يا بُنيّ، لا تحاول أن تميّز في الناس بين مستحق وغير مستحق! بل ساوِ بينهم، لكي تُحبُّهم وتَخدُمُهُم، فتربَحَهُم للخير جميعًا. أمَا اشتركَ الربُّ في مائدة العشارين والخطأة، كما لم يَنبِذ عنه غيرَ المُستحقّين؟ كذلك اصْنَع الإحسان والإكرام إلى الكافر والقاتل دونما تمييز: كلاهما أخٌ لك يشترك في الطبعِ البشريّ نفسه.
إليك، يا بُنيّ، وصيَّتي: لتكُن في ميزانك كفةُ الرَّحمة هي الراجحةُ أبدًا ، حتّى تحُسّ في نفسِكَ بتِلكَ الرَّحمة عينِها التي يكِنُّها الله للعالم في ذاته.
ومتى يعرِفُ الإنسان أن قلبه بلغَ النقاوة؟
عندما يحسَبُ الناسَ كلَّهم صالحين، ليس بينَهم أحد غيرَ نقيّ! إذاك يكون قلب الإنسان في الحقيقة نقيا.
وما نقاوةُ القلب؟
بوجيز العبارة، هي رحمةُ القلب على الكَون بأسره.
وما هي رحمةُ القلب؟
هي الشُّعلة التي تُلهِبُهُ إلى كلّ الخلق، الإنسان والحيوان والطير والشيطان، كلِّ مخلوق… إذا فكّرَ الإنسانُ فيها، أو نظرَ إليها، أحسّ بعينيه تمتلئان دموع شفقة عميقة شديدة، تعصُرُ قلبَه فتجعلُه غيرَ قادرٍ على أن يسمحَ أو يسمعَ أو ينظُرَ أقل أذىً أو أيَّ عذابٍ في أيِّ مخلوق!
لذلك فالصلاةُ المقرونَةُ بالدموع تشمُلُ دائما، على حدٍ سواء، الخلائِقَ غيرِ الناطقة، وأعداءَ الحقّ أنفُسَهُم، أو من يُقاومَه، ليُحفَظوا ويُطهَّروا. هي شفقةٌ بغير قيَاسٍ تولدُ في قلب الإنسان، فتجعَلُه شبيها بالله.
قراءة من مار اسحق السرياني (أواخر القرن السابع)
المرجع: كتاب “الشحيمة” – الزمن العادي، الكسليك، 1982، ص. 633
Zenit