حِكمة الرب أرادت في أن تكون دعوات قداسة أو تطويب القديسين شربل ونعمة الله الحرديني والأخ اسطفان نعمه والقديسة رفقا، قبل مؤسس الرهبنة عبدالله قراعلي. والسؤال الذي يُبادر في الأذهان: “هل يتبع الأب الروحي أولاده في القداسة على غرار أبويّ القديسة تيريزا من ليزيو شفيعة المرسلين؟”.
نبذة روحية
بحسب ما كتب الأب توما اللبودي عن قراعلي، “كان الأخير يعيش حياة تقشّف وقد أقام لنفسه عرزالا من عيدان الحطب والقش ينام عليه من غير الفراش وكان غطاؤوه يدفؤه لا غير.
كان عند قرع الناقوس يسبق الرهبان إلى الكنيسة، ومتى اجتمعوا جميعا يبدأ الصلاة بكلّ هدوء وخشوع؛ وبعد نهاية صلاة الليل، كان الرهبان يعودون إلى قلاليهم، أمّا هو فيظل في الكنيسة منتصبا للصلاة أمام المذبح لغاية صلاة الصباح، تارة جاثيا وطورا واقفا، وأحيانا ينكبّ على وجهه ويرشّ التراب والرماد على رأسه.
ومن حيث الإماتات والأصوام كان يمنع نفسه عن كلّ شيء يعرف أنّه يتلذّذ به. وكان يأكل كلّ أربع وعشرين ساعة مرّة واحدة في العشاء”.
التنسيقات من أجل فتح دعوى قداسته
في سؤالنا للأب يوسف بطرس حول التنسيقات التي تجري في ما يتعلّق بفتح دعوى قداسة الأسقف عبدالله القراعلي، يجيب: “ثمّة تنسيق بين أبرشيّة بيروت المارونية إذ كان قراعلي مطران سابق للأبرشية، والرهبانية اللبنانية المارونية والرهبانية المارونية المريمية”.
في حين أكّد لنا أنّ الدعوى “سلكت مسلكها”.
نبذة عن حياته
ينحدر المطران عبدالله قراعلي من عائلة مارونية غنيّة وعريقة. ولد في حلب العام 1672، ودُعي باسم “عبد الأحد”، عرف اللغتين السريانية والعربية، وأخذ يتعلّم الإيطالية من أجل والده الذي رغب في دفعه إلى السلك التجاري.
إلا أنّ قراعلي المُتفان، شعر ذات يوم بأنّ الله يريده في سلك العبادة والصلاة والتأمّل والانفراد. ففضّل إطاعته وقرر المجيء إلى لبنان موطن القديسين والعبّاد.
توفي في 6 كانون الثاني العام 1742، ودفن في كنيسة سيدة الوردية في زوق مصبح؛ وبعد 7 سنوات، أودع قسم من رفاته في دير مار الياس الراس، ودير مار يوحنا المعمدان حراش، ونُقل القسم الباقي باحتفال إلى دير سيدة اللويزة، دير الرئاسة العامّة، بعد 47 عاما من نذره الرهباني.
نبذة تاريخية
مرّ قراعلي بتجربة عصيبة وهو في الثامنة عشرة من العمر وقد أوصله المرض إلى الموت، فتأكّد أنّ الرهبنة هي الطريق الآمن لتحقيق فرح الحياة.
العام 1695، سام البطريرك اسطفان الدويهي جبرايل حوّا كاهنا، وقراعلي شماسا إنجيليا، من ثمّ ألبسهما مع صديقهما يوسف البتن الإسكيم الرهباني على الطريقة الرهبانية القديمة، بينما كانوا ملتجئين إلى دير سيّدة قنوبين.
بعد ذلك، اجتمعوا وحدهم، أقاموا القس حوّا رئيسا عليهم لأنه كان كاهنا، مشكّلين نواة رهبانية جديدة باسم “حلبيّة” ف”لبنانية”، تفرّعت منها في ما بعد الرهبانيّتان المريمية واللبنانية.
العام 1696، انتقلوا إلى دير مار اليشاع- بشرّي، كموضع دافئ لفصل الشتاء، ووكل دير مرت مورا إلى قراعلي الذي سيّم كاهنا في عيد الصليب من السنة نفسها على يد مطران إهدن. فكان الأخير بالإضافة إلى أعماله الإدارية، يهتمّ في تعليم أحداث البلدة القراءة والكتابة والتعاليم المسيحية، إلى أن تّم استبداله واستدعاؤه إلى دير مار اليشاع للمساعدة في إعداد القانون وترتيبه. فكان ذلك العام 1697، وقد جمعوا كتابا قسّموه إلى 22 بابا وحددوا فيه “شكل إدارة الرهبانية وكيفية سلوك الرهبان ومفهوم النذور”. وبعد عام، انعقد المجمع العام، فأثبت القس حوّا وأقام معه 4 مدبّرين من بينهم: قراعلي وجبرايل فرحات ويوسف البتن.
شهرة قداسته
صحيح أنّ من أسس الرهبانية هم أربعة أشخاص ويتساءل الكثيرون حول سبب التحضير لفتح دعوى إعلان قداسة قراعلي قبل أيّ راهب آخر؛ ولكن، اتّخذت شهرة قداسته رابطا مع الرهبانية:
إذ نشبت مشكلة بينه وبين الرئيس العام جبرايل حوّا آنذاك، وفي حين رأى حوّا في أن تكون الرهبانية للتبشير والوعظ، رأى قراعلي ضرورة أن تكون نسكية وتأمّلية ولا تتعاطى أعمال الرسالة إلا عندما تقضي الحاجة، فتبعه غالبيّة الرهبان. وكان الحلّ بتنحّي حوّا عن الرئاسة العامّة وإسنادها إلى قراعلي بقرار من الرهبان بعد انعقاد مجمع عام العام 1700 قبل أوانه، وذلك من دون استشارة أيّ منهما. إلاّ أنّ البطريرك قسّم الرهبانية بين الرئيسين وخُيّر الرهبان بينهما وظلّ الأب قراعلي في دير مار اليشاع يهتمّ بالرهبانية. وبعد أن اختصر القوانين ب15 بابا، نال موافقة الدّويهي وثبّتها في 18 حزيران من العام نفسه وأبرز رهبانه ال12 نذورهم بحسب القانون الجديد.
هذا ورُقِّيَ إلى الدرجة الأسقفية في 17 أيلول العام 1716، على أبرشية بيروت. وقد ساهم في الإصلاح الطائفي في الكنيسة المارونية، وعمل جاهدا على التئام المجمع اللبناني الذي انعقد في دير سيدة اللويزة العام 1736.
مؤلّفاته
كتب الأسقف قراعلي مؤلفات عدّة منها 7 روحية، أشهرها: “المصباح الرهباني”، و7 ليتورجية وأناشيد مقدّسة ك: “صلاتك معنا”، وحوالي ال20 افرامية، و11 مؤلفا في القانون: “كتاب الفتاوى”، والمؤلفات التاريخية.
أليتيا