د.إيلي مخول
نقاش يثير المشاعر
تعتبر اليوغا بالنسبة لكثيرين، جزءًا من الحياة اليومية. السؤال المطروح هو التالي:هل يمكن لكاثوليكي ممارسة هذه الرياضة التأمليّة ؟ هذا ليس واضحًا للجميع: فالأب التعويذيّ (طارد الأرواح الشرّيرة) غابرببله آمورت يذهب إلى حدّ القول أن اليوغا ممارسة “شيطانية”!
تحظى اليوغا بشعبية كبيرة في ألمانيا حيث يمارسها حاليا ما يقارب الثلاثة ملايين شخص، بحسب معلومات الموقع الإلكتروني لمؤتمرالأساقفة الألمان. لكن ليس لديها مؤيدين فقط. فلقد تناول هذا الأب التابع لأبرشية روما بطريقة انتقادية نلك الرياضة التأمليّة بقوله: “ممارسة اليوغا فعل شيطاني. يعتقد من يؤدّيها أنه يقوم بمجرّد نشاط انشراحي، الآ ان ذلك يوصل إلى الهندوسية ” وبالتالي ينأى به عن الإيمان المسيحي. صحيح أن هذا النقد ليس معمَّمًا في الكنيسة الكاثوليكية، لكننا نجد من بين الاعترافات الكثيرة أن هناك أشخاصًا يرون أن ممارسة اليوغا تشكل خطراً. من أين يأتي الخوف من هذه الرياضة المسالمة وغير المؤذية ظاهرًا؟
كثيراً ما يشير النقاد إلى أن اليوغا جزء لا يتجزأ من ديانة مختلفة، ولا يصحّ الإستهانة بها. ذلك أن هذه التمارين الجسدية هي طريقة صلاة تُرفع للآلهة الهندوسيّين، حيث تخفي وراءها عقيدة تُنكرعمل الله ونعمته: فلن يحتاج المرء بعد الآن إلى وجوده ولفعل الروح القدس الخيّر، بل يستطيع أن ينقذ نفسه من خلال ممارسة مثل هذه الأنشطة التي تهدف إلى توحيد الروح والجسد وتحريره من دائرة التناسخ. وعليه نقول انه بستحيل الجمع بين هذه الممارسة الروحية والإيمان بيسوع المسيح الذي قام من بين الأموات وافتدى البشرية جمعاء مقدّما لها الخلاص والسعادة.
إذا تعاملنا مع هذا السؤال من وجهة نظر تاريخية، يصحّ القول أن اليوغا تأتي مباشرة من الثقافة الهندية ولها صلة واضحة بالهندوسية.
اليوغا
اليوغا هي تقنية تهدف إلى تحفيزالتأمل من خلال حركات رياضية وعمل التنفس. الشكل السائد في الغرب ليس سوى جزء من هذا التقليد. في الهند، تعتبر اليوغا حكمة تساعد على التناغم بين الجسد والروح والعقل. والحال أن ثمّة طرقًا عديدة لممارستها. فيمكن اعتبارها مهمّة فكرية أو عملا مترفّعًا يفوّض به المرء الى الله أو كطريق تأملي له ثماني خطوات. ونشكّل اليوغا كرياضة الخطوة الثالثة في هذا المسار الذي يؤدي، في التقليد الهندوسي، إلى الإستضاءة العقليّة.
هل هناك يوغا مسيحية؟
الموقف الرسمي للكنيسة ليس واضحًا تمامًا: فمن ناحية، وفي عُرف المجمع الفاتيكاني الثاني، تحترم الكنيسة سائر طرق البحث عن الله الناجمة عن سواها من التقاليد. من ناحية أخرى هي تحذّر من خطر توقّع الكثير من التأمّل والصلاة، مما يجعلها نوعًا من الممارسة السحرية والوثنية. كما ان الخلط بين الممارسات المسيحية والوثنية يمكن أن يؤدي أيضا إلى اضطراب في العلاقة مع الله.
مع ذلك، وبسبب شعبية هذه الرياضة والثمارالتي يمكن أن تحملها على الصعيد الروحيّ ، يتم بذل جهود حثيثة من قبل رجال الكنيسة والعلمانيّين لتطوير يوغا مسيحية بالروح.
في الولايات المتحدة، يلتقي الأب اليسوعي بوب كارل بانتظام مع العديد من الشباب في كنيسة صغيرة لمراجعة حركات وأوضاع جسدية من مقوّمات اليوغا وذلك بتطويرعلاقة شخصية مع الله.
هو لا يفعل هذا لمجرّد تعبئة كنيسته: بالنسبة البه، يمكن أن تكون اليوغا وسيلة لتقريب المؤمنين من الله. “إن المزج بين تمارين القديس إينياس الروحية واليوغا يهدئ الأجساد والنفوس، ما يتيح لهم فهمًا أفضل لارتعاشات أرواحهم الداخلية وتوجيههم نحو المسيح”. إذن هو يرى قي اليوغا وسيلة لتسكين الجسد وتهيئته للصلاة.
إعتباراليوغا طريقة للتضرّع الى المسيح بالجسد
نجد حالة مماثلة للكاهن الكاثوليكي الألماني ماركوس طوم Thomm Markus. هو يدير الخلوات ويدرّب في الوقت نفسه على اليوغا. برأيه أنه يمكن تماما الاستفادة من الكنز الذي تمثّله تلك الممارسات من خلال اهتدائهم وتبشيرهم بالإنجيل. هذا هو الموقف الذي اتبعه المسيحيون، على سبيل المثال، تجاه الفلسفة اليونانية بحثا عمّا يمكن أن يستفيدوا ويتعلّموا منها، مع تحويلها الى المسيحية. هنا، برأي هذا الكاهن، من الضروري وضع حدود: إذ يجب ألا يغيب عن بالنا أبدًا أن الهندوسية تختلف تمامًا عن المسيحية في علاقتها بالله.
قد يكون هناك بالنسبة الى المسيحيين خطرعلى وحدة الوجود والرغبة في الانصهار في العناصر الطبيعية، بحيث يجري استبعاد وجود المسيح المحيي والفعل الحقيقي للروح القدس. هنا، على العكس من ذلك، يتعلّق الأمر بالنظر الى اليوغا كطريقة للتضرّع الى المسيح عن طريق الجسد. من أجل ذلك، لا بدّ من جعله حاضرا والعمل على إطلاق يوغا مسيحية خالصة يكون فيها المسيح في المركز. بذلك يمكن ابدال المانترا (الترانيم، الحكم) الهندوسية بآيات من الكتاب المقدّس أو الأغاني التأمّلية. ممارسة اليوغا؟ نعم ، إذا شعرنا أنها تثري علاقتنا بالله وتسهّل الصلاة. وهذا ما لم ينكره الرسول بولس، إذ يقول في الرسالة إلى أهل تسالونيكي (5، 21): “اختبر كل شيء؛ تذكّر ما هو جيد “.