مرتين، جرى تناول الاعلام في جلسة المحاكمة في ملف أحداث عبرا. الأولى بمأخذ سجلته المحكمة على أحد المخلين في الملف، اذ أن الاخير أتى على ذكر رئيس المحكمة في تصريح اعلامي. الثانية عندما تمنى أحد وكلاء الدفاع على وسائل الاعلام نقل خلاصة الوقائع بدقة، مروراً بتناول ملفات التحقيق قبل صدور القرار الظني. فسقف الكلام الاعلامي عن ملف قيد النظر أمام القضاء دونه حدود عدم تجاوزه في مرحلة المحاكمة العلنية، اذ يمكن التصريح في صدده، ولكن يحظر التأويل وتحوير ما سيصدر عنها من أحكام أو استباقها. ولا يمكن التصريح بمجرياتها من دون استثناء، وثمة ضوابط تحكم هذه المسألة من الوجهة القانونية؟
يوضح المحامي الجزائي أنطوان نعمة لـ”النهار” “ان المعطيات التي تدور حولها المحاكمة تخضع للمبادئ التي يقوم عليها قانون أصول المحاكمات الجزائية التي تتمثل في الموازنة بين الحق العام ومفاهيم حقوق الانسان. فما يسوّغه المبدأ يجوز التصريح عنه، وما قد يشكل تجاوزاً على المبدأ يصاب بالحظر، ويمنع التصريح به لتأثيره في سير العدالة وفي الرأي العام. وحدود التصريح عما حصل في جلسة علنية يتمثل في تأمين حسن سير العدالة، لأن حق الإنسان في الاطلاع والوصول الى المعلومات مكرّس فقهاً وقانوناً، على ألا يساء استعماله بالتحوير في تناول العدالة واحقاق الحق. ومثل هذا الأمر يمكن فهمه على نحو جلي في الأنظمة القضائية التي تعتمد نظام المحلفين في صناعة الاحكام، حيث سيترك التصريح العلني تأثيراً في نفوس السامعين، هذا إن لم يعمد القائم بالتصريح الى تضخيم الوقائع او تخفيفها، مما سيحول دون نقلها بأمانة ويسيء على نحو أكيد الى استعمال الحق في الوصول الى المعلومة والمعرفة. فإن أجاز القانون التصريح بمجريات جلسة علنية، الا أنه قد لا يكون فوّض بإساءة استعمال هذا الحق. أما اذا تجاوز الغاية التي أعطي فيها هذا الحق للاطلاع على مجريات محاكمات علنية صوناً للعدالة وتأميناً لضمانها، فشكل التجاوز شكلاً من القدح والذم أو نقل أخبار كاذبة أو التشهير، فمثل هذه الحالة إساءة لاستعمال الحق ومخالفة جوهرية للقانون”.
ولكن قبل صدور القرار الظني أي في مرحلة التحقيقات الاولية من الضابطة العدلية وأمام قضاء التحقيق يقول نعمة: “لا يمكن التصريح لأنه يشكل انتهاكاً للمادة 53 من القانون نفسه التي تفرض سرية التحقيق وترتب العقوبة المقررة في حال مخالفة هذه الاحكام”. ويلاحظ أن “بعض الاعلام يتضمن العديد من التجاوزات. يتجاوز المحظورات محاولة منه لتسجيل النقاط. فتظهر مضبوطات وجميع أوراق التحقيق في وسائل اعلام قبل أن يصدر القرار الاتهامي بهدف السبق الصحافي، وضحية النشر يكون من وقع عليه الادعاء، لأن من شأن النشر أن يستبق الاحكام بالادانة، وهو ما قد يسيء الى حسن سير العدالة”.
واما تكرار ظاهرة التقاذف الكلامي واليدوي في مقابلات تلفزيونية فيدرجه نعمة في خانة “فقدان ثقافة الحوار الذي غالباً ما يكون مخرجاً للعديد من مشاهد الشجار والعراك اليدوي المؤسف، في باب “شر البلية ما يضحك”، مثل التوجه بالكلام القاذع وجهاً لوجه، ورمي اكواب الماء وتسديد اللكمات والعراك بالأيدي. والعجب أن تأتي هذه الافعال المنكرة علناً على أيدي النساء. ففي هذه الحالة ترتفع نسبة المشاهدة للبرامج بقدرة تراجع قدرة مقدمه على ضبطه. ويطرح السؤال نفسه عن سبل معالجة هذه المظاهر على رغم سطوع كلمة القانون في التصدي لها. فمن يبادر الى اثارة النزاع اليدوي واللفظي يرتسم ظله في خانة الخسارة، ويصبح محل استهجان لدى المجتمع. وهو ينتج ما يسمى الجدل البيزنطي الذي ينطلق ليستمر ولا ينتهي أبداً، من دون أي نتائج ملموسة.
كلوديت سركيس / النهار