اهتم بطليموس الثاني بترجمة التوراة من العبرية إلى اليونانية؛ (الترجمة السبعينية) المعروفة Septuagint، والتي تعتبر أهم وأشهر ترجمة للعهد القديم من العبرية إلى اليونانية… وكان سمعان الشيخ أحد السبعين شيخًا الذين قاموا بعملية الترجمة… وقيل أنه خشي أن يترجم كلمة (عذراء) فاستبدلها بكلمة (فتاة) إذ دخله الشك؛ كيف يمكن لعذراء أن تحبل وتلد؟؟!! وفي الليلة عينها رأى حُلمًا؛ وأُوحي إليه : أنه لن يعاين الموت حتى يرى عمانوئيل هذا مولودًا من العذراء (مسيح الرب).
فعاش قرابه ٣٠٠ سنة حتى كَلَّ بصره؛ إلى أن جاء يوم دخول السيد الرب هيكله… حيث جاء سمعان وحمل المسيح على ذراعيه؛ وللوقت أبصر عندما حمله؛ وطلب أن ينطلق بسلام إلى راحة الأبد؛ بعد أن رأى خلاص الرب… حمل القدير على يديه بعد أن جازت عليه الأيام والأجيال، وشاخت هيئته وكلَّتْ عيناه منتظرًا مجيء رب الهيكل. وهناك أبصر وشهد لمشتهى الأجيال وسيد الأزمان والدهور؛ الذﻱ أبقاه حتى يتحقق ويبصر وينال وعد الحياه الدائمة؛ ببصيرة مفتوحة لإدراك سر الخلاص العجيب.
وعندئذٍ تهللت نفسه الخائرة بتعزية إسرائيل ورؤية المسيح (أبصرتا خلاصك)؛ حاملًا على يديه مَنْ تحمله الرتب الشاروبيمية؛ نائلاً للبركة الإلهية التي لا توصف؛ حيث الأصغر هنا هو الذﻱ يبارِك الأكبر.. الطفل الإلهي يبارِك الشيخ ويبارِك العالم كله؛ وقد علم سمعان أنه هو السيد. لذا خاطبه قائلاً بوقار الشيخ المتيقن : “الآن يا سيدﻱ أطلقْ عبدَك بسلام حسب قولك لأن عينيّ قد أبصرتا خلاصك الذﻱ أعددته قدام وجه جميع الشعوب؛ نورًا تجلىَ للأمم؛ ومجدًا لشعبك” (لو ٢ : ٢٥).
لقد تأكد أنه المخلص الموعود؛ واكتحلت عيناه ككاهن ونبي برؤية وحمل الرب على ذراعيه… فسمعان الذﻱ يعني اسمه (المستمع) و (المطيع)؛ أبصر السيد وتحرر من سجن الجسد وتفككت رباطاته .
إنه لم يأتِ إلى الهيكل اعتباطًا أو مصادفة؛ بل مُنقادًا بروح الله؛ فضم المسيح إلى صدره ولمس خلاصه كسيد وكمخلص وكنور للعالم و”مجد للشعوب”؛ لأن شيخوخة البشرية لا تستطيع أن تخلِّص الإنسان؛ لا بالمؤسسات ولا بالشرائع والعبادات النافلة؛ إنما باللقاء الحي الشخصي مع المسيح؛ وحمْله في الداخل لرؤية الخلاص البهيج وقبوله؛ ومِنْ ثَمَّ الانطلاق لحيث ما هو فوق، فتكون الحياة حرة مستترة فيه.
عندما نأتي إلى الهيكل ونركض لنلاقي رب الهيكل؛ ونحمله معنا ونبارك اسم خلاصنا؛ ثم نقدمه للعالم ، ونشهد لخلاصه من حولنا، وننعتق من سجننا وعَمَانا؛ منطلقين فوق شيخوختنا وموات الزمان… ذلك هو ما يتحقق اليوم في كل قداس؛ عندما يحمل كل كاهن هذا الخلاص على يديه ليقدمه للمؤمنين؛ ويصير كل مؤمن أيضًا حاملًا للمسيح في داخله؛ مع الكاهن ومع حَنَّة النبية التي عاينت الخلاص المقدم للرجال والنساء وللجميع بلا تمييز.
إن هذا اللقاء هو لقاء الناموس مع واضعه؛ لقاء العهد القديم بالجديد.. لقاء النبوات بواضعها ومحقق كمالها (مكمِّلها)… لقاء انطلاق نحو المجد المنتظر مدىَ الدهور.. لقد انتهى الموت، فبحَمْلنا المسيح ومعرفته؛ ننطلق بسلام فيما بعد إلى القيامة؛ (أطلقْ عبدك بسلام).. فلا موت فيما بعد؛ ولا هيكل قديم؛ لأن هيكلنا الجديد حوَّلَنَا إلى هياكل لحمية له، مسبِّحين تسبحة سمعان الكاهن؛ تلك التي صارت تسبحة ليتورچيه (عبادة طقسية)؛ لأننا رأينا وعاينّا خلاصك يارب؛ بوحي من ملء الروح القدس الرب المحيي..
ونرى في يوم دخولك لهيكلك كمال النبوات التي تاقت إلى خلاصك؛ وانتظرتْ لقاءك كغاية واشتياق العمر كله.. وهذا الكاهن الذﻱ هَرِم وشاخ من أجل هذه اللحظة؛ في انتظار مبني على الثقة والرجاء وحجارة الصلاة والصوم وبخور الهيكل… انتظار العطش والمواظبة والتَّوْق المترقب لكوكب الصبح الفادﻱ المنير.. شمس البر والشفاء بأجنحتها.. فرأى ما كان ينتظره ويتطلع ويرنُو نحوه؛ راكضًا حتى انطلق بسلام للنياح وميراث الخلاص.