مع بداية شهر ايلول وانتهاء العطلة الصيفية، تبدأ التحضيرات للعام الدراسي الجديد، فتعود الحياة الى الصروح الاكاديمية وتنعقد الاجتماعات الادارية وتنظم البرامج والاسس التعليمية، لكن الهم الاكبر يبقى لدى “ابو العيلة” هل سيصار الى زيادة الاقساط وأسعار الكتب هذا العام؟
بين الامس واليوم تبدلت اساليب وطرق وكلفة التعليم. قديما أبحر اول حرف هجائي من شواطئنا، وقبل اربعمائة عام طبع اول كتاب عربي في جبالنا، ولمع نجم عباقرة في سماء الوطن والمهجر ما زال ذكرهم يملأ الكتب والاذهان. فالاديب مارون عبود تخرج من مدرسة تحت السنديانة في قريته عين كفاع، وغيره الكثير تعلموا فك الحرف وجدول الضرب على وقع صوت قضيب الرمان في يد معلم صارم، اما بدلات التعليم فكانت تدفع من غلة الموسم، إما بضعة ارطال من القمح او التين المطبوخ او حتى الصابون البلدي او زيت الزيتون الصافي.
اليوم، دخلت التكنولوجيا عالمنا والأجيال سارعت الى الانخراط في مجالها ولا سيما في المدارس الخاصة والجامعات والمعاهد المهنية، فباتت اسس التعليم ترتكز على الحاسوب لجهة اللوح المبرمج اي ال TABLEAU INTERACTIF، واللوح الرقمي “ايبيد” والحاسوب المحمول “لابتوب” وغيره، بحيث تصل المعلومات والواجبات الى المتلقي بشكل واضح وسهل ومن دون اي عناء يذكر، فما عليه إلا أن يضغط باصابعه على الشاشة الألكترونية لتصله كل الدروس بثوان معدودة، وطبعا كل ذلك مقابل مبالغ مالية كبيرة تقتطع من جيوب المواطن.
الاقساط
الاقساط المدرسية لهذا العام، ورغم تأكيد المسؤولين التربويين عدم زيادتها، ورغم امكانية التقسيط الشهري ودراسة اوضاع بعض الحالات الصعبة، فانها تصل في احدى المدارس في صفوف الروضة الاولى والثانية الى حوالى خمسة ملايين ليرة لبنانية، والتمهيدية ما بين خمسة وستة ملايين ليرة لبنانية، والصفوف الأساسية ما بين الستة والستة ملايين ونصف المليون ليرة، اما الصفوف الثانوية فتبدأ من ستة ملايين ليرة وتنتهي بسبعة ملايين ليرة لبنانية.
اضافة الى القسط الدراسي تضاف تكاليف الزي المدرسي الموحد، والثياب الخاصة بالرياضة الصيفية والشتوية الى وجبات الطعام الالزامية والنقل المشترك الخاص المعتمد في المدارس الخاصة، الى الدفعات الاضافية للمعلوماتية وتكلفة بطاقات التأمين الصحية وساعات الترفيه من رقص الباليه والعزف على الآلات الموسيقية والرياضات القتالية كالتيكواندو والجودو والكاراتيه الى العاب الكرة بانواعها المتعددة وصولا الى الرسم والخياطة وغيرها الكثير الكثير….
احد مديري المدارس الخاصة، اوضح ان المواد التعليمية كثيرة، ويوجد في المدرسة اكثر من ثلاثمائة معلم ومعلمة من اصحاب الاختصاصات المختلفة وهم جميعا من حملة الشهادات ولهم حقوق على المدارس التي يعلمون فيها، اضافة الى الاداريين وسائقي الباصات والطباخين وعمال التنظيفات، وكذلك الطبيب والممرضة للحالات المرضية الطارئة للطلاب، مؤكدا ان على ادارة المدرسة إعطاء الحق لصاحبه، وكون المصاريف كثيرة وضرورية من المتوقع ان تدخل زيادة طفيفة على اقساط هذا العام خصوصا وان الغلاء مهيمن على كل السلع والوضع الاقتصادي مشلول، لافتا الى التعاون مع لجان الاهل لأخذ الامور بروية ودراسة لتحقيق الأفضل لتلامذة المستقبل.
اسعار الكتب
اما عن اسعار الكتب، فحدث ولا حرج، فالكتب الاجنبية تسعر باليورو ويصار الى تغييرها سنويا، فلا يتمكن الأخ الأصغر من الاستفادة من كتب الاخ الاكبر، عدا عن القرطاسية العصرية والحقائب المميزة التي تتنافس المكتبات الكبرى في عرضها عبر اللوحات الاعلانية التي تجتاح الطرق في محاولة لاستدراج الطلاب اليها.
اصحاب المكتبات العلمية لهم الحظ الأوفر في بداية كل عام دراسي، فتراهم ينهمكون في الرد على الزبائن وتلبية طلبات الجميع وتوفير كل المستلزمات مع فرض ارباح تعجز عنها جيوب المواطن صاحب الدخل المحدود وابي العائلة المتوسطة. فمنهم من يلجأ إلى الكتب المستعملة لتوفير المال ومنهم من يحاول بيع كتبه.
العبء الاكبر لدى الاهل، حين يتم تغيير الطبعات ودور النشر من عام الى اخر في المدرسة ذاتها وخصوصا بالنسبة الى كتب اللغات الاجنبية، فلا تصلح طبعة العام السابق للعام الحالي، اضافة الى دفاتر التطبيقات الإلزامية. بينما كتب اللغة العربية وكتب التاريخ والجغرافيا فاسعارها معقولة، ولا تقارن بالدفاتر والاقلام المستوردة.
الاهالي يدعون وزارة التربية والتعليم العالي الى تعزيز وتعويم التعليم الرسمي في لبنان ليتمكن من استيعاب عدد كبير من الطلاب من اجل تأمين ابسط حقوقهم الدراسة، كما يؤكدون ان انصاف المعلمين من خلال سلسلة الرتب والرواتب هو من الامور المحقة في شأنهم. اما تخفيف “الحشو” من المناهج التعليمية اسوة بالبلدان الكبرى فهو مطلب تلامذة الصفوف الثانوية. فدولة فنلندا احتلت المرتبة الأولى لناحية التعليم، رغم ان مدارسها تركز على اربع ساعات تعليم جدي يوميا، في ما تخصص الساعات الاخرى للترفيه والتسلية الثقافية والرياضية.
وعلى الأمل بعام دراسي مثمر، التمنيات بان يعود السلام الى ربوع الوطن فيستقر شبابه في ارضهم ويبعد شبح الغربة عنهم فيسخرون طاقتهم الإيجابية في بناء مجتمع المعرفة والازدهار.
وطنية