كثيرًا ما يطرحُ علينا غير المسيحيّ، هذا الأمر لغرض الدحض في حقيقة الإنجيل المقدّس .. وفي الواقع وغالبًا ما، يسأل ويُجيب ذاته ولا ينتظر منّا الجواب الصائب. لهذا، في هذا السؤال، سأضع كلمات ٍ بسيطة سهلة غير معقّدة حول: هل غيّر أو بدّل بولس إنجيل يسوع؟
قبل كلّ شيء، لا بدّ لنا أن نقول: إنّ الإنجيل الذي ينادي به بولس هو، أوّلا، رسالة خير أعلنها يسوع. وتركّز هذه الرسالة، لدى مرقس، على مجيء مُلك الله ( مر 1 : 14 – 15 ) . أمّا لدى بولس، فتتمحورُ حول قيامة المسيح المصلوب ( 1 قور 15 : 1 – 5 ). وكان بوسع بولس أن يقول إنه تلقّى هذه الرسالة من يسوع بالذات، طالما أنّ القائم من بين الأموات تراءى له على طريق دمشق، وقلب حياته رأسا على عقب . وبسبب هذه الخبرة المؤسّسة ، لم ينفكّ بولس قطّ من الرغبة في نقل هذه البشرى الفريدة إلى الوثنيين: لقد أقام الله مُرسَله يسوع . ولا يتكلّم بولس على يسوع بصيغة الماضي ، وإنّما بصيغة الحاضر . فمن خلاله – كما من خلال سائر الرسل – هو المسيح القائم الذي يستمرّ في التكلّم والعمل، كما كان في الجليل.
بولس لا يتكلّم عن إنجيل آخر غير “إنجيل الله” ، لأنه يدرك أنّ رسالة يسوع السارّة هي خاتمة الأسفار المقدّسة واكتمالها : أني لا أستحي بالبشارة، فهي قدرة الله لخلاص كلّ مؤمن، لليهوديّ أوّلا ثمّ لليونانيّ، فإن فيها يظهر برّ الله ، بالإيمان وللإيمان .(رومة 1 : 16 – 17 ) . فتاريخ الخلاص برمّته – وقد عاشه اسرائيل منذ أكثر من ألف سنة – ينفتح منذ الآن على الشعوب الوثنيّة . ويشعر بولس ، أنّ الله قد أرسله ، شخصيّا ، نحو الوثنيين كي يبلّغهم هذه البشرى السعيدة.
كثير من المؤرّخين اليهود اليوم يعتقدون أنّ يسوع بقي ضمن الديانة اليهوديّة – لا بل كان فيها شبه نبيّ – بينما شوّه بولس رسالته وابتدع ديانة جديدة : المسيحيّة . ويجدُ أيضا الكثير من المفسّرين المسيحيين ، من جهة أخرى ، مسافة بين كرازة يسوع في الأناجيل وتعليم بولس في رسالته . فهل صحيحٌ أنّ بولس قد بدّل إنجيل يسوع ؟
الجواب : نعم ولا
كيف؟ هناكَ ملامحٌ كثيرة تفصل بينهما ؛ فيسوع يهوديّ جليليّ ، عامل بسيط ، يتكلّم الآراميّة ، ولا يلتقي عادة إلاّ باليهود . أمّا بولس ، فهو يهوديّ من الشتات ، ومفكّر يجد نفسه في الحضارة اليهوديّ كما في الحضارة اليونانيّة . انه يتردّد على الجماعات اليهوديّة في الشتات ، وقد كانت منفتحة ً جدّا على الوثنيّة . وقلّما يدعو بولس يسوع باسمه فقط : بل يضيف ، إن لم نقلْ يفضّل أن يطلق عليه لقبين : مسيحًا وربّا . ومع ذلك ، نراه يتحدّث عن علاقته الشخصيّة به : ابن الله الذي أحبّني وجادَ بنفسه من أجلي . غلاطية 2 : 20
فروقات حقيقيّة
رسائل بولس تحتوي على مواد قليلة مشتركة مع الأناجيل : التأكيد على صلب يسوع وقيامته بالأخصّ ، ولكن أيضا على رواية العشاء الأخير في 1 كور11 : 23 – 25 . إلى جانب بعض القواعد في 1 كور 7 : 10 – 11 ؛ 9 : 14 . فالأساليب الأدبيّة مختلفة ولا شكّ : فالأناجيل اتخذت شكل روايات ، بينما كتب بولس رسائله في شكل خطابات . إنه يتوسّع ، طبعًا ، في مواضيع إنجيليّة كبرى ، كمحبّة الآخرين ، والرجاء بيوم الربّ ، ولا سيّما هبة الإيمان المجانيّة التي تجعلُ المرء بارّا أمام الله . إلاّ أنه لا يتكلّم قطّ عن الأعاجيب ، ولا يورد مثلا من الأمثال ، ويجهلُ العماد على يد يوحنّا ، كما يجهلُ التجلّي .. الخ . وحين يعرض بولس على الوثنيين الإيمان بيسوع ، يستخدمُ مفردات : برّر ، افتدى ، صالح ، حريّة ، شركة ، ضمير ، سرّ ، قوّات الخ.
يسوع ماتَ وقام عام 30 ، وكتب بولس آولى رسائله 1 تسالونيكي في حدود عام 50 ؛ فيما لن يكتب مرقس الإنجيل الأوّل إلا قبيل عام 70 . وعلى مر الأجيال ، كان الإنجيلُ يعاش ويتجسّد في جماعات تزداد اختلافا ، كما كانت تزدادُ انفتاحًا أيضا على الوثنيين . وهذا ما يفسّر معظم الفروقات التي لاحظناها .. لهذا ، لم ينكر بولس إنجيل يسوع المسيح فلقد بقي حتى الشغف تلميذا للمصلوب ، حتى الشركة في آلامه . وبدافع أمانته ليسوع ، طوّر طروحات الماضي كي يفتح الإنجيل للجميع.
بقلم عدي توما / زينيت