نظمت اللجنة الوطنية اللبنانية لليونسكو بالتعاون مع منظمة اليونسكو – قطاع الاتصال والمعلومات – باريس ومكتب بيروت الاقليمي ومنظمة “الالكسو” ورشة عمل تدريبية اقليمية عن برنامج “ذاكرة العالم: صون وتعزيز التراث الوثائقي العربي”، برعاية وزير الثقافة ريمون عريجي وفي حضور الامينة العامة للجنة الوطنية اللبنانية لليونسكو البروفسورة زهيدة درويش جبور، مدير مكتب اليونسكو في بيروت حمد الهمامي ممثلا مدير المكتب بالانابة سليمان سليمان، مدير معهد المخطوطات العربي التابع للمنظمة العربية للتربية والثقافة فيصل الحفيان، مدير قطاع الاتصال والمعلومات في مكتب اليونسكو الاقليمي في بيروت جورج عواد.
وتندرج هذه الورشة في إطار الاحتفاء بالعيد السبعين لتأسيس منظمة اليونسكو، ويشارك فيها خبراء ومتخصصون من الدول العربية التي تعتمد اللغة الفرنسية لغة ثانية، وهي: تونس، المغرب، الجزائر، موريتانيا، الصومال، جيبوتي وجزر القمر، إضافة الى سلطنة عمان وحشد من ممثلي المؤسسات والادارات اللبنانية الرسمية والاكاديمية والثقافية.
بعد الافتتاح، النشيد الوطني، فكلمة ترحيبية لمسؤول برامج الاتصال والمعلومات في مكتب بيروت لليونسكو جورج عواد، ثم قدمت للورشة الامينة العامة المساعدة ومسؤولة الاتصال والاعلام في اللجنة الوطنية اللبنانية لليونسكو رمزة جابر التي أشارت الى “ان الحضارة العربية هي أقدم حضارات التاريخ، وثائقها شواهد عليه، والتاريخ شاهد على حضورها وحضاراتها على مر العصور”، لافتة الى “أننا نحتاج الى أن نستذكر أكثر من أي وقت مضى تاريخنا الموثق والشاهد على إسهاماتنا في مختلف مجالات المعرفة الانسانية”.
جبور
ثم ألقت جبور كلمة قالت فيها: “يسعدني أن أرحب بكم في هذه الورشة الإقليمية حول صون وتعزيز التراث الوثائقي العربي التي تنظمها اللجنة الوطنية اللبنانية لليونسكو بدعم من منظمة اليونسكو ممثلة بالسيدة إسكرا بانفسكا والسيدة ماريا ليوليو، وبالتعاون مع المنظمة العربية للتربية والعلم والثقافة ممثلة بالدكتور فيصل الحفيان. تأتي هذه الورشة استكمالا لورشة عمل أخرى سبقتها، نظمت في سلطنة عمان بمبادرة من اليونسكو وبالتعاون مع اللجنة الوطنية العمانية، وقد شارك فيها عدد من ممثلي المراكز والجهات المختصة في مصر ومنطقة الخليج العربي، وهي تهدف كما سابقتها الى تعزيز قدرات الدول في حفظ التراث الوثائقي وتمكينها من إعداد الملفات الخاصة بهذا التراث لترشيح عناصره الى سجل ذاكرة العالم الذي أنشأته اليونسكو سنة 1997، هذا مع العلم أن العمل على رقمنة هذا التراث أصبح ضروريا في ضوء اتساع نطاق الشبكة العنكبوتية وتزايد أعداد مستخدميها، ونظرا لقلة حجم المحتوى العربي على الشبكة وصعوبة الوصول الى معلومات دقيقة وحديثة عن التراث الحضاري العربي على الشبكة”.
وتابعت: “لن أضيف جديدا إن قلت أن التراث الوثائقي العالمي يشكل جزءا لا يتجزأ من التراث الثقافي للبشرية ويتكامل مع التراث الثقافي المادي واللامادي ليشكل ثالوثا تعمل كل من اليونسكو والألكسو على حفظه وحمايته من التعديات والاندثار. فقد أطلقت اليونسكو برنامج ذاكرة العالم لتفادي فقدان الذاكرة الجماعية وتعزيز وصون مقتنيات دور المحفوظات والمكتبات في كل أنحاء العالم وتأمين نشرها على أوسع نطاق. كما أن مجلس وزراء الاتصال والمعلومات العرب قد اعتمد سنة 2006 مشروع ذاكرة العالم العربي الذي حظي بدعم الوزراء المسؤولين عن الشؤون الثقافية في الوطن العربي وهو يهدف الى التوثيق الرقمي للتراث والى توفير قاعدة معرفة تعزز مشاركة المنظمات الحكومية وغير الحكومية الدولية والإقليمية والمحلية، ويتضمن مشروع ذاكرة العالم العربي المخطوطات العربية، وتراث الموسيقى العربية، والأمثال الشعبية”.
وأضافت: “هنا لا بد من التذكير بأن لبنان تمكن سنة 2005 من إدراج الأبجدية الفينيقية وألواح نهر الكلب الأثرية في سجل ذاكرة العالم كما أن المغرب نجح في إدراج كتاب العبر لإبن خلدون ومصر مخطوطة الشهنامة ومجموعة المخطوطات الفارسية التي تملكها دار الكتب المصرية في هذا السجل ونأمل أن تفتح هذه الورشة الإقليمية التي تغتني بمشاركة خبيرين مشهود لهما في هذا المجال أعني الأستاذ عبد العزيز عبيد والأستاذ فريديريك بازوني، الطريق نحو إدراج المزيد من الوثائق والمخطوطات التي يذخر بها عالمنا العربي والتي تتمتع بقيمة ثقافية إنسانية كبيرة”.
وختمت: “لا يسعني إلا أن أتمنى للضيوف الكرام حسن الإقامة في بيروت ولأصدقائنا المشاركين المحليين الإفادة من هذه الفعالية. ولن أنسى أن أوجه الشكر لمنظمة اليونسكو في باريس، ولمدير المكتب الإقليمي في بيروت الصديق الدكتور حمد الهمامي ولمنظمة الألكسو على الدعم والتعاون، والشكر موصول لفريق العمل في اللجنة الوطنية وبالأخص للأمينة العامة المساعدة السيدة رمزا جابر سعد التي أشرفت على إعداد وتنفيذ هذه الورشة من ألفها الى الياء”.
الهمامي
ثم كانت كلمة الهمامي، ألقاها مدير المكتب بالانابة الدكتور سليمان سليمان الذي قال: “أنشأت اليونسكو سجل ذاكرة العالم عام 1992، وجاء الزخم اصلا من الوعي المتزايد المحفوف بالمخاطر من الحفاظ على، والوصول الى التراث الوثائقي في اجزاء مختلفة من العالم. الحروب والاضطرابات الاجتماعية، فضلا عن النفس الحاد في الموارد، قد فاقم المشاكل التي كانت موجود منذ قرون، مجموعات كبيرة في جميع انحاء العالم عانت حالات مختلفة، النهب والتشتت، والتجارة، والتدمير، والحفظ غير الملائم، وغير المشروع، ولكن لحسن الحظ، تم اكتشاف عدد من التراث الوثائقي المفقود في بعض الأحيان.
ففي عام 1993، اجتمعت لجنة استشارية دولية لأول مرة في بولندا، وأنتجت خطة عمل أكدت دور اليونسكو منسقا ومحفزا لتوعية الحكومات والمنظمات الدولية والمؤسسات، وتعزيز الشراكات من أجل تنفيذ المشاريع، وبدأ إعداد المبادىء التوجيهية العامة لبرنامج من خلال عقد مع الاتحاد الدولي لجمعيات المكتبات، جنبا الى جنب مع تجميع قوائم مجموعات المكتبة بشكل لا يمكن علاجه والارشيف. وأعدت اليونسكو من خلال اللجان الوطنية قائمة بمقتنيات وأرشيف المكتبة المهددة بالانقراض، وقائمة عالمية للتراث السينمائي الوطني.
وفي الوقت نفسه، بدأت مجموعة من المشاريع الرائدة التي تستخدم التكنولوجيا المعاصرة لإعادة إنتاج التراث الوثائقي الاصلي على وسائل الاعلام الاخرى. (وهذه تشمل، على سبيل المثال،CD ROM من القرن ال 13، وتعقب اصول شعوب اوروبا وغيرها)، هذه المشاريع تعزز فرص الحصول على هذا التراث الوثائقي وتساهم في الحفاظ عليها”.
وأضاف: “إن رؤية سجل ذاكرة العالم هي أن التراث الوثائقي في العالم ملك للجميع، ينبغي الحفاظ عليه وحمايته للجميع، وينبغي ان يكون متاحا بشكل دائم للجميع دون أي عائق.
فمهمة برنامج ذاكرة العالم هي:
– تسهيل الحفظ من خلال أكثر التقنيات المناسبة، من التراث الوثائقي في العالم، ويمكن أن يتم ذلك من خلال تقديم المساعدة العملية المباشرة، من خلال نشر المشورة والمعلومات وتشجيع التدريب، أو عن طريق ربط الجهات الراعية مع المشاريع المناسبة في الوقت المناسب.
-مساعدة في الحصول على التراث الوثائقي للجميع، ويشمل هذا التشجيع لعمل نسخ رقمية والفهارس المتاحة على شبكة الانترنت، فضلا عن نشر وتوزيع الكتب والاقراص المدمجة وأقراص الفيديو الرقمية، وغيرها من المنتجات، على نطاق واسع وبشكل منصف، حيث حق الوصول محترم، وسيتم احترام الحساسيات الثقافية وضمان حقوق الملكية الخاصة في القانون.
– زيادة الوعي في جميع أنحاء العالم على أهمية التراث الوثائقي، وتشمل ولكن ليس على سبيل الحصر، تطوير الذاكرة من سجلات العالم، ووسائل الاعلام والمنشورات الترويجية”.
الحفيان
من جهته قال الحفيان: “إن المنظمة العربية العربية والثقافة والعلوم تصنع التراث بأنواعه المختلفة ضمن أولويات التنفيذ”.
وأضاف: “إن الذاكرة العربية هي أغنى الذاكرات الحية، فالارقام تقول ان عدد المخطوطات العربية الموزعة في انحاء العالم تراوح بين مليون وثلاثة ملايين مخطوط، في حين أن عدد المخطوطات الاغريقية لا يزيد على 50 الف مخطوط، والمخطوطات اللاتينية لا تزيد في احسن الاحوال على 30 الف مخطوط/ مما يلقي عبئا كبيرا علينا نحن العرب تجاه هذا التراث”.
وأكد أن “التراث المخطوط هو أهم أنواع التراث لانه مرتبط بالمعرفة وبالعقل وبه كان بناء الحضارة العربية التي ظلت قرونا عديدة لغة العلم من دون منافس”.
وقال: “ما يؤسف له أن 4 دول عربية فقط هي التي لها تراث مدرج في برنامج ذاكرة العالم، والتي هي لبنان، سلطنة عمان، مصر، والمغرب”.
ولفت الى “أن عدد المجموعات المسجلة من هذه الدول هو 9 مجموعات فقط”، داعيا الى “ضرورة الاهتمام أكثر بالتراث الوثائقي وتحديدا المخطوطات في ظل الصراعات القائمة في الدول العربية اليوم، وهي صراعات تستهدف التراث بالدرجة نفسها التي تستهدف الانسان”.
كلمة عريجي
وختاما، ألقت جبور كلمة الوزير عريجي لعدم تمكنه من الحضور، وجاء فيها:
“تجتمعون اليوم في بيروت في هذه الورشة الإقليمية، يجمعكم إيمان واحد بأن الثقافة العربية لديها الكثير لتعطيه للثقافة الإنسانية العالمية، وتحرككم رغبة صادقة في تظهير وبلورة ما يشتمل عليه تراثنا الثقافي العربي وعلى الأخص الوثائقي منه من مخطوطات وعناصر على أهمية كبيرة في تاريخ الفكر وتطور الحضارة الإنسانية. فلطالما شكلت المنطقة العربية فضاء للتنوع والتفاعل البناء بين ثقافات الشعوب التي استقرت فيها وانتمت اليها، يوحدها على تنوع ثقافاتها وانتماءاتها الدينية التاريخ واللغة والذاكرة الجماعية المشتركة. يطيب لي التذكير في هذا السياق بأن مدنا عربية كالإسكندرية وحلب وبيروت كانت منذ منتصف القرن التاسع عشر وفي مطلع القرن العشرين تعتبر حواضر كوزموبوليتية بامتياز تتلاقح فيها الأعراق وتتنوع فيها العادات والتقاليد وأنماط العيش في مناخ من الوئام والإنسجام. التذكير بهذا الزمن الجميل يفرض نفسه اليوم للتأكيد أن ما تشهده المنطقة من مظاهر التعصب الديني والنزعات الإلغائية للآخر المختلف وما يرتكب باسم الإسلام من أعمال عنف لا يمت بصلة الى الثقافة الإسلامية والعربية، ويتعارض جوهريا مع رحابة الإسلام الذي انتشر في أصقاع الأرض وبنى حضارته في حركة انفتاح على الثقافات والحضارات والديانات الأخرى، ولعل ذروة هذا الانفتاح كانت في بلاد الأندلس حيث ازدهرت الفلسفة وعلم الاجتماع وفن الغناء والموسيقى وفنون العمارة. تكفي الإشارة في هذا السياق الى علمين لا يزال اسمهما يلمع في العالم أجمع ويشكل نتاجهما جزءا ثمينا من التراث الثقافي الإنساني عنيت ابن رشد وابن خلدون.
إن تراثنا الثقافي العربي بوجوهه المتنوعة المادية واللامادية والوثائقية، مهدد اليوم بسبب المجموعات المتطرفة التي تنذر ممارساتها بالعودة الى البربرية. إن ما جرى في العراق، وفي مصر، وفي سوريا، حيث يزحف الخطر راهنا في اتجاه مدينة تدمر ومعالمها الأثرية التي تشكل ثروة تاريخية إنسانية إنما يهدف الى تدمير التراث لمحو الذاكرة الجماعية، وبالتالي، لمحو معالم الهوية، لندخل في التشتت والتفتت والضياع. وما يجري اليوم إنما يطال الإنسانية جمعاء وليس حكرا على البلدان التي يطالها التدمير الهمجي لآثارها وحضارتها. من هنا كانت الحملة العالمية التي أطلقتها منظمة اليونسكو في العراق في آذار المنصرم، تحت عنوان “متحدون من أجل التراث”، والتي شكلت أحد أهداف زيارة السيدة إيرينا بوكوفا المديرة العامة للمنظمة الى لبنان الأسبوع المنصرم، بعد أن شاركت في مؤتمر عقد في القاهرة لحماية الآثار. وقد طالبت أثناء مشاركتي في هذا المؤتمر بألا تقتصر الحملة على حماية المواقع الأثرية بل أن تشمل عناصر التراث الأخرى أي الكتب واللوحات والمنحوتات، علما أننا أوقفنا في لبنان محاولات عدة لتهريب أيقونات وخشبيات من حلب وبعض المدن السورية وأعدناها الى منشئها.
إن مراكز المخطوطات والأرشيف كما مكتبات الجامعات والمعاهد والأديرة ودوائر الأوقاف غنية بالوثائق والمخطوطات التي تشكل وعاء للذاكرة الجماعية وتحتوي على كنوز يمكن الإفادة منها لفهم أفضل للحراك الفكري والاجتماعي في المجتمعات العربية خلال الحقبات المتتالية. وهذه المخطوطات هي أمانة في أعناقنا تنبغي المحافظة عليها، وإعداد لوائح بها وصولا الى إعداد ملفات خاصة لترشيح تلك التي تنطبق عليها المعايير، للأدراج في سجل ذاكرة العالم. إن وزارة الثقافة تبدي استعدادها للتعاون مع منظمة اليونسكو بالتنسيق مع اللجنة الوطنية لليونسكو والخبراء المختصين في سبيل تسجيل عناصر جديدة من التراث الوثائقي في سجل ذاكرة العالم، بعد أن تم إدراج الأبجدية الفينيقية وألواح نهر الكلب الأثرية في هذا السجل. إن العمل على حماية التراث من التدمير في زمن الحروب والأزمات يتكامل مع السعي إلى إظهار أهمية هذا التراث على المستوى العالمي كجزء لا يتجزأ من الإرث الثقافي المشترك للبشرية، وتلك مهمة تدأبون على القيام بأعبائها، فبوركت جهودكم وتوجت مساعيكم بالنجاح”.
وطنية