عقدت ظهر اليوم ندوة صحافية في المركز الكاثوليكي للإعلام، بدعوة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام عن “الرحمة في الكتاب المقدس”، لمناسبة الأسبوع البيبلي الثالث، وموضوعه الرحمة، من 15 الى 21 تشرين الثاني، ويحتفل بصلاة الافتتاح البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، السبت 14 تشرين الثاني الساعة الحادية عشرة قبل الظهر في الصرح البطريركي في بكركي.
وتتخلل الأسبوع محاضرات بيبلية وندوات في المركز ونشاطات في المدارس الكاثوليكية، ويختتم بلقاء مع الشباب الجامعي في العمل الرعوي الجامعي يوم الأحد 22 من الشهر المقبل.
شارك في الندوة رئيس أساقفة بيروت للموارنة رئيس اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام المطران بولس مطر، متروبوليت بيروت وجبيل وتوابعهما للروم الكاثوليك، المطران كيرلس سليم بسترس، مدير المركز الكاثوليكي للإعلام الخوري عبده أبو كسم، منسق الرابطة الكتابية في الشرق الأوسط الأب بيار نجم، ومهتمين.
مطر
بداية رحب مطر بالحضور وقال: “نعقد الاجتماع الثاني من سلسلة ثلاثة اجتماعات تحضر للأسبوع البييلي الثالث للكتاب المقدس، ونشكر الله على أننا في هذه المبادرة نكون قد حققنا رغبة للبابا بنديكتوس الذي طلب منا أثناء انعقاد سينودس الشرق الأوسط أن يكون في بيوتنا في كل بيت كتاب مقدس وأن نعقد لقاء سنويا حول الكتاب المقدس. وها نحن في لبنان نتمم هذه المقاصد الشريفة”.
بسترس
ثم كانت كلمة المطران بسترس “من العدالة إلى الرحمة ومن الشريعة إلى النعمة”، ومما جاء فيها: “أساس العدالة هو المساواة الجوهرية بين جميع الناس. فجميع الناس هم خلق الله وبالتالي أبناء الله، وتحق لهم العدالة والمساواة في المعاملة. يقول المجمع الفاتيكاني الثاني في الدستور الراعوي: “إن جميع البشر الذين خلقوا على صورة الله وتزينوا بنفس عاقلة ينتمون إلى الطبيعة نفسها ويتحدرون من الأصل ذاته. إنهم ينعمون جميعهم بالدعوة ذاتها وبالمصير الإلهي ذاته لأن المسيح افتداهم. فيجب إذا أن نعترف دائما بالمساواة الجوهرية فيما بينهم وبمزيد من التعمق”.
وأضاف: “من المؤكد أن كل الناس ليسوا متساوين بقواهم الجسدية المختلفة، ولا بقواهم العقلية والأدبية المتنوعة. غير أن كل نوع من التمييز يتناول حقوق الإنسان الأساسية، إجتماعية كانت أم ثقافية، سواء إرتكز على الجنس واللون والعرق وعلى الوضع الإجتماعي أو اللغة، أو الدين، يجب أن يتعدى ويلغى لأنه مناف لتصميم الله. والحق يقال إنه لمن المحزن أن نتأكد أن هذه الحقوق الأساسية، حقوق الإنسان، لمْ تحترم بعد في كل مكان. أليست هذه هي الحال عندما تحرم المرأة حق إختيار زوجها بملء حريتها، أو تختار طريقة حياتها أو أن تحصل على تربية وثقافة تشبهان التربية والثقافة المعترف بهما للرجل؟”
وتابع: “الرحمة تتجاوز العدالة. ففيما العدالة تعطي كل إنسان ما يحق له بحسب مبدأ المساواة بين العمل والمكافأة، تتخطى الرحمة هذه المساواة وتعطي الإنسان أكثر مما يحق له. وأفصح برهان على ذلك مثل عمال الساعة الأولى والساعة الحادية عشرة. فجميعهم أخذوا دينارا، على الرغم من أن عمال الساعة الحادية عشرة لم يعملوا إلا ساعة واحدة فيما عمال الساعة الأولى تحملوا تعب النهار كله.
وكذلك مغفرة الخطايا هي رحمة. فالله لا يحاسب الإنسان بحسب مبدأ المساواة بل بحسب مبدأ الرحمة: إن عدالة الله رحمة. ويطلب يسوع أن يكون الناس رحماء على مثال الله: “كونوا رحماء كما أن أباكم هو رحيم”.
وقال: “يطلب البابا فرنسيس أن تتجسد هذه الرحمة بشكل واقعي في أعمال الرحمة السبعة التقليدية، والواردة معظمها في مثل الدينونة العامة: “إطعام الجائعين، إرواء العطاش، إكساء العريانين، إيواء الغرباء، عيادة المرضى، زيارة السجناء، ودفن الموتى. ويضيف قداسته أعمال الرحمة الروحية السبعة: إرشاد الضالين، تثقيف الجهال، تنبيه الخطأة، تعزية المحزونين، مغفرة الإساءات، احتمال الأشخاص المزعجين، الصلاة من أجل الأحياء والأموات”.
الأب نجم
ثم كانت كلمة الأب بيار نجم عن “الرحمة الإلهية في العهد القديم”، فقال: “من الصعب، لا بل من عدم المنطق الكلام على الرحمة في زمن بات فيه العنف سيدا، والدم عادة، والأنانية نمط حياة. في زمن يهمش فيه الفقير، والضعيف والموسوم بصفة، بخطأ أو بخطيئة”.
أضاف: “من الجنون البحث عن معنى الرحمة في الكتاب المقدس، والمحبة نظنها نظرية، والتعاضد خسارة والالتفات نحو الضعيف هدرا للطاقات وللموارد. وعن أي رحمة إلهية نتكلم والإنسان يعود إلى مجاهل الجاهلية: أبرياء يذبحون، مدن تحرق، شعوب تشرد، وأجساد الأطفال تبتلعها مجاهل الهجرة غير الشرعية وبحار قلة الأكتراث؟”
وقال: “إن الرحمة الإلهية لا يمكنها أن تنفصل عن منطق الخروج، إفراغ الذات والإنطلاق نحو المختلف، عن بذل الذات في سبيل الآخر وسعادته، لتكون له حياة جديدة ومعنى جديد. والكلمة الأكثر قدما واستعمالا في النص العبري للعهد القديم هي Rehamim، وهي تعني حرفيا الأحشاء، الرحم، حيث الأم تحضن طفلها منذ لحظة تكونه. والثانية المستعملة هي hesed وهي كلمة ترتبط دوما في نصوص العهد القديم ب Rehamim كمرادف وكصفة لصيقة تشرحها، والفرق بين hesed وRehamim هو أن الأولى تعبر عن شعور إرادي غير تلقائي، تنتج من قرار حر واختياري يستتبعه عمل، عمل يتجلى بالرحمة، المغفرة والشفقة”. “ونجد ثلاث عبارات أخرى في العهد القديم: hanan أي إظهار شفقة ورحمة? Hamal وhus وتعني إظهار تعزية والعفو عن العدو.
من هنا نفهم أن المكان الطبيعي للكلام على الرحمة الألهية هو في إطار الشر والظلم والضعف والخطيئة والخيانة”.
وختم “قصة رحمة الله لشعبه في العهد القديم هي قصته مع كل واحد منا، هي صورة خيانتنا تجد غفرانها في رحم الله، هي صورة جراحنا تجد شفاءها عبر اللمسة الإلهية تبلسمها، هي قصة خوفنا يبيد حين تتجلى قوة الله برحمته ليعلن أن الإنسان ليس وحده. فتتجلى عدالته كاملة، أمينة، تسعى لأن ترحمنا، لتكون لنا الحياة، وليكون وجودنا بأسره نشيد إعلان لمراحم الرب غير المتناهية”.
الأخت الخوري
ثم تحدثت الأخت باسمة الخوري عن “الرحمة في العهد الجديد”، وقالت: “طوبى للرحماء فإنهم يرحمون. فإن الله يرحمهم. هذه التطويبة التي نقرأها مع سائر التطويبات في بداية العظة على الجبل، تحدثنا عن فضيلة الرحمة التي تقف بجانب الوداعة والسلام. كما تحدثنا عن رحمة الرب التي تعطى بغزارة للذين شاركوا الرب في رحمته وحنانه. فالرحمة أصلا تعود إلى الرحم، إلى الحشا الذي فيه يتكون الولد وينمو. فالرب هو أب وأم تتحرك أحشاؤه أمام البؤس الذي يطال أيا من أولاده”.
ثم شرحت الخلفية اللغوية للرحمة في العهد الجديد عبر ثلاث كلمات: الأولى الرحمة على أنها تعاطف مع الآخر الذي يعرف الشقاء، الثانية هي الحشا. والفعل الذي يرتبط بهذا الاسم: تحنن، أشفق، والثالثة هي الفعل رأف، وهي تدل على حرية الله السامية. وقالت “رحمة الله في العهد القديم تقوم على أمانته وإخلاصه ونعمته وهي ترتبط بتجسد المسيح يسوع وفدائه”.
وأضافت: “في يسوع ظهر الطابع الشخصي للعلاقات الجديدة بين الله وشعبه. عرف الشقاء الإنساني، فجاء إلى البشر مجيء الرحمة، ولم يكتف في رحمته بأن يرى هذه الأمراض وهذه العاهات، فيرسل إليها الدواء من بعيد، بل أراد أن يلامسها، فتبنى وضعنا المحمل بالخطيئة دون أن يعرف الخطيئة.
ونتأمل كذلك ناحية ثانية من نواحي اهتمام يسوع بالشقاء البشري، هو تعامله مع الخاطئين من خلال خبر “المرأة الخاطئة”، ونكتشف قلب الله الآب بشكل خاص في مثل الابن الضال، وفي مثل العبد القاسي نتعلم كيف نعامل إخوتنا بالرحمة كما عاملنا الله”.
وقالت: “حين يعي الانسان أنه بائس خاطئ ينكشف له في الوقت عينه وجه الرحمة التي لا حدود لها. الله ليس ذاك الذي يطلب الخاطئ لكي يعاقبه على خطاياه، بل هو من يبحث عن الخاطئ معتبرا إياه “خروفا ضالا” يعامله بالحنان ويعيده إلى الحظيرة مع التسعة والتسعين الباقين. وإذا كان المسيح قد طلب من بطرس أن يغفر لا سبع مرات وحسب، بل سبعين مرة سبع مرات، فلأنه أراد أن يعلمه إلى أي حد يصل غفران الله ورحمته تجاه الخطأة”.
وتابعت: “يكشف العهد الجديد وجه الرحمة الالهية من خلال وجه يسوع الذي جاء من أجل المرضى والخطأة، ومن أجل الصغار. وكشف من خلال تصرفات يسوع قلب الله الحنون الذي ينتظر طويلا ليدل على فيض رحمته”.
وختمت: “طلب منا الرب أن نرحم على مثال الآب السماوي، لكي نكون حقا أولاد الآب الذي يرحم الجميع، ويريد خلاص كل بشر، فيشرق شمسه على الأبرار والأشرار. جعل من الرحمة شرطا ضروريا لدخول الملكوت، فجعل من كل إنسان قريبا للبائس الملقى على قارعة الطريق، وللخاطئ الذي سبب إليه الإساءة، وللجائع والعطشان والغريب والسجين والعريان والمريض. هنيئا لنا إن تشبهنا بإله الرحمة لأنه سيرى فينا صورته ويعلن لنا أنه يعترف بنا لأننا اعترفنا به بعدما اكتشفنا وجهه في كل وجه بشري التقينا به على طرقات الحياة”.
أبو كسم
واختتمت الندوة بكلمة الخوري عبده أبو كسم الذي سأل: “أين نحن من عدالة الله؟ عدالة الله مطلقة، أما عدالتنا فهي نسبية، وقد تكون ظرفية، وقد تكون مرتبطة بالضمير وهكذا يجب أن تكون، أو تكون مرتبطة بالمصالح، وهي في أكثر الأحيان كذلك”.
أضاف “نحن في دولة لا تعرف الرحمة، لا تعرف أن ترحم أبناءها، ربما تعرف كيف تنهم مقدرات الناس، اين هي عدالة الدولة، وإذا صح التعبير رحمتها بالعباد؟ والنفايات تملىء الأزقة والشوارع، والكهرباء شبه موجودة، فالمواطن يدفع فاتورة الكهرباء مرتين، وفاتورة المياة ثلاث مرات، وتأمين التعليم والطبابة، مسيس في المدارس والجامعات وشعب وطني جله مغبون ومظلوم”.
وختم: “نصلي من أجل كل المسؤولين المدنيين والروحيين ومن أجلنا جميعا لكي يزرع الرب الإله المحبة والرحمة في قلوبنا”.