نظم قسما “العلوم الاجتماعية” و”فنون التواصل” في “كلية الآداب والعلوم” في الجامعة اللبنانية الأميركية (LAU) ندوة تحت عنوان: “أزمة الصحافة المكتوبة في لبنان” شارك فيها المؤرخ والكاتب فواز طرابلسي والكاتب والروائي الياس خوري والصحافي حسان الزين.
واشرف على الندوة وأدارها بول طبر، وعقدت في قاعة الاساتذة في حرم بيروت.
طرابلسي
كلمة الترحيب استهلالا من طبر، ثم تحدث طرابلسي معتبرا أن “الصحافة في لبنان شركات عائلية”. وقال: أن “تاريخ الصحافة في لبنان هو تاريخ الصحافة العربية، فجريدة “الجوائب” لأحمد فارس الشدياق صدرت في ستينات القرن 19 وكان لها مراسلون، وكان الشدياق يحصل على المال من البريطانيين ومن خديوي مصر، ما دفعه الى أخذ موقف من ثورة عرابي وادى الى اقفال صحيفته”.
اضاف:”الا أن هذه الصحيفة نشأت في جو من النهضة الصحافية التي عمت بيروت في النصف الثاني من القرن 19 مع أسرة البستاني، ومن خلال هذا المعنى للصحافة بدأ يتولد صحافيون محترفون، وطبقة انتلجنسيا، هكذا انتجت الصحافة اللبنانية أول مثقفين بالمعنى الحديث.لا نعرف من كان يمول آل البستاني الا ان عددا من رجال الأعمال دعمهم.نصل الى فترة الانتداب حيث صدرت أول صحف باللغة الفرنسية وكانت انطلاقة الصحافة الاستقلالية مع الأحرار لجبران تويني. وكان الصراع البريطاني الفرنسي وبروز الوجه الاستقلالي للبنان، ولعبت بريطانيا دور الممول لبعض الصحف لفترة طويلة. ثم سعت الصحافة اللبنانية للاستقلالية عن الصحافة المصرية”.
وتابع:”دخلت الولايات المتحدة لاحقا عالم الصحافة بعد الحرب العالمية الثانية، وهناك أدلة على تمويل (CIA) عددا من الصحف والصحافيين في اطار معاداة الشيوعية. ونشأت بعد ذلك الحركة القومية العربية الحديثة مع عبد الناصر، حيث كان لأول مرة صحف تتكل على المملكة العربية السعودية وأبرزها جريدة “الحياة” التي شنت حربا على الناصرية ثم اغتيال كامل مروة.جريدة “النهار” لم تفلت من المعركة مع عبد الناصر، ومن خلال المنافسة نشأت جريدة “المحرر”، ثم كانت الحروب الاذاعية في الدعاية الرسمية للنظام المصري من اذاعة صوت العرب لاحقا.وتعددت المصادر الداعمة في مرحلة الستينات وان لم تكن هناك ميزانيات ضخمة وسوق كبيرة، ووفدت ليبيا والعراق وسوريا وإن بشكل أقل وبدأت الضغوط والاغتيالات وفي المقدمة النقيب رياض طه.ثم كان دور منظمة التحرير الفلسطينية، والاساس في كل ما كان يحدث هو ان الصحافة العربية فكانت تنطلق من لبنان وتملأ فراغ الصحافة العربية الرسمية، وكان هناك أيضا صحافة حزبية، أبرزت وجهات نظر معارضة”.
وقال:”المرحلة الفاصلة كانت بين الحرب وما بعد الحرب، صارت الصحافة مقتصرة على السوق اللبنانية، وكان هذا الانحسار بمثابة المقتل، من حيث الانتشار (10 آلاف نسخة فقط) ومن حيث سوق الاعلانات ما أدى لنشوء الصحافة المغتربة.كان القسم الأكبر للصحافة مقيد بتمويله، وهذا لا يخفف من جهود ومواهب ودأب وتضحيات الصحافيين اللبنانيين انما يسمح بالقاء ضوء على ما جرى بعد الحرب، حيث انتهى دور الصحافة الموجهة للاعلام العربي مع نشوء مؤسسات بطاقات استثنائية مثل “الحياة” و”الشرق الأوسط”، ناهيك عن التلفزيون”.
خوري
بدوره اعتبر خوري ان “اهم ما انجزته الصحافة أواخر القرن 19 هي الرواية.فلقد ترجمت الصحافة الروايات وافسحت لها في هذا المجال، واستمر هذا التراث حتى اوائل السبعينات مثل نجيب محفوظ في “الاهرام” مع محمد حسنين هيكل.بالأمس سألت طلابي كم منهم يقرأ صحيفة، وتبين لي ان لا احد يقرأ. ولهذا دلالات كبيرة لانه يعبر عن موت الحركة الطلابية. نحن كنا مستقلين عن الاحزاب، والاحزب اليوم امتداد للسلطة، وهذا يعني ان لا سياسة اليوم في لبنان. هناك انهيار للسياسة في لبنان وللأخلاق. هناك ازمة والصحافة احدى مرايا المجتمع وهذا يعني ان المجتمع في ازمة، هناك ازمة حتى في التلفزيون”.
وتابع: “لا وجود لنقابة فصلية في لبنان، فنقابة المحررين يعينها عمليا اصحاب الصحف، ونقابة الصحافة وظيفتها تأمين الفلوس وتوزيعها، ونقيب الصحافة صاحب مجلة، مؤسف ما تعرضه على غلافاتها.البنى الداخلية للصحف متخلفة وعائلية وتعتمد التوريث وهذا يناقض مشروع الصحيفة وفلسفتها ما يدفع بها الى التقهقر”.
وقال:”ننسى امرين: ان حريتنا الإعلامية كانت نتيجة التمويل المتضارب، هذه الصحيفة تمول من دولة ما فتشتم دولة معادية لها، وهكذا دواليك، ما خلق لنا فرصة للاطلاع على وجهات نظر مختلفة. هذا ما استطاعت الصحافة اللبنانية فعله في الخمسينات والستينات ما انتج حركة ثقافية كبرى في البلاد.كانت الصحافة اساس الفورة الثقافية وهنا نعترف للنهار وصفحتها الثقافية بدورها الريادي مع غسان تويني وانسي الحاج. اليوم انتهى التمويل المتضارب، الطبقة السياسية مهترئة، صحافيونا المقتدرون غادروا الى حيث المنفعة اكبر، وما عاد هناك حاجة عند هذه الدول لتمول ابواقا لها. واتت كارثة التمويل لتفضح هشاشة البنية الصحافية اللبنانية”.
الزين
ثم تحدث الزين الذي قال: “تبين ان ازمة الصحافة هي ازمة ورق، سواء اكان ابيض او اصفر او حتى اخضر وهو ورق التمويل.هناك ازمة مؤسسات إعلامية، اصابتها مشكلة الاستمرار والتوريت.انا عايشت الازمة منذ سنة 1994، كان همنا اجراء تحقيقات والتسليط على هموم كبيرة. في هذه الفترة افسد المال الصحافيين وبدأ عمل المال السياسي. بعد 5 سنوات او اكثر، قبيل عام 2000، بدأت الصحف تتعايش مع التكنولوجيا والكمبيوتر، وبدأ الإرتباك عند الصحافيين وما لبث ان صار جزءا من وضعهم. كان هناك مشكلة في العلاقة مع التكنولوجيا وبدلا من ان نرى ان المستقبل هو التكنولوجيا صارت الصحافة تعتبرها نقيضا لها وبدت كثير من المؤسسات غير قادرة على التطور لتصير صحافة “أونلاين”.
اضاف: “هذه أسوأ مراحل الصحافة مهنيا، استمرت الصحف على جهودها، وحل التلفزيون ضيفا، وكان اغتيال الرئيس الحريري وانقسمت الصحف سياسيا كما المجتمع حتى وصلنا الى فقدان المعايير الصحافية”.
وطنية