في ذلك الزمان، وقبل أن ينتَقل يسوعُ من هذا العالَم إلى أبيه، قالَ لتلاميذِه: «السَّلامَ أَستَودِعُكُم، وسَلامي أُعْطيكم. لا أُعطي أَنا كما يُعْطي العالَم. فلا تَضْطَرِبْ قُلوبُكم ولا تَفْزَعْ.
سمِعتمُوني أَقولُ لَكم: أَنا ذاهِبٌ، ثُمَّ أَرجعُ إِلَيكمُ. لو كُنتُم تُحِبُّوني لَفَرِحتُم بِأَنِّي ذاهِبٌ إِلى الآب لأَنَّ الآبَ أَعظَمُ مِنِّي.
لقَد أَنبَأتُكم مُنذُ الآنَ بِهذا الأَمرِ قَبلَ حُدوثِه، حَتَّى إِذا حَدَثَ تُؤمِنون.
لن أُطيلَ الكَلامَ عَلَيكُم بَعدَ ذلك لأَنَّ سيِّدَ هذا العالَمِ آتٍ ولَيسَ لَه يَدٌ علَيَّ.
وما ذلِكَ إِلاَّ لِيَعرِفَ العالَمُ أَنِّي أُحِبُّ الآب وأَنِّي أَعمَلُ كما أَوصاني الآب».
*
لا يسعنا إلا أن نتوقف على طبيعة العلاقة التي تربط الابن بالآب في هذا الإنجيل. فهذه العلاقة يجب أن تطبع سائر علاقاتنا الروحية والأرضية. الابن، المساوي للآب في الجوهر، يقول عن ذاته: “الآب أعظم مني”. ما ترى معنى هذه الكلمات على لسان من يقول عن ذاته في موضع آخر: “من رآني رأى الآب”، “أنا والآب واحد”؟ هي كلمات نظرة الحب التي تجعل الأقنوم يرى قيمته فقط من خلال علاقته بالأقنوم الآخر. وهذا ما يجري في الحب، قيمة الشخص تنبع من نظرة المحبوب، من العلاقة به، من الاتحاد به. فقيمة كل منا تكمن في الحب الذي نتلقاه وفي الحب الذي نعطيه. ولذا يقول يسوع في ختام هذا الإنجيل: “لِيَعرِفَ العالَمُ أَنِّي أُحِبُّ الآب وأَنِّي أَعمَلُ كما أَوصاني الآب”. إذا ما أردنا أن نبسط فهم سر الثالوث يمكننا أن نقول: هو حبٌ مُعطى، حب يُعطي بالمقابل ومحبة متبادلة… أزلاً أبدا!
Zenit