في نظر كثيرين كان محمد حسنين هيكل صانعاً للأحداث، لكنه قبل كل ذلك صحافي ترك بصمته على المهنة في بلاده والدول العربية، فقد مارسها عقوداً طويلة ولم يستطع اعتزالها، وترك وراءه 40 كتاباً وعدداً لا يحصى من المقالات.
كان والده ذا جذور صعيدية ويرغب في أن يصير نجله طبيباً، لكنه اختار لنفسه مساراً مختلفاً. بدأ مشواره الصحافي عام 1943 مراسلاً عسكرياً يغطي المواجهة بين القوات الألمانية والبريطانية في الأيام الأخيرة للحرب العالمية الثانية حول مدينة العلمين المصرية على البحر الأبيض المتوسط. كان في حينه محرراً في صحيفة “إجيبشان غازيت” التي تصدر بالإنكليزية. واختاره رئيس تحريرها سكوت واطسون ليتولى تلك المهمة على رغم صغر سنه وحداثة تجربته.
التحق في العام التالي بمجلة “روز اليوسف” الأسبوعية بعدما تعرف الى مالكتها فاطمة اليوسف، وعمل بين عامي 1953 و1956 في مجلة “آخر ساعة”، وعام 1957 انتقل إلى مؤسسة “الأخبار” حيث تولى رئاسة تحرير صحيفة “أخبار اليوم” الأسبوعية وكان في حينه على مشارف الثلاثين من العمر.
وكانت المحطة الأبرز في حياته انتقاله إلى “الأهرام”. ومنذ العاشر من آب 1957 ظل يكتب مقاله الشهير “بصراحة” في العدد الأسبوعي من “الأهرام” كل يوم جمعة، وكان أحياناً يغطي صفحة كاملة، واستمر في ذلك حتى الأول من شباط 1974 حين ترك الصحيفة بقرار من الرئيس أنور السادات. وصار صحافياً حراً وتفرغ لإجراء المقابلات ووضع الكتب والمقالات.
وخلال تلك الفترة الممتدة بين 1957 و1974 ذاعت سمعة الصحيفة المصرية بحيث صارت تعرف بـ”نيويورك تايمس العالم العربي”. وكان مقاله الأول في “الأهرام” بعنوان “السر الحقيقي في مشكلة عُمان” والأخير بعنوان “الظلال.. والبريق”.
وأتاح له عمله مراسلاً متجولاً بين عامي 1946 و1950 السفر والتنقل وراء الأحداث، من بلدان الشرق الأوسط إلى البلقان، وأفريقيا والشرق الأقصى حتى كوريا. وأرسل تقارير عدة من إيران التي كانت موضوعاً لكتابه الأول “إيران فوق بركان” عام 1951، ثم كتب بالإنكليزية عن ذلك البلد “عودة آية الله” عام 1982، وقد ترجم إلى العربية بعنوان “مدافع آية الله”.
وأدخل هيكل تحسينات كبيرة على أسلوب “الأهرام” من حيث الدقة ونهج الكتابة، مخففاً النغمة العاطفية المثيرة التي عُرفت بها. وكان يصر على معايير الجودة في إنتاجها وإخراجها. واستعان بشباب من المتخرجين الجامعيين، ودربهم للعمل في التحقيقات الصحافية، وأسس “مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية”. ونجح خلال عمله في الصحيفة في إرساء علاقات صحافية دولية جعلت لـ”الأهرام” موقعاً في الإعلام العالمي. ومن أجل “الأهرام” والبقاء فيها رفض هيكل مراراً عروضاً لتولي حقائب وزارية.
كتبه
ومن أبرز كتبه “سقوط نظام، لماذا كانت ثورة 1952 لازمة؟” و”اتفاق غزة – أريحا أولاً، السلام المحاصر بين حقائق اللحظة وحقائق التاريخ”، و”خريف الغضب” الذي نشر في 31 لغة، و”الطريق إلى رمضان”، و”أوهام القوة والنصر”، و”أبو الهول والقوميسير”، و”بين الصحافة والسياسة” و”حرب الخليج.. أوهام القوة والنصر” و”الخليج العربي.. مكشوف” و”الإمبراطورية الأمريكية” و”العروش والجيوش”.
وله “المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل” في ثلاثة مجلدات تشرح المسار التاريخي للمفاوضات. وحمل المجلد الأول عنواناً فرعياً هو “الأسطورة والإمبراطورية والدولة اليهودية”، والثاني “عواصف الحرب وعواصف السلام”، والثالث “سلام الأوهام.. أوسلو – ما قبلها وما بعدها”. وهو عارض اتفاق أوسلو بين الفلسطينيين وإسرائيل. وكتب مقدمة كتاب “غزة – أريحا.. سلام أميركي” للمفكر الفلسطيني إدوارد سعيد.
وسجل هيكل جوانب من تفاصيل الحروب العربية – الإسرائيلية وخلفياتها في ثلاثة كتب بعنوان “حرب الثلاثين سنة”. وحمل المجلد الأول عنوان “ملفات السويس” والثاني “1967.. سنوات الغليان” والثالث “أكتوبر 73.. السلاح والسياسة”.
وحين بلغ الثمانين عام 2003، كتب سلسلة مقالات عنوانها “استئذان في الانصراف.. رجاء ودعاء وتقرير ختامي”. لكنه طولب بعدم التخلي عن الكتابة، فكان يعاودها بين حين وآخر، فينشر هنا أو هنالك عن رحلة أو تجربة في صحف ومجلات عدة.
وفي حياته المهنية، حاور هيكل معظم الرموز السياسية والثقافية والفكرية في القرن العشرين، منهم عالم الفيزياء ألبرت أينشتاين والقائد البريطاني الفيلد مارشال برنارد مونتغومري والزعيم الهندي جواهر لال نهرو وصانع الثورة الإيرانية الإمام الخميني وامبراطور اليابان أكيهيتو والرئيس الفرنسي سابقاً فرنسوا ميتران. وصدرت تلك المحاورات في كتابه “زيارة جديدة للتاريخ”.
وفي كتابه “بين الصحافة والسياسة” اتهم زميله مصطفى أمين بالتجسس لحساب الولايات المتحدة، وظلت المنافسة قائمة بين الرجلين الى حين رحيل أمين.
أما الصحافي موسى صبري الذي تولى رئاسة تحرير “أخبار اليوم” وكان مقرباً من السادات، فكتب في كتابه الشهير “السادات.. الحقيقة والأسطورة” أن خلاف هيكل والرئيس الراحل يعود إلى ما قبل تولي السادات السلطة.
النهار