ترأس الندوة رئيس اساقفة بيروت واللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام المطران بولس مطر، وشارك فيها سعادة السفير البابوي في لبنان المونسنيور غبريال كاتشا، رئيس جامعة القديس يوسف الأب البروفسور سليم دكاش اليسوعيّ، ومدير مجلّة المسرّة و معرّب “فرح الإنجيل الأب جورج باليكي البولسيّ، ومدير المركز الكاثوليكي للإعلام الخوري عبده أبو كسم، وحضور أمين عام جمعية الكتاب المقدّس الأستاذ مايك بسوس، ومديرة ثانوية جديدة المتن الرسمية للبنات السيدة هدى سعاده وعدد كبير من الطلاب والمهتمين والإعلاميين.
الخوري أبو كسم
في البداية تحدث الخوري عبده أبو كسم فقال: “نطلق اليوم الإرشاد الرسولي “فرح الإنجيل”، لقداسة البابا فرنسيس، وفي الوقت عينه نحتفل بالسنة الأولى لإنتخاب قداسته حبراً أعظم على رأس الكنيسة الكاثوليكيّة.”
تابع: “كم هو جميلٌ أن نتقدّم اليوم ومن على هذا المنبر وفي حضرة ممثل قداسة البابا فرنسيس في لبنان، سعادة السفير البابوي المونسنيور غبريال كاتشا، بأصدق مشاعر الخضوع والإحترام والمحبة وأطيب التهاني والتمنيات لقداسته بدوام النشاط والصحة في سبيل خدمة كنيستنا.”
أضاف: “بالأمس كتب الكاردينال باربارين، وفي هذه المناسبة تحديداً عن قداسته، “إنه بابا فقير من أجل كل الفقراء، بابا رسولي، وبابا الفرح، وعن كلماته وعظاته قال: “كلماته هي منبّهة بشكلٍ لا يصدق أنها تصدمنا وتوقظنا”، “إنه بابا البساطة، وبابا الإصلاح”.
وختم يالقول: “أجمل هدية نقدمها اليوم إلى قداستكم يا أبانا فرنسيس، هي الصلاة، وأنتم لطالما طلبتم دائماً الصلاة من أجلكم، كيف لا، وصورة إطلالتكم الأولى من على شرفة بازيليك القديس بطرس أثرت بالغ الأثر في نفوس المؤمنين جميعاً. ألا حفظ الله الكنيسة في مسيرتها على هذه الأرض، وحفظ البابا فرنسيس.”
المونسنيور كاتشا
ثم كانت كلمة السفير البابوي المونسنيور غبريال كاتشا جاء فيها: “سنة خلت بالضبط، يوم البارحة، كان العالم يتطلّع بقلق إلى شرفة البازيليك في الفاتيكان، بانتظار أن يرى خليفة بطرس الجديد الذي كان انتخب للتوْ. منذ ظهوره الأول، دخل البابا فرنسيس قلب كل فرد، كل أسرة، وكلّ جماعة بقوله ببساطة “مساء الخير.”
تابع: “في هذه اللحظة، نحن جميعاً مؤمنون وغير مؤمنين، تأثرها ودهشنا إيجابياً لموقف البابا وحركاته وأقواله، لأنه بدا قريباً جداً من الناس وأراد كنيسة فقيرةً للفقراء، على مثال القديس الذي اتّخذ اسمه فرنسيس.”
أضاف: “كلٌّ منّا عنده في راسه صورةٌ، حركة، قرارٌ من البابا أثّر فيه. هذا، في الواقع، مثلُه قبل الكلّ الذي يتكلم أكثر من أقواله. فإنه، عندما أراد، منذ البدء، أن يتنقل في الأوتوكار نفسه، في الفاتيكان، مع الكرادلة الذين انتخبوه، عندما قرّر، كأول رحلة، أن يذهب إلى جزيرة في البحر المتوسط، إلى لامبادوسا، حيث العديد من المهاجرين الذين كانوا يبحثون عن فرص حياة أفضل، ماتوا غرقاً، فذكّر هكذا أنه من الواجب الخروج من عولمة اللامبالاة، إلى الألم الذي يصيب الكثيرين من إخوتنا في العالم. كلّ هذه الأعمال تشهد لرؤية واضحة ولقصدٍ شجاع بأن يذهب بعطف وحنان على طريق الربّ، الذي هو الإنسان.”
أردف: “لقد شعرنا أنا نلنا، بنعمة الله، راعياً عظيماً يعرف إلى أين يقود قطيعه. شخصاً لا يقول للناس “إفعلوا هذا أو ذاك” بل يبدأ هو أولاً فيفعل، ويطلب أن يسيروا معه، بهذا الروح، كي يكونوا جميعهم شعباً في الطريق على خطى الربّ.”
تابع: “إذا كنا نريد أن نفهم الأسباب العميقة لما أخذ قداسة البابا بعمله على جميع الأصعدة، في الكنيسة وفي العالم، إذا كنا نريد أن نعرف بما يفكّر وما يتمنّاه للكنيسة، يمكننا ويجب علينا أن نقرأ الإرشاد الرسوليّ الذي كتبه وحيث نقرأ في مطلعه :”أود أن أتوّجه إلى المؤمنين المسيحيين، كي أدعوهم إلى مرحلةٍ جديدةٍ من التبشير بالإنجيل موسومة بهذا الفرح، ولكي أدلَّ على طرقٍٍ بمسيرة الكنيسة في السنوات المقبلة”.
أضاف: “نعم، للبابا حلمٌ يعبّر عنه بالكلمات التالية: “لا أتخيل، اختياراً إرسالياً قادراً على تحويل كل شيء حتى تصبح العادات والأنماط والتوقيت واللغة وكل نية كنسيّة قناةً صالحةً للتبشير بالإنجيل في عالم اليوم أكثر من حفظ الذات.”
قال: “لقد استلمنا هدية كبرى، هي الإرشاد الرسوليّ الذي سيعود بالخير العميم على جميع الذين سيبادرون ويقرأونه ويعيشونه. لذلك أهنىء “المركز الكاثوليكي للإعلام” الذي أعطى قرّاء لغة الضاد إمكانية أن ينهلوا من هذا النص الأساسي، الذي سيخلق أكيداً تجديداً في حياة الكنيسة.”
وختم بالقول: “”فرح الإنجيل”: على مثال البابا، نحن مدعوّون إلى إعادة إكتشاف أن الإنجيل هو، بالحقيقة، البشرى الحسنة لحياة الإنسان، اليوم ايضاً وإلى الابد، إن الإنجيل، أي يسوع المسيح، هو ينبوع فرح وأنّا مدعوّون إلى أن نكون أكثر دائماً شهوداً فرحين لهذه البشرى الحسنة.”
الاب باليكي
قدم الأب باليكي الإرشاد الرسولي فقال: “أولُ ما يشعر به القارىء، منذ البدء، هو أن واضعَ هذا الإرشاد إلى جانب أنّه لاهوتيٌّ متضلّع من العلوم الدينيّة الفائقة الطبيعة هو أيضًا إنسانٌ رسولٌ شاهدٌ متمرّسٌ من العمل «على الأرض»، وقد شارك جميعَ الناس في مسيرتهم نحو الملكوت، وبالأخصّ أولئك الذين ينبذهم الآخرون ولا يكترثون لهم إذا ما تأخّروا وتخلّفوا عن القافلة السائرة قدُمًا.”
تابع: “من أجل هؤلاء، وفي وجه جميع اللامبالين واللاواعين، يطلق قداسة البابا الصرخة تلو الصرخة وينبّه ويحذّر ويدعو إلى إحقاق العدالة والمساواة وإحلال السلام، بإشراك الجميع، بدون استثناء، في المسيرة، منذ الآن في هذا العالم، نحو الملكوت.”
أضاف: “الإرشاد يتألف من مقدمة تتحدّث عن فرح الإنجيل، ذلك الفرح الذي يتجدّد ويبلَّغ، وعن فرح التبشير بالإنجيل العذب والمنشِّط لنقل الإيمان،ومن خمسة فصول:
“الفصل الأوّل، وعنوانه “تحوّل الكنيسة الإرساليّ”، يدعو فيه قداسة البابا الكنيسة إلى الانطلاق، إلى أن تكون على أهبة الإقلاع، إلى أخذ المبادرة والالتزام والمرافقة وحمل الثمار والتعييد. ويطالب الراعويّة بأن تتحوّل لأن تجديد الكنيسة لا يمكن إرجاؤه. وانطلاقًا من قلب الإنجيل، على الرسالة أن تتجسّد في الحدود الإنسانيّة وتبلّغ الشعب الإيمان القويم، بالطريقة التي يفهمها، لأنّ الكنيسة أمٌّ ذاتُ قلب منفتح خبرَها قداسة البابا كاهنًا وأسقفًا وردّد في حياته على مسمع الجميع في الأرجنتين، قائلاً: «أفضّل كنيسة مُصابةً ومجرَّحةً وملوّثة لأنّها سلكت الطرقات، على كنيسة سقيمة بسبب الانغلاق ورفاهة التمسّك بأمانها الخاصّ«.
في الفصل الثاني، وعنوانه “في أزمة الالتزام الاجتماعيّ”، يتحدّث قداسة البابا عن بعض تحدّيات العالم الحاضر فيطلق في وجهها عدّة «لاءات»: لا لاقتصاد إقصاء، لا لصنميّة المال الجديدة، لا للمال الحاكم بدلاً من أن يكون خادمًا، لا للتفاوت الاجتماعيّ الذي يولّد العنف. ويتوقّف عند بعض التحدّيات الثقافيّة وتحدّيات انثقاف الإيمان وتحدّيات ثقافات المدن.”
الفصل الثالث وعنوانه “إعلان الإنجيل” ، وفيه يلقي قداسة البابا فرنسيس مسؤوليّة التبشير بالإنجيل على عاتق الجميع بدون استثناء، فإنّا جميعًا تلاميذٌ مرسلون. والأكثرُ قدرةً على التبشير هو الشعب المتعدّد الوجوه، بتقواه الشعبيّة العجيبة، المختلفةِ التعابير لأنّها موقع لاهوتيّ علينا أن نعيره اهتمامنا. ويتمّ التبشير عفويًّا، من شخصٍ إلى شخص، وفي كلّ مكان: في الشارع، في الساحة، في العمل، في الطريق، بالمحادثة، بالإصغاء، بالصبر وطول الأناة.”
في الفصل الرابع، وعنوانه “البعدُ الاجتماعيّ للتبشير بالإنجيل”، يطبّق قداسة البابا فرنسيس المبادىءَ اللاهوتيّة على الواقع الاجتماعيّ، لأن كلّ كرازة تنجم عنها مضاعفات جماعيّة واجتماعيّة: التبشير بالإنجيل هو جعلُ ملكوت اللّه حاضرًا في العالم. من يؤمن، عليه أن يلتزم قضايا المجتمع. وبما أنّ الكنيسة رسولةٌ بطبيعتها، فعليها وعلى مؤمنيها أن يحيَوا محبّة القريب الفعليّة، والعطفَ المتفهّم والمساندَ والمنمّي.”
وأخيرًا، يدعو قداسة البابا فرنسيس في الفصل الخامس، وعنوانه “مبشّرون بالإنجيل مع روح “، إلى خلق حوافزَ جديدةٍ لاندفاعٍ إرساليّ متجدّد، أوّلُها اللقاءُ الشخصيّ مع حبّ يسوع الذي يخلّصنا، وثانيها اللذة الروحيّة بأن نكون شعبًا متضامنًا يؤمن – ويعمل بذلك الإيمان – بأن كلَّ كائن مقدَّسٌ للغاية ويستحقُّ عطفنا وتفانيَنا. وبهذا تسير البشريّة جمعاء على خطى القائم من بين الأموات وروحه وعملهما السرّيّ في الشعب المؤمن وفي كلّ صاحب إرادة صالحة.”
وفي الختام يقول: “ومع الروح القدس، مريمُ العذراء حاضرة دائمًا وسط الشعب. فهي هبة ابنها يسوعَ لشعبه، وهي نجمة التبشير الجديد بالإنجيل، لأنّا، كلَّ مرّة نتطلّع إلى مريم، نريد أن نؤمن بقوّة الحنان والعطف الثوريّة. في مريم، نرى أنّ التواضع والحنان ليسا فضيلتَي الضعفاء، بل الأقوياء الذين لا يحتاجون إلى سوء معاملة الآخرين كي يشعروا بأهمّيّتهم.”
المطران مطر
ثم تحدث المطران بولس مطر فقال: “يُسعِدُنا أن نلتقيَ اليومَ معًا، في هذا المركزِ الكاثوليكيِّ للإعلام، حَولَ الرِّسالةِ الرَّعويَّةِ الجديدةِ الَّتي أطلقَها قداسةُ الحبر الأعظم البابا فرنسيس، بعنوانِ «فرح الإنجيل». وقد قَامَ المركزُ بواجبِ تَعريبِها لِنقدِّمَها إلى العددِ الأكبر من المؤمنين، ومن أهلِ هذا الشَّرقِ بكلِّ انتماءاتِهِم. وهي اليومَ تَنزلُ لِلتَّداولِ ولِتُوضَعَ بين أيدِي الجميعِ، لِما لها من أهمِّيَّةٍ فائقةٍ لا في حياةِ الكنيسةِ في الأزمنةِ الحاليَّةِ والآتيةِ وحسب، بلْ وفي حياةِ العالمِ المُتَعطِّشِ إلى التَّخلُّصِ من أزماتِهِ الاجتماعيَّةِ والسِّياسيَّةِ والأخلاقيَّةِ وإلى اكتشافِ حياةِ المحبَّةِ والأخوَّةِ والتَّقدُّمِ والسَّلامِ.”
تابع “لقد كانَ موضوعُ الأنْجَلَةِ الجديدةِ، أيْ تجديدِ التَّبشيرِ بِيسوعَ المسيح، الَّذي يُشيرُ إليه عنوانُ هذه الرِّسالةِ، محطَّ اهتمامٍ كبيرٍ عندَ البابا السَّابقِ بندكتس السَّادس عشر، بعد أن رأى الإيمانَ يَتراجَعُ في صُفوفِ المسيحيِّين الَّذين يُفتَرَضُ فيهم أن يَحملُوا هُم الإنجيلَ للآخرين. وقد انعقدَ سينودسٌ خاصٌّ، في تشرين أوّل سنة 2012، حَولَ هذا الموضوعِ قبلَ وُصُولِ البابا فرنسيس بِبضعةِ أشهرٍ إلى السُّدَّةِ البطرسيَّةِ.”
أضاف: “وإنَّنا نُحَيِّي معكم باعتزازٍ قداسةَ البابا فرنسيس ونَتمنَّى كلَّ الخيرِ والبركةِ على يدَيهِ لِلكنيسةِ ولِلعالمِ، في مناسبةِ مرُورِ سنةٍ يوم أمس 13 آذار على انتخابِهِ أسقفًا «لِروما» وراعيًا لِلكنيسةِ الجمعاء ونحيّي أيضاً غبطة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي يوم غد الذكرى الثالثة لإنتخابه. لقد كانَ مِن المُفتَرَضِ أن تصدرَ عن البابا السَّابقِ رسالةٌ حَولَ البشارةِ الجديدةِ، لكنَّه سُرعانَ ما تركَ الأمرَ لِخلَفِهِ بِفعلِ استقالتِهِ الَّتي فاجأَت جميعَ النَّاسِ. فإذا بالبابا الحاليِّ يأخذُ الموضوعَ على عاتقِهِ لِجهةِ إصدارِ هذه الرِّسالةِ، ويُعطيها هذا العنوانَ المَملُوءَ حماسًا واندفاعًا ألا وهُو «فرح الإنجيل».
تابع: “قال قداستُهُ في هذه الرِّسالةِ أنَّ السِّينودسَ الَّذي انعقدَ قبلَ وُصُولِهِ شدَّدَ على وَضعِ برنامجٍ لِلأنجلَةِ الجديدةِ، وحدَّدَ له ثلاثَ نقاطِ عملٍ. النِّقطةُ الأولى هي دَورُ التَّبشيرِ بالإنجيلِ في الرِّعايةِ التَّقليديَّةِ لِشعبِ الله. والنِّقطةُ الثَّانية هي عملُ هذا التَّبشيرِ لَدَى النَّاسِ الَّذين فَقدُوا إيمانَهُم من المسيحيِّين أو كادُوا أن يَفقدُوه. والنُّقطة الثَّالثة هي العملُ على نشرِ الإنجيلِ في أصقاعِ الشُّعوبِ البعيدةِ الَّتي لم تَعرف بعدُ يسوعَ المسيح. لكنَّه أرادَ أن يَزيدَ على هذا البرنامجِ المُقتَرَحِ، من قبلِ السِّينودس، إذْ رأى أن يَبدأَ أوَّلاً بالتَّفكيرِ حَولَ جهوزيَّةِ المؤمنين الَّذين تَقعُ عليهم مسؤوليَّةُ التَّبشيرِ، وَجهوزيَّةِ الكنيسةِ بِصورةٍ عامَّةٍ وهي المؤتَمَنَةُ على هذا التَّبشيرِ، وذلك من أجلِ أن تَنجحَ وَينجحَ معها المؤمنون في هذه الرِّسالةِ المَوكُولَةِ إليهم من قِبَلِ الرَّبِّ.”
تابع: “قال البابا في هذا الصدد: القاعدة الأولى: لا تَبشيرَ ناجحًا بِيسوعَ المسيح، إلاّ َبواسطةِ مَن يعرفُهُ ويُحبُّهُ. من هذه القاعدةِ يجبُ الانطلاق في عمليَّةِ التَّبشيرِ، لأنَّ معرفةَ يسوعَ هي ضرورةٌ أساسٌ لِكلِّ مَن يُريدُ أن يُعرِّفَ به، وأن يَشهَدَ لهُ.”
تابع “القاعدة الثَّانية: تَحرُّكُ الكنيسةِ في هذا المجالِ وتَخطِّيها العقليَّة الوظيفيَّة وذهابُها إلى النَّاسِ حيثُ هُم، لِتَجلبَهُم بالمحبَّةِ إلى المسيح. هكذا يُقدِّمُ البابا رسالةَ الكنيسةِ. لقد قالَ الرَّبُّ لِتلاميذِهِ عندما سلَّمهُم مسؤوليَّةَ نشرِ الإنجيلِ: «اذهبُوا إلى العالمِ كلِّهِ واكرِزُوا بِبشارتي في الخليقةِ كلِّها. فَمَن يُؤمنُ ويَعتمدُ يَخلُص». انطلاقًا من هذه الدَّعوةِ لا يُمكنُ لِلكنيسةِ أن تَبنِي لها بيتًا خاصًّا ولو كان كاملاً ومُقدَّسًا وتتركَ العالمَ من حَولِها يَتخبَّطُ بِمشاكلِهِ ومآسِيهِ. إنَّها مَدعُوَّةٌ لِلذِّهابِ إلى النَّاسِ حيثُ هُم ولإسماعِهِم كلامَ اللهِ.”
تابع : “ويُشدِّدُ البابا على هذا المَنحَى بِقولِهِ: «لا يَكفِي لِلكنيسةِ أن تَهتمَّ بِمَن هُم في داخلِها أو من حَولِها بِصورةٍ مباشرةٍ، بلْ عليها الاهتمامُ بِمَن هُم بَعيدُون عنها، بِأهلِ الأطرافِ كما يُسمِّيهِم وبِالمُهَمَّشين، سواءً أكانَ تَهمِيشُهُم مادِّيًّا أمْ روحيًّا. وإذا ما ذَهبَت الكنيسةُ إلى الَّذين هُم بَعيدُون، عليها أن تتكلَّمَ لُغةً يَفهمُونَها وأن تَقتربَ من عقليَّاتِهِم بغيةَ إيصالِ حقيقةِ الإنجيلِ إليهم وإيصالِهِم إلى فرحِ المسيح وخلاصِهِ.”
أضاف:”هنا لا يَخشَى البابا الجهرَ بأنَّ هذا المَوقفَ لِلكنيسةِ هُو اليومَ بِمثابةِ تَحوُّلٍ في حياتِها. هذا لا يَعنِي أنَّ الكنيسةَ لم تكن تَقُومُ بهذه الرِّسالةِ من ذِي قَبلٍ وهي الَّتي حملَت الإنجيلَ إلى كلِّ الشُّعوبِ الضَّارِبَةِ في القارَّاتِ الخمس. لكنَّهُ يعني أنَّ الكنيسةَ مُلزَمةٌ بفحصِ ضميرٍ حَولَ أدائِها لِهذه الرِّسالةِ. فَهَل هي اليومَ مُنفتِحةٌ بما يَكفِي على جميعِ النَّاسِ، وهَلْ هي حامِلَةٌ همُومَ أهلِ الأرضِ جميعًا وبِخاصَّةٍ هُمُومِ الفقراءِ والضَّائعين والَّذين تَرمِيهم السِّياساتُ على قارِعةِ الطريقِ في مجالاتٍ كثيرةٍ من مجالاتِ الحياةِ؟”
تابع: “لقد أعطَى البابا في هذا المجالِ رَأيَهُ بِصراحةٍ إلى كلِّ المسؤولين في الكنيسةِ. فَقالَ لهم أنَّ عليكم أن تَختلطُوا مع النَّاسِ وأن تَتَحسَّسُوا مشاكلَهُم وأن تَندرجُوا في حياتِهِم اليوميَّةِ فَتفوحَ في ثيابِكُم رائحةُ القطيعِ الَّذي تَرعَونَ باسمِ المسيح. إنَّكم مُلزَمُون بِتخليصِ أغنامِكُم من غَدرِ الذِّئابِ. الكنيسةُ إذَن مَدعوَّةٌ بِنظرِ البابا لا إلى أن تنعزلَ في أبراجٍ عاجيَّةٍ ولو كانت لها صفةُ القداسةِ، بل إلى مُواكَبَةِ مسيرةِ الإنسانيَّةِ في طريقِها إلى الله. إنَّها حقًّا الكنيسةُ الخادِمةُ الَّتي تَنظرُ إلى يسوعَ يَغسلُ أرجلَ تلاميذِهِ لِتَصيرَ على صورةِ مسيحِها مُرتَبِطةً بالَّذين تَحملُ إليهم فرحَ الإنجيلِ، بِمحبَّةٍ تُشبِهُ محبَّةَ المسيح.”
أضاف: “ليسَ في كلامِ البابا عن رسالةِ الكنيسةِ تَعليمٌ جديدٌ. لكنَّهُ يَحملُ نفحةً جديدةً صادِرَةً عن قلبٍ يُحبُّ ويُؤمنُ بالمحبَّةِ طريقًا مفتوحًا لإيصالِ الإنجيلِ إلى النَّاسِ. لقد أَحَبَّ الآبُ العالمَ وأرسلَ إليه ابنَهُ الوحيدَ، وهكذا الابنُ أيضًا أحَبَّ العالمَ وقدَّمَ دمَهُ فداءً عنه وكذلك الرُّوحُ أحَبَّ العالمَ وسكَنَ فيهِ لِيُلهمَهُ الإيمانَ والعزمَ وينفخَ فيه الرَّجاءَ. وإذا كان الأمرُ كذلك فلن يكونَ لنا نجاحٌ في تجسيدِ حضورِ المسيح في العالمِ ما لم نُحِبَّ هذا العالمَ على صورةِ المسيحِ محبَّةً تَذهبُ بنا إلى الغايةِ. هكذا تَتجدَّدُ كنيسةُ المسيح عبرَ المحبَّةِ وعبرَ تَغليبِ روحِ الرِّعايةِ فيها على روحِ الوظيفةِ وحتَّى على روحِ التَّنظيمِ الإداريِّ.”
وختم سيادته بالقول “إنَّه كلامٌ مُوجَّهٌ إلى الشَّعبِ المسيحيِّ بأسرِهِ في التزامِهِ دَورَ الخميرةِ الصَّالحةِ في عجينِ العالمِ. لكنَّه مُوجَّهٌ بِخاصَّةٍ إلى الأساقفةِ والكهنةِ وكلِّ خدَّامِ الشَّعبِ في الكنيسةِ. إذْ عليهم تقعُ مسؤوليَّةٌ خاصَّةٌ في دَورِ الرِّعايةِ الَّتي فيها يُشاركُونَ المسيحَ راعي النَّفوس. فيتوجَّهُ البابا إليهم لِيَقولَ لهم أنَّ على الأساقفةِ أن يَسيرُوا قدَّامَ أبرشيَّاتِهِم لِيدلُّوها على طريقِ المسيح، وعليهم أيضًا أن يَسِيرُوا في وسطِ شعبِهِم لِيَعرفُوا مِحَنَهُ ويُقَاسِمُوهُ شظفَ عيشِهِ، كما عليهم أيضًا أن يَسِيرُوا وراءَ شعبِهِم لِيَحملُوا المتأخِّرين منهم في السَّيرِ ويُساعدُوهُم على تكملةِ الطريقِ. ثمَّ يُقفلُ البابا هذا الفصلَ الأوَّلَ من رسالتِهِ بِتَوصيَةِ الكنيسة أن تَبقَى بيتًا مفتوحًا لِلجميعِ فلا يَكونُ أحدٌ في غربةٍ حِيالَها ولا في وَضعِ انفِصالٍ، لأنَّ محبَّةَ المسيحِ لا تَستَثنِي من النَّاسِ أحدًا.”
الأب دكاش
ثم كانت مداخلة البروفسور الأب سليم دكّاش اليسوعيّ جاء فيها:
“فرح الإنجيل” هو أطول إرشاد رسولي كتبه حبر أعظم في تاريخ الإرشادات الرسوليّة وهو أشبه بموسوعة تتناول كلّ ما يتعلّق بإعلان بشرى الإنجيل شكلاً وتوجيهًا ومضمونًا وعقيدةً ! صحيح أنّ النصّ طويل نسبيًّا إلاّ أنّ قراءته تبيّن أنّه كُتبَ بالسهل الممتنع وأنّه تناول القضايا الأساسيّة التي تهمّ رسالة المؤمن المسيحي وأنّ مضمون الإرشاد تمّت صياغته بشكل هندسي في خمسة طوابق مرتبطة ببعضها البعض.”
تابع:”واستوقفنى عند قراءتي للرسالة من القسم الرابع الذي يبدأ كالتالي : “إعلان البشرى بالإنجيل هو جعلُ ملكوت اللـه حاضرًا في العالم. وأودّ أن أشاطركم في هذا الفصل اهتماماتي بالنسبة إلى البعد الاجتماعي للبشرى بالإنجيل” (هم 176). فهذه الفكرة الأساسيّة التي تصدّر هذا الفصل يطوّرها الإرشاد في أربعة محاور هي التالية : إنعكاسات الكرازة الاجتماعيّة، (Kerygma) حيث إنّ لا اعتراف إيماني من دون التزام اجتماعي، ومن دون الاقتناع بأنّ الملكوت الذي حقّقه الابن يسوع المسيح على الأرض هو ملكوت التوبة والمحبّة والمصالحة، والتضامن البَشري هو الذي يدعونا لأنّ نكمل مسيرة هذا الملكوت وكذلك لا اعتراف إيماني من دون التعرّف إلى أساسيّات تعليم الكنيسة حول القضايا الاجتماعيّة.”
أضاف:”ويشدّد قداسة البابا في هذا الإطار على أنّ الإيمان المسيحي ليس مجرّد تصديق باللسان أو اقتناع عقلاني أو تعلّق ذي طابع روحاني، بل قبل أي شيء هو أعمال فاعلة لتحقيق مبادئ الأخوّة والعدالة والسلام والكرامة.” وهذه الأعمال ليس من شأنها تهدئة ضميرنا الذي يدفعنا على عدم القيام بأفعال المحبّة فلا نقوم بها وليس مجرّد أعمال “على البطاقة”، بل هي أعمال لا بدّ أن يكون لها تأثير على الحياة الاجتماعيّة والوطنيّة بحيث يبدو المسيحي، من خلال هذه الشهادة لإيمانه، علاقة رجاء بين البشر ومن خلالهم، خصوصًا أن العالم اليوم تطبعه الكثير من القضايا الاجتماعيّة الخطيرة أقلّها الفقر والبؤس، والعنف وانتهاك الكرامات، والاقتصاد الذي يدمّر المجتمعات بدل العمل على تطويرها وتمتينها.
وأضاف “طالما لم يتمّ إلغاء الاقصاء الاجتماعي وعدم المساواة الاجتماعيّة في المجتمع وبين مختلف الشعوب فسيكون من المستحيل استئصال العنف”.
تابع: “وبعد أن يذكّر البابا بأهميّة التضامن الاجتماعي مع الفقراء وبسماع أصوات الشعوب الفقيرة كلّها ومع الرجاء بأن يحلّ ازدهار للجميع سواسية وأن يسمح الأجر العادل للناس أن يبلغوا الخيرات الضروريّة، يشير البابا إلى أنّنا أحيانًا نبدو قساة القلب والفكر، ننسى نتلهّى ونعجب بقدرات الاستهلاك الهائلة، وذلك يُحدث بعض الاختلال الذي يصيبنا كلّنا ولا نشعر بآلام الفقراء ولا نرى أسباب معاناتهم.”
أضاف: “ويضيف قائلاً “أسأل اللـه أن يزداد عدد السياسيّين القادرين على الدخول في حوار صحيح يتوجّه بفاعليّة إلى معالجة الجذور العميقة، لا فقط مظهر مصائب عالمنا ! السياسة المندَّد بها هي دعوةٌ في غاية النبل، إنّها أحد أشكال المحبّة الأثمن، لأنّها تسعى للخير العامّ”.
تابع: “من هنا يدعو البابا إلى الاعتناء بسرعة العطب وإلى تغليب الخير العام بهدف تحقيق السلام الاجتماعي ، مغلبًا الحوار الاجتماعي على أي أمر آخر، داعيًا إلى الاهتمام بإنشاء مسارات الحوار والصداقة والمحبّة والعدالة بدل الاهتمام بالسيطرة على المساحات. فالتاريخ البشري هو تاريخ محبّة قبل أن يكون تاريخ حروب ونزاعات، ولذبك لا بدّ من الدعوة إلى تعزيز روح الوحدة بشكل عملي بدل تأجيج الصراعات والنزاعات.”
أضاف: “والواقع أنّ الإرشاد ينتقد الواقع الاجتماعي الاقتصادي انتقادًا شديدًا إلى حدٍّ قال البعض أنّ البابا صار اشتراكيًّا أو متأثّرًا بلاهوت التحرير. الإرشاد ليس وثيقة أيديولوجيّة أو سياسيّة وهو بعيد كلّ البعد عن الدعوة للعنف، لا بل إنّه يدين العنف في حين أن بعض لاهوت التحرير كان يعتمد العنف وسيلة إلى قلب الرأسماليّة وحكوماتها، أمّا البابا فهو يدعو إلى الحوار لكن ضمن الموقف النقدي الذي يحمل قضيّة يدافع عنها باسم المسيح.”
أضاف: “والحوار بين الإيمان والعقل والعلوم يشكّل جزءًا من إعلان البشرى بالإنجيل الذي يعزّز السلام. الفلسفة الوضعية لا تقيم للإيمان شأنًا. أمّا الكنيسة فتقول إنّ الإيمان لا يهابُ العقل لا بل إنّه يبحث عنه ويثق به، كيف لا، والعقل البشري هو عطيّة من اللـه، ونور الإيمان ونور العقل هما من اللـه ولا يمكن أن يتناقضا. ما يهمّ هو أن يحترم العقل الكائن البشري وقيمته السامية في جميع مراحل وجوده وكذلك يحترم الإيمان الذي يرفع الكائن البشري حتّى السرّ الذي يسمو الطبيعة والعقل نفسه. الكنيسة تعترف بطاقة العقل وقيمة العلوم. وعندما تتقدّم العلوم بطاقة العقل البشري، ويعلن العقل أحكامه العلميّة فالإيمان لا يناقضه.”
تابع: “وهناك أيضًا الحوار المسكوني بين الكنائس المسيحيّة هو التزام من جانب الكنيسة، ولأنّ يسوع المسيح يدفع الكنيسة إلى أن تعلن الإنجيل إلى مئات الملايين الذين لم يصل إليهم نور المسيح، فلا بدّ أن يتقدّموا نحوهم موحّدين وهذا يسهّل قبول الإنجيل. فالحقائق النفسيّة التي توحِّد هي أسمى من كلّ الأمور التي تفرّق المسيحيّين بعضهم عن البعض الآخر. “
وأردف:”يدعو قداسته إلى حوار مفيد مع اتباع الدين اليهودي من حيث الدعوة إلى قراءة النصوص البيبليّة سويّة التعاون في تعميق ثروات الكلمة وتقاسم العديد من القناعات الخلقيّة المشتركة. ومع الأديان وخصوصًا المسلمين، يدعو قداسته إلى حوار منفتح يقوم على أنّ لكلّ فريق قناعاته الأساسيّة وعلى أنّ هذا الحوار هو شرط أساسي للسلام في العالم. وكذلك فإنّ هذا الحوار هو حديث عن الحياة البشريّة، فنتعلّم قبول الآخرين في طريقتهم المختلفة في الكيان والتفكير والتعبير. ويقول عن العلاقات مع المسلمين مذكّرًا بما قاله المجتمع الفاتيكاني الثاني من بعض القرابة الروحيّة والعقيديّة بين المسيحيّين والمسلمين.”
أضاف: “ويدعو الإرشاد إلى تنشئة المتحاورين فيكونوا متأهّلين في هويّتهم الخاصّة وقادرين على التعرّف على قِيَم الآخرين وكذلك ما هو مشترك بينهم. ويقول أيضًا خاتمًا :” أطلب بتواضع إلى الدول [الإسلاميّة] أن تضمن حريّة المسيحيّين لكي يستطيعوا أن يقوموا بعبادتهم ويعيشوا إيمانهم، آخذين بعين الاعتبار الحريّة التي يتمتّع بها المسلمون في الدول الغربيّة”!
وختم قائلاً: ” إنّ الإرشاد يدعو إلى الإعلان عن الإنجيل لأنّ هذا الكتاب يتحدّث عن مثال ونموذج اسمه يسوع المسيح وبالتالي يدعو إلى الكرازة بفرح الإنجيل الذي يحرّر الإنسان من مختلف عبوديّاته ويزرع في حياته قوّة الرجاء، وطاقة المحبّة.”
وأختتمت الندوة بتوزيع الإرشاد الرسولي على جميع الحاضرين.