحكام ووصايا ونأتمر بأوامره، ولنا كل الرجاء بأن الرجاء لا يلغي صاحبه ابداً وسوف تضاء مصابيحه إلى الأبد”.
كلمة الشيخ خلدون عريمط جاء فيها:
“بداية يسرني ان أشكر المركز الكاثوليكي للإعلام، رئيساً وادارةً على إهتمامه بقضايا وشؤون وشجون الإنسان في هذا الشرق العربي، الذي يعاني من لعبة الأمم التي يديرها ويخرجها صناع القرار في هذا العالم المتعطش للهيمنة والتسلط منذ ما يزيد عن الخمسين عاما، بدأ من الأرض المباركة في بيت المقدس بمساجده وكنائسه وما حوله وبأهله مسلمين ومسيحين، مروراً بكل قوافل الضحايا والشهداء المظلومين الذين تساقطوا على هذه الأرض المباركة في فلسطين وسوريا والعراق ولبنان وخاصة الاخوة المصريين الذين سقطوا وذبحوا ظلماً وعدواناً على رمال ليبيا والذين دفعوا كغيرهم دمائهم في هذه الحروب العبثية المدمرة التي تجتاح العديد من دول المنطقة.”
تابع “نحن معكم من لبنان بجناحيه المسلم والمسيحي نتضامن مع كل الضحايا سواء كانوا مسلمين او مسيحين، فالذي يسقط الآن ومنذ بضع سنوات هو الانسان والذي يدفع الثمن هو المواطن الباحث عن لقمة عيشه ويمكن القول بأن التطرف والغلو هو حالة من حالات الجنون، وإلا هل يمكن ان نصدق ما يحصل على ساحتنا العربية من هذا القتل والذبح والاغتيالات والتهجير المتبادل، والتكفير بين هذا الفريق او ذاك، أو هذا المذهب أو ذاك، وحتى بين أبناء الطائفة الواحدة والمدينة الواحدة والوطن الواحد، فأي جنون هذا؟ وأي مرض يعاني منه شرقنا العربي والاسلامي؟”
أضاف “علّمنا الإسلام أداب السلم وأداب الحرب وعلّمنا الإسلام ونبي الإسلام بقوله (المسلم من سلم الناس من لسانه ويده)، وعلّمنا القرآن الكريم ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وانثى….) علّمنا الاسلام الرحمة، وعلّمتنا قبل ذلك المسيحية المحبّة، فأين الرحمة والمحبة في سلوكنا وتعاملنا ومعاملاتنا على صعيد الأسرة والوطن والأمة.”
قال “نحن عندما نتضامن مع إخواننا المصريين الذين كانوا ضحايا الجهل والتطرف، وضحايا الفهم الخاطئ لدور المسلمين ورسالتهم في تعاملهم مع انفسهم، ومع ابناء وطنهم وامتهم، إنما نتضامن سوياًً مع الفهم الصحيح لرسالة المسيح عليه الصلاة و السلام، ومع دعوة محمد علية الصلاة والسلام التي دعا فيها الى عبادة الله الواحد الاحد وتكريم الإنسان كل الإنسان، وحقه في اختيار العبادة وطريقة العيش، والخلاف او الإختلاف بين أتباع الديانات إنما هو أمر مشروع يترك فيه الأمر لله سبحانه وتعالى فهو من يحاسب ويقرر، ويدخل من يشاء في نعيمه، ويخرج من يشاء من جنته.”
أردف “صحيح ان المسيحين من ابناء هذه الأمة يعانون، والصحيح أيضاً وايضاً أن الأمة بجناحيها المسلم والمسيحي تعاني وتدفع دماً ودموعاً وآلاماً وجراحات، والحقيقة المؤلمة أن العدو الاسرائيلي وحده ينام ملأ جفونه، وهو فرح بهذه الحروب العبثية، وبهذا الدمار والقتل والاقتتال والظلم الذي يعاني منه إنساننا سواء كان مسلماً أو مسيحياً.”
وتساءل “لمصلحة من اختطاف المطرانيين في سوريا؟ ولمصلحة من هدم الكنائس والمساجد والمزارات، وذبح الأسرى والمعتقلين، واغتيال العلماء وتهجير وقتل مكون اساسي من مكونات الأمة من مسيحي فلسطين وسوريا والعراق واخيراً أقباط مصر الذي أوصى بهم نبي الاسلام محمد علية الصلاة والسلام.”
تابع “فحركات التطرف والغلو التي تدّعي الإسلام لا علاقة للإسلام والمسلمين بما تفعله وتمارسه، لأنه حكماً يتناقض تماماً مع عقيدة المسلمين التي جاء بها محمد عليه الصلاة والسلام. ”
أضاف “فيا أيها المتقاتلون والعابثون بدماء أبناء هذا الشرق، إلاما تتقاتلون؟ تقتلون وتقتلون الحرب من عمل الشيطان والسلم أولى بكم ففيه ذواق النعيم الذي تشتهون، والقتل حالة جنون والاقتتال حالة مرضية، أعداء الاسلام والمسيحية معا، هم وحدهم المستفيدون والفرحون بتدمير الأرض والوجود والتراث.”
وختم بالقول “من لبنان الذي عانى كثيرا من الحروب العبثية ومن هذا الموقع نرفع الصوت عاليا متضامنين مع مصر قيادةً وحكومةً وشعباً وجيشاً بمواجهة الإرهاب والتطرف والغلو مؤكدين بان الإعتداء على اي مصري مسلماً او قبطيا إنما هو إعتداء على قيم الاسلام والمسيحية معاً، وان الخطف والاغتيال والتهجير والتكفير والغلو والتطرف يتعارض تماماً مع تعاليم الإسلام والمسيحية معا. فنحن اهل اعتدال ووسطية وتعاون وتراحم وتعارف بين الأفراد والأوطان والأمم بقوله تعالى ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكون شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً)”
واختتمت الندوة مع الأب رويس الأورشليمي فقال:
“لقد أظهر المتطرفون وجهاً بشعاً أضيف إلى وجوههم البشعة إن كان وراء قناع أو بدون قناع لقد كشفوا عن وجه شيطاني تجسّد في أعمالهم الشريرة من ذبح وحرق ورمي جثامين في البحر لقد أثبتوا ولائهم لإبليس وبراءه الأديان منهم لأن إبليس قتالاً للناس منذ البدء فإن إنتمائهم الأول لإبليس والثاني لمسخريهم من الدول المستغلة لهذا الجهل والعمى الإنساني.
تابع “إننا ندين هذه الأعمال الوحشية التي لا تمت للإنسانية بصفه لأن الله خلق الإنسان على صورته ومثاله وميزه بالعقل والحكمة عن باقي المخلوقات. وندين أيضاً المجتمع الدولي الذي يتعامل بمعايير مختلفة للمشكلة الواحدة فنجده يبيح التدخل في دول ترفض التدخل ويرفض التدخل في دول تطلب التدخل.”
أضاف “يلقون الأسلحة للمسلحين ويرفضون تسليح الجيوش يتكلمون عن حقوق الإنسان ويتغاضون عما تفعله اسرائيل من خرق لهذه الحقوق.”
وختم بالقول “لذلك لا يمكن أن نقاوم هذه الآفة إلا من خلال وقوفنا خلف جيوشنا متوحدين وداعمين، وكنيستنا القبطية الأرثوذكسية تشكر وتفتخر بالجيش المصري البطل والجيش اللبناني البطل والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وترفع الصلاة لفك أسر الجنود المخطوفين اللبنانيين وأن يختار الربّ رئيساً للبنان يكون درعاً لكل اللبنانيين.”
ف.ح. م.